12/03/2011 - 15:49

قراءة في الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية../ ماجد عزام*

ببساطة انهيار نظام مبارك كشف إسرائيل على حقيقتها متغطرسة متعالية متناقضة هلعة منفصلة عن محيطها ومستجداته، وهي رأت سقوط نظام مبارك كنذير شؤم وكارثة على المصالح الإسرائيلية الاستراتجية، والعكس صحيح طبعا بالنسبة لنا الدولة العبرية عاشت أصلا لستين سنة بسبب وجود أنظمة كهذه وزوالها يعني أنها لن تستطيع بالتأكيد الاستمرار لستين سنة أخرى، وربما أقل من ذلك الأمر يعتمد طبعا على طريقة تصرفنا كعرب، ولكن النهاية حتمية في كل الأحوال وهي برأيي مسألة وقت ليس إلا

قراءة في الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية../ ماجد عزام*
قدم التعاطى الإسرائيلي مع الثورة المصرية وتداعياتها صورة واضحة عن حقيقة الدولة العبرية حيث الغطرسة والعنجهية والتعالي والانفصام عن المحيط كما الواقع المتردي والآفاق الاستراتيجية القاتمة.
 
مع انطلاق الشرارة الأولى لانطلاق الثورة تعاطت اسرائيل معها على المستوى الرسمى- وحتى الإعلامي- باستخفاف، وبدت التوقعات أقرب في الحقيقة إلى الأمنيات وطمأنة النفس بنظام مبارك المستقر والقوى والمتمرس في قمع الشعب والقادر حتما على مواجهة تحدي الثورة دون أي إلتفات إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان ورغبة الشعب المصري في الانعتاق من نظام ظالم مستبد فاسد وقمعي حتى باعتراف الاسرائيليين انفسهم.
 
مع الأسبوع الثاني للثورة، وبعد اتضاح عجز مبارك وزعرانه عن التصدى للثورة وملايينها خاضت إسرائيل حملة سياسية وإعلامية واسعة للدفاع عنه تحت شعار الاستقرار أهم من الديمقراطية، ومصالح إسرائيل والغرب لها الأولوية على أي أمر آخر مع التباهي بأن إسرائيل ليست فقط واحة الديمقراطية، وإنما أيضا واحة الاستقرار فى إقليم مضطرب، حسب تعبير نتن ياهو، وهذا الموقف تحديدا أثار المعلق الشهير توماس فريدمان الذى انتقد تناقض اسرائيل وانقطاعها عن محيطها، فهي من جهة تتباهى بالديمقراطية التي توفر الاستقرار، ومن جهة أخرى تتنكر لثورة شعبية وجماهيرية تطالب بالديمقراطية والحرية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها. فريدمان أشار كذلك إلى أن مواقف إسرائيل المتناقضة أثارت الغثيان فى البيت الأبيض من جهة، كما أنها أظهرت حالة الانفصام التي تعيشها من جهة أخرى، والتي تمنعها عن رؤية المحيط ومستجداته. وببساطة -والكلام ما زال لفريدمان- فإن أسرائيل أقامت سلاماً مع شخص واحد أو فرعون واحد، وعليها الآن أن تجد السبل لإقامة سلام مع ثمانين مليون مصري.
 
في الأسبوع الثالث للثورة، ومع اتضاح تحول مبارك إلى جثة سياسية، وخروجه من المشهد السياسي، واستحالة بلورة أي حل بوجوده سعت إسرائيل بنجاح لدى الإدارة الأمريكية إلى تسويق فكرة انتقال سلمي ومنظم للسلطة -بدون فوري- وكان هدفها الرئيس تسليم السلطة للجنرال عمر سليمان بصفته مرشحها المفضل والموثوق والمجرب للحلول محل مبارك، ولإفراغ الثورة من محتواها عبر الحفاظ على النظام وسياساته مع تغيير الرأس فقط.
 
صورة عن الموقف الإسرائيلي المتناقض والمتغطرس نجدها أيضا في كيفية مقاربة شيمون بيريز للثورة المصرية، وهو بداية كال المديح للرئيس المخلوع مبارك الذي رغم أخطائه حافظ لعقود على السلام والاستقرار فى المنطقة، والعبارة ليست سوى استعارة أو تعبير حركي عن المساهمة في أمن إسرائيل وحفظ مصالحها غير أننا نجد مزيدا من التناقض والغطرسة والانفصام فى خطاب بيريز الذي ألقاه في افتتاح مؤتمر هرتسيليا لهذا العام، حيث دعا الغرب إلى عدم الصدام مع أنظمة الاستبداد التي ترفض إدخال الإصلاحات الديمقراطية إليها، وطالبه بدلا من ذلك بإدخال التكنولوجيا المتقدمة وتشجيع شركاتها الكبرى على الاستثمار في هذا المجال الذي لا ترفضه تلك الأنظمة. والنتيجة برأي بيريز أن الشباب العربي سيحمل الـ"آيفون" بدلا من الحجارة. والحقيقة أن هذا التصريح يحمل مضمون الموقف الإسرائيلي المتغطرس والمنفصم عن المحيط العربي غير الجاهز أو غير المؤهل للديموقراطية، وحتى التكنولوجيا المتقدمة تهدف أساسا إلى حماية الأنظمة التي تحمي إسرائيل وإلهاء أو إشغال الشباب عن قضاياهم في تجاهل لحقيقة أن ثورة مصر وأخواتها هي ثورة الهاي تيك بامتياز، ثورة الفيسبوك واخواته تويتر ويوتوب.. ثورة يقودها الشباب المتعلم والمثقف الباحث عن حقوقه الإنسانية الأساسية التي لا تقيم لها اسرائيل وزنا او بالاً.
 
العجوز الفيلسوف والخرف غير أقواله بمجرد نجاح الثورة المصرية وانتقالها إلى دول عربية أخرى، وقبل توجهه إلى إسبانيا لإجراء حوار ذي طابع استراتيجي مع مسؤوليها، وتحت وطاة العزلة الشديدة التي تعانيها إسرائيل في الفترة الأخيرة، حيث قال للإذاعة الإسرائيلية إن "الأنظمة الاستبدادية ستذهب بينما الفيسبوك باق"، في تناقض مع نظريته أمام مؤتمر"هرتسيليا" عن إمكانية المزاوجة بين تلك الأنظمة والتكنولوجيا العالية، وِأن من يحمل الـ "آيفون" لن يحمل الحجارة أو حتى لن يخرج مطالبا بحقوقه، ولو بشكل سلمي وحضاري، كما رأينا في القاهرة والمدن المصرية والعربية الأخرى.
 
إثر انهيار نظام الرئيس المخلوع في مصر تعاطت إسرائيل مع الأمر بهلع، وكما دائما، كان المدخل الأمني حاضرا، وقررت على الفور زيادة ميزانيتها الأمنية بمبلغ مائتى مليون دولار، وأرسلت إيهود باراك وعوزي أراد وآخرين إلى واشنطن، واستقبلت الجنرال مايكل مولن فى تل أبيب، وتركزت الحوارات ذات الطابع الاستراتيجي على استخلاص العبر من الثورة المصرية، وبلورة قناعات مشتركة تجاهها كما تجاه تداعياتها الهائلة على المنطقة. وكما العادة كان الابتزاز الإسرائيلي حاضرا عبر مطالبة الولايات المتحدة بمزيد من الدعم المالي والعسكري لمواجهة الواقع الجديد في المنطقة. حيث ترى إسرائيل آثارا سلبية هائلة وذات بعد استراتيجي للثورة المصرية عليها، كما على مصالحها في المنطقة. وهي تفهم ما جرى على النحو التالي:
 
* انهيار نظام مبارك يعني انهيار النظام الوحيد والأخير الحليف لها في المنطقة بعد انهيار نظام الشاه فى إيران منذ ثلاثة عقود، وانهيار التحالف مع تركيا منذ ثلاثة أعوام تقريبا. وهذا الأمر ستكون له عواقب استراتيجية حيث سيعمق من عزلة إسرائيل، ويزيد الضغوط عليها ناهيك عن مواجهتها وحدها لحزمة كبيرة من التحديات الداخلية والخارجية دون شريك أو حليف قوى ومصداق لديها.
 
انهيار نظام مبارك قد يؤدي ولو على المدى المتوسط والطويل إلى انهيار معاهدة "كامب ديفيد"، كما يعني وضع حد للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية الهائلة التي جنتها إسرائيل من المعاهدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نهاية حقبة الحروب الكبرى مع العرب، وتكريس حقبة طويلة من الهدوء التى استفاد منها الاقتصاد الإسرائيلي بجوانبه المختلفة، ومنها تغيير تركيبة الجيش وتقليص عديد الجيش البري لصالح التركيز على الأذرع الأخرى، وإدخال التكنولوجيا العليا إليها وفق مصطلح الجيش الصغير والذكي، إضافة إلى إطلاق يده فى شن حملات وعمليات عسكرية موسعة ضد لبنان وغزة.
 
 وببساطة فإن انهيار المعاهدة يعني حدوث العكس تماما، وعلى سبيل المثال أيضا وليس الحصر، فإن إسرائيل قد تواجه احتمال عودة الخطر إلى الجبهة الجنوبية الشاسعة والمترامية الأطراف ما يعني ليس فقط تخفيف ضغطها واستنفارها على الجبهات الأخرى والشمالية تحديدا، وإنما إعادة نشر الجيش وتوسيع الذراع البرية وتخصيص مبالغ مالية هائلة، والأمران غير متوفرين حيث لا ميزانيات ولا حتى جنود لنشرهم بعدما تحول "جيش الشعب" إلى "جيش نصف الشعب"، حسب التعبير الساخر لإيهود باراك، وربما يتحول إلى جيش ربع الشعب فى العقود القريبة القادمة.
 
انهيار نظام مبارك ستكون له عواقب سياسية ونفسية كبيرة على الساحة الفلسطينية حيث ستفقد سلطة رام الله حليفا وداعما أساسيا، بينما ستفقد سلطة غزة خصما عنيدا وشرسا، والنتيجة قد تكون موتاً رسمياً لعملية التسوية برمتها، وربما انهيار سلطة رام الله نفسها، وبالمقابل تصاعد قوة ونفوذ حركة حماس ومعسكر المقاومة بشكل عام وزيادة ثقته بنفسه وبخياراته وقدرته على خوض معركة الاستنزاف بوجه إسرائيل وصولا إلى النيل منها بشكل نهائي وحاسم.
 
انهيار نظام مبارك ستكون له برأي إسرائيل تداعيات إقليمية واسعة، وقد يؤدي على المدى القريب والمتوسط إلى انهيار انظمة حليفة لأمريكا في العلن -ولإسرائيل فى السر- وفي المقابل إلى تقوية الأنظمة والحركات المعادية لها. والنتيجة إقليم جديد مختلف غير خاضع للهيمنة الأمريكية التي تصب في مصلحة إسرائيل وأمنها أيضا.
 
رأت إسرائيل دائما في نظام مبارك حليفاً مهماً وأساسياً في الحرب على" الإرهاب "وحائطاً وسداً أمام ما تصفه بتوسيع وتأثير النفوذ الإيرانى في المنطقة، علما أنها نظرت إلى خطاب السيد حسن نصر الله الأخير وعبور السفن الإيرانية لقناة السويس إلى المتوسط كتعبير دقيق عن مرحلة ما بعد مبارك، ليس مصريا فقط، وإنما إقليميا أيضا.
 
ثمة أمر مهم ولافت أيضا حيث نظرت إسرائيل إلى انهيار نظام مبارك كتعبير عن تآكل الهيبة الأمريكية، وتراجع نفوذ واشنطن في المنطقة، وهو ما يؤثر سلبا وبشكل مباشر على إسرائيل وصورتها وهيبتها أيضا.
 
* في السياق السياسي الفكري ثمة جدل حول طريقة التعاطى السياسي مع ثورة مصر وتداعيات، وهناك معسكر يميني كبير ومتنفذ يرى أن الثورة المصرية أكدت صحة وجهة نظره عن أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية، وليست السبب في عدم الاستقرار في المنطقة، ولذلك لابد من الانتظار إلى حين جلاء الموقف واتضاح المشهد الإقليمي برمته ومعسكر صغير وغير مؤثر يرى أن الأحداث يجب أن تدفع إسرائيل لاستئناف عملية التسوية، ليس على المسار الفلسطيني، وإنما السوري أيضا لإخراج دول أخرى من دائرة الصراع، وزيادة الأصول الاستراتيجية لإسرائيل-حسب تعبير رئيس الأركان المنصرف- وبالتالي قطع الطريق على أي آثار سلبية لتغيرات أخرى قد تعصف بالمنطقة.
 
ببساطة انهيار نظام مبارك كشف إسرائيل على حقيقتها متغطرسة متعالية متناقضة هلعة منفصلة عن محيطها ومستجداته، وهي رأت سقوط نظام مبارك كنذير شؤم وكارثة على المصالح الإسرائيلية الاستراتجية، والعكس صحيح طبعا بالنسبة لنا الدولة العبرية عاشت أصلا لستين سنة بسبب وجود أنظمة كهذه وزوالها يعني أنها لن تستطيع بالتأكيد الاستمرار لستين سنة أخرى، وربما أقل من ذلك الأمر يعتمد طبعا على طريقة تصرفنا كعرب، ولكن النهاية حتمية في كل الأحوال وهي برأيي مسألة وقت ليس إلا.

التعليقات