17/03/2011 - 13:16

ميادين التحرير: إسقاط الأنظمة ومنهج بوش وفكر القاعدة أيضا../ ماجد عزام*

الثورات المتنقلة في ميادين التحرير العربية لم تسقط الأنظمة فقط كما حدث في تونس ومصر، وكما يحدث الآن في اليمن وليبيا، وإنما تطوي أيضا حقبة الانقلابات العسكرية سيئة الصيت، وفي السياق تسقط عقيدة بوش عن الحرب الاستباقية ونشر الديمقراطية عبر الجيوش والدبابات كما فكر القاعدة القائم على الانتحار والرافض للتغيير الجماهيري السلمي وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية دولة الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية

 ميادين التحرير: إسقاط الأنظمة ومنهج بوش وفكر القاعدة أيضا../ ماجد عزام*
الثورات المتنقلة في ميادين التحرير العربية لم تسقط الأنظمة فقط كما حدث في تونس ومصر، وكما يحدث الآن في اليمن وليبيا، وإنما تطوي أيضا حقبة الانقلابات العسكرية سيئة الصيت، وفي السياق تسقط عقيدة بوش عن الحرب الاستباقية ونشر الديمقراطية عبر الجيوش والدبابات كما فكر القاعدة القائم على الانتحار والرافض للتغيير الجماهيري السلمي وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية دولة الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
 
الأنظمة التي سقطت أو تلك التي في طريقها للسقوط تتشابه من حيث الشكل والمضمون، فمن حيث الشكل هي استنساخ للنظام العربي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الاستعمار القديم، والنظام الأحادي الأبوي نظام الزعيم القائد الملهم مفجر الثورات وصانع المعجزات، نظام الاستخفاف بالدستور والديمقراطية والتلاعب بالانتخابات والتحكم بكل المؤسسات، والتمتع بصلاحيات غير محدودة، نظام يحول أي حاكم إلى فرعون كما قال الأستاذ هيكل للتلفزيون المصري الشهر الماضي نظام السلطة المطلقة الذي أدى مع الوقت إلى المفسدة بل المفاسد المطلقة.
 
 منذ سنتين تقريبا وعلى هامش القمة العربية اللاتينية في الدوحة سأل هوغو شافيزنظيره اليمني علي عبد الله صالح إذا ما كان ناصرياً فردّ بالأيجاب دون أن يوضح أنه في الحقيقة ناصري بالشكل فقط دون المضمون، حيث أن ناصر الأصل لم يكن فاسدا ورغم اجتهاداته الخاطئة إلا أنه لم يفكر يوما لا في توريث الحكم ولا حتى في الاستفادة من السلطة ومغانمها لصالح عائلته ومعارفه ومقربيه.
 
أما في المضمون فالأنظمة تتشابه أيضا فهي أنظمة القمع والاستبداد والفساد والاستئثار، أنظمة العائلات المهيمنة على الاقتصاد والإعلام والأمن وحتى الرياضة والثقافة، أنظمة الملكية غير الرسمية وغير المعلنة، أنظمة مشاريع التوريث المتنقلة التي باتت مصائر الأوطان بكاملها رهينة لها ولتفاصيلها المقيتة والمعيبة والفاسدة.
 
في الأيام الخوالي كان يتم الحديث عن ثورات تقلع الرجعية من جذورها وتحول الملكيات إلى جمهوريات اشتراكية وديمقراطية وعادلة كما حصل فعلا فى مصر وليبيا واليمن، غير أن عقوداً قليلة فقط كانت كافية لتحويل الجمهوريات الناشئة إلى ملكيات مقنعة، بينما هيمنت الملكيات الصريحة التي كانت توصف بالرجعية على القرار والتوجهات العربية الإساسية سواء فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل أم في التوزيع العادل للثروة، وليس فقط فى بلادها وإنما في بلاد الثورة أيضا.
 
 الآن تعيد الجماهير المسحوقة والثائرة والواعية في ميادين التحرير على امتداد الوطن الكبير الأمور إلى نصابها الصحيح حيث القضاء على مشاريع التوريث في النظم الجمهورية وإعادة القرار إلى الشعب بصفته مصدر السلطات والمرجعية العليا والدعوة إلى إصلاح جدي في النظم الملكية لتحويلها إلى ملكيات دستورية أو جمهوريات غير رسمية على النقيض تماما مع سيرورة العقود الماضية.
 
ربما لم ينتبه كثيرون إلى أن الثورات المتنقلة طوت في الحقيقة حقبة الانقلابات العسكرية في العالم العربي التي بدأت منذ نصف قرن تقريبا، وتحكم خلالها عسكر-معظمهم- جاهلون، قصيرو النظر، استبداديون، متعطشون للسلطة بمقاليد الحكم والقرار في معظم الحواضر والعواصم، خاصة التاريخية منها. الآن فقط طويت الصفحة بعد إسقاط أنظمة العسكر المحدثة، وبعدما تأكد عدم امتلاك الجيوش للإرادة أو القدرة للتصدي للملايين الثائرة بل وانحيازها من أجل المصلحة الوطنية العليا إلى جانب الجماهير ومطالبها العادلة والمحقة.
 
الثورات المتنقلة لم تسقط فقط الأنظمة التي أوصلت العالم العربي إلى حافة الكارثة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وإنما أسقطت في السياق أمرين أساسيين كانا أيضا من أسباب الكارثة، خاصة خلال العقد الأخير؛ الأول يتمثل بمنهج الرئيس الأمريكى جورج بوش المتغطرس والدموي الخاص بالحرب الاستباقية وإدخال الإصلاحات الديمقراطية بالقوة العسكرية وعلى ظهور الدبابات إلى العالم العربي والإسلامي كما حصل في العراق، وانعكس كارثة على المنطقة وشعوبها وثرواتها وحتى على الولايات المتحدة وهيبتها ومصالحها فيها، وأنتج في المقابل صداميين صغاراً مجرمين وقتلة وفاسدين فى العراق حيث الهدر بالمليارات، بينما عاد البلد لعقود إلى الوراء خاصة فى القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنى التحتية.
 
 أما الأمر الثاني فيتمثل بفكر تنظيم القاعدة القائم على الانتحار والتغيير بالقوة الجبرية والقهرية والتنكر للتغيير السلمي والجماهيري وإقامة الدولة المدنية العادلة لكل مواطنيها. فالثورات العربية أظهرت نضج ووعي الشعوب والإصرار على التمسك بالطابع السلمي لتحركها، ورفض أي تدخل خارجي، خاصة في بعده العسكري، ومن جهة أخرى رفض الخيارات الانتحارية للقاعدة أو الصدام مع الجيش وعناصر الأمن المغلوبين على أمرهم، والأهم التمسك بآليات التغيير الديمقراطي والاحتكام إلى الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وصولا إلى الدولة المدنية، دولة النزاهة والشفافية وسيادة القانون والدستور، دولة محاربة الفساد والاستئثار بالمال العام ومقدرات الشعوب، كما محاربة الاستئثار بالخيارات السياسية والفكرية على طريقة القاعدة واخواتها،علما أن هذه الأخيرة كانت نتاجاً طبيعياً ورداً متطرفاً ومتأزماً على أنظمة الفساد والقمع والاستبداد ببساطة القاعدة كانت الوجه الآخر للأنظمة البائدة وزوالها يعني أن اندثار القاعدة هي مسألة وقت ليس إلا حيث سيجد الشباب الآفاق الرحبة أمامهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في ظل الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة.
 
في الأخير يجب الانتباه إلى أن الثورات المتنقلة أسقطت أوهي في طريقها لإسقاط أنظمة أدارت الصراع مع إسرائيل بطريقة خاطئة في أحسن الأحوال، أو تواطأت معها في أسوأ الأحوال. فإسرائيل استمرت ستين عاما بسبب هذه الأنظمة الجمهورية منها وغير الجمهورية على حد سواء وسقوطها يعني أنها قد لا تستمر ستين عاما أخرى، وهذا ما يفسر برأيي هلع وتخبط وحيرة تل أبيب تجاه الثورات العربية، والتخفيف من الآثار والتداعيات السلبية على حاضرها ومستقبلها أيضا.

التعليقات