08/04/2011 - 13:12

مراوغة ولا حل/ حسن عبد الحليم

تسير الحكومة الإسرائيلية في عدة مسارات في آن واحد، تتناقض فيما بينها ولكنها تلتقي جميعا في هدف واحد: تحقيق المزيد من المكاسب ودرء الأضرار والمخاطر، والسبيل إلى ذلك هو سياسة المراوغة.

مراوغة ولا حل/ حسن عبد الحليم

تسير الحكومة الإسرائيلية في عدة مسارات في آن واحد، تتناقض فيما بينها ولكنها تلتقي جميعا في هدف واحد: تحقيق المزيد من المكاسب ودرء الأضرار والمخاطر، والسبيل إلى ذلك هو سياسة المراوغة.
في أوج تسارع استيطاني محموم يتوجه شمعون بيرس للولايات المتحدة في مسعى لإحباط مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، مبررًا رفضه بأنّ إسرائيل تسعى للتوصل مع الفلسطينيين إلى حلٍ متفق عليه، ولا تقبل حلا مفروضًا. وتشدّق بيرس بحديث منمق عن السلام وعن ضرورة عودة المسار التفاوضي وانتهاز الواقع العربي الجديد لتعزيز فرص السلام، مع أن سلام بيرس ونتنياهو المنشود والمزعوم لا يرقى لأن يكون مدار بحث أو جدل فلسطينيًا.
اعترف مسؤولون إسرائيليون بأن المفاوضات مع الفلسطينيين منحتهم غطاء لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وللعمل على مكافحة فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما اعترفوا بأن المفاوضات كانت تمنحهم وضعًا دوليًا مريحًا، ومن هذا المنطلق تأتي دعوات الكثيرين من الساسة والإعلاميين لتقديم مبادرة للسلام والعودة للمفاوضات كهدف قائم بذاته وليس كوسيلة للتوصل لحل.
مبادرة رجال الأمن السابقين التي أعلن عنها هذا الأسبوع تأتي في هذا السياق. وقال القيمون عليها إنها تأتي ردًا على مبادرة السلام العربية، وتهدف إلى كسر العزلة الإسرائيلية، وتصوير إسرائيل بأنها تنشد السلام. تتحدث المبادرة المكونة من صفحتين عن خطوط عامة للحل لا تختلف كثيرا عما يطرحه اليسار الصهيوني، وتستلهم من خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان، الموازاة بين قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من وطنهم قسرا، وبين المهاجرين اليهود الذين قدموا من الدول العربية ليحلوا مكانهم.
يردّد نتنياهو في كل مناسبة لاءاته المدوية: لا لوقف الاستيطان، لا لدولة فلسطينية ذات سيادة، لا للانسحاب إلى حدود عام 1967، لا للانسحاب من القدس، لكنه لا ينفك يتحدث عن السلام وعن ضرورة العودة لطاولة المفاوضات، ولا يجد غضاضة في توجيه النقد للفلسطينيين واتهامهم بالتصلب بالمواقف. وينظر نتنياهو إلى المفاوضات كمعادلة بين طرفين، قوي يملك كل الأوراق، يملي على الطرف الآخر ما يروق له، وعلى المتلقي أن يقبل ما يعرض عليه وأن يعتبره كرمًا إسرائيليًا مفرطا ينبغي أن يقدّم لقاءه الشكر والامتنان وقرابين الولاء.
لا يبدو نتنياهو مرتبكًا حين يقول إن «إسرائيل تبني في أرض إسرائيل منذ ثلاثة آلاف عام». ولا يشعر بالخجل حينما يتنكر للنكبة والتهجير واللجوء، أو حينما يزعم (نقلا عن المورخة المفترية جوان بيترز) أنّ الفلسطينيين ليسوا سوى أحفاد عمال مغتربين قدموا للعمل في فلسطين على إثر الازدهار الاقتصادي الكبير الذي حققته مشاريع الحركة الصهيونية في فلسطين.
تتكسر أمام هذه العقلية وهذه المفاهيم كافة الجهود لإقناع نتنياهو وزمرته بالحق الفلسطيني المسلوب، وليس هناك بصيص أمل في الأفق يوحي بأن ذلك ممكنا في المدى المنظور.
قد يشن نتنياهو حربا جديدة دموية على غزة بزعم مكافحة الإرهاب إذا سمحت له الظروف، فيما سيواصل بالتأكيد هو ووزير خارجيته البديل شمعون بيرس التشدق بالسلام والمفاوضات، وبطبيعة الحال سيحتاج لتكثيف حملاته الدعائية لتجميل سياسات إسرائيل مهما كانت درجة قبحها، على وقع تصعيد وتيرة البناء الاستيطاني بشكل محموم وفرض الوقائع على الأرض على أنغام خطابات السلام. ويستمر في سياسة المراوغة والتقدم في تطبيق رؤيته على أرض الواقع والتي تؤدي في المقابل لتضييق الخناق على الفلسطينيين، الأمر الذي ينذر بالانفجار الفلسطيني القادم.



 

التعليقات