12/04/2011 - 10:58

نريد محاكمة جميع القتلة../ همت زعبي

جريمة قتل جوليانو، كما جريمة قتل ياسمين، وقبلها العشرات من النساء، هي نتيجة للعنف المتفشي في مجتمعنا، وهي نتيجة لتهميشنا وإهمالنا لمعالجة آفاتنا المجتمعية، وهي نتيجة لمنظومة القيم المتسامحة مع تلك العقلية التي قتلت عشرات النساء أو/و بررت قتلهن. هي ليست قضايا فردية بل قضايا رأي عام. وكما في جريمة قتل جوليانو كذلك في جريمة قتل ياسمين مطلوب من القوى التقدمية استنكارها والتجند لمحاربة تكرارها

نريد محاكمة جميع القتلة../ همت زعبي
مرة أخرى تقتل امرأة في اللد. للأسف لم يعد هذا الخبر بالغريب أو الشاذ في مجتمعنا بشكل عام، وفي منطقة اللد والرملة، على وجه الخصوص. "نجحوا في قتل ياسمين أبو صعلوك رمياً بالرصاص بعد أن فشلوا في السابق"، كتبت إحدى النسويات، ناشطة في منطقة اللد والرملة في رسالة عممتها تعبر فيها عن شعورها بالغضب والحزن والشعور بالعجز تجاه هذا القتل.
 
وأضافت في رسالتها أن كل محاولاتها لمنع هذه الجريمة فشلت. في السابق أطلقت النار على ياسمين وعلى أخت زوجها (أسماء)، ونجين من الموت، في حينه، ولكن وبمساعدة الشرطة أرجعت ياسمين وأسماء إلى بيت العائلة، ومنعن من الاتصال مع العالم الخارجي. وجدت جثة ياسمين وما زلنا لا نعلم ما حدث لأسماء.
 
في الأسبوع ذاته، يوما واحدا فقط قبل العثور على جثة ياسمين، فجعنا بخبر مقتل المسرحي جوليانو مير خميس. وقع مقتله كالصاعقة على من عرفة وأثر في نفس كل من لم يعرفه شخصياً. على ما يبدو، سقط جوليانو برصاصة أرادت إخراس صوته وفنه محاولة بقتله إنهاء مشروع وطني اجتماعي، مشروع لا يكتفي في تحدى المحتَل وقمعه، ولكنه في نفس الوقت يتحدى القمع الاجتماعي.
 
وكما نشعر نحن في كل مرة تقتل امرأة هكذا شعرت شرائح من مجتمعنا وعلى رأسها القوى التقدمية، من فنانين أدباء كتّاب سياسيين ونشطاء، تجاه مقتل جوليانو، حزنت وغضبت وشعرت بالخجل والعجز تجاه هذه الجريمة. شارك الآلاف في الجنازة وكَتب العشرات مقالات رثاء واستهجان محاولين من خلالها إطلاق صرخة تحد في وجه القوى الرجعية داخل مجتمعنا والتي حاولت في تهديد "مسرح الحرية"، وفي قتل جوليانو إخراس وترهيب مشروع حرية يجمع بين الحرية الاجتماعية والحرية الوطنية.
 
كتب في جريمة مقتل جوليانو أن "الحرية الشخصية ليست ملازمة للحرية الوطنية بل شرط لها" وعلى أن "معركتنا الاجتماعية لا تقل ضراوة عن معركتنا ضد الاحتلال والصهيونية ". ألم يكن هذا ما كتبناه وطالبنا به كنسويات على مدار السنوات الأخيرة؟ ألم نقل إن قضايا النساء هي قضايا مجتمع، وإن تحرر المجتمع يتطلب بالضرورة تحرر أفراده؟ وإن رفع مكانة المرأة كفرد في مجتمعها حتمية لتحرر المجتمع، وإن المسؤولية لرفع مكانتها والحفاظ على حقوقها وكيانها، هو واجب ومسؤولية يقعان على أكتاف المجتمع بأسره؟ ألم نشدد على أن قضية قتل النساء قضية رأي عام وأن الصمت تجاهها جريمة، وأن محاربتها مسؤولية جماعية؟.
 
نعم يستحق جوليانو المشروع هبة الاستنكار الغضب والحزن التي رافقت مراسيم الدفن والجنازة. ونعم يستحق أن يرثى بعشرات المقالات، ونعم يستحق صرخة غضب في وجه اليد (الأيادي) التي تطاولت على مشروعه(نا) وحلمه(نا). ومن يعرف جوليانو شخصيا، ولست منهم، يؤكدون أن جوليانو الشخص يستحق كل هذا وأكثر.
 
إذاً، وبما أننا، على ما يبدو، قد نتفق أن الرصاصة التي أصابت جوليانو خرجت من فوهة نفس البندقية التي قتلت وما زالت تقتل عشرات النساء. وبما أننا أيقنّا أخيراً أن العقلية التي تحتفظ لنفسها الحق في قتل من لا يمشي على "صراطها المستقيم" لن تتوقف فقط عند قتل النساء وها هي الآن تقتل رجلاً اعتقدنا/تم أنه محصن من تخلفها. إذاً ألا تستحق قضية قتل النساء الآن أيضا هبة هذه القوى التقدمية؟
 
جريمة قتل جوليانو، كما جريمة قتل ياسمين، وقبلها العشرات من النساء، هي نتيجة للعنف المتفشي في مجتمعنا، وهي نتيجة لتهميشنا وإهمالنا لمعالجة آفاتنا المجتمعية، وهي نتيجة لمنظومة القيم المتسامحة مع تلك العقلية التي قتلت عشرات النساء أو/و بررت قتلهن. هي ليست قضايا فردية بل قضايا رأي عام. وكما في جريمة قتل جوليانو كذلك في جريمة قتل ياسمين مطلوب من القوى التقدمية استنكارها والتجند لمحاربة تكرارها. 

التعليقات