13/04/2011 - 13:40

ما بين جوليانو وسقراط !../ بن ثابت صليبا

المرحلة حرجة ومفصلية، بالتالي العمل هام وضروري في مسيرة البناء الحضاري المتنور، لنتحول إلى مجتمع خال من العصبيات على اختلافها، حاضن لكافة أفراده بتنوع معتقداتهم الدينة والفكرية لتفادي اغتيال آخر للرأي والفكر ولعدم تكرار الفاجعة وتحولها بالتالي إلى مشهد عادي وشرعي!

ما بين جوليانو وسقراط !../ بن ثابت صليبا
عام 399 قبل الميلاد تمت في الدولة الأغريقية (اليونان) محاكمة الفيلسوف والمفكر العظيم سقراط، وقد تمت إدانته بموجبها بالإعدام بشرب السم القاتل!
 
 في ذالك الحين وقبل تنفيذ القرار حاول بعض المقربين إقناعه بالهرب والإفلات من الحكم، لكنه وبحكمته رفض ذلك معللا بأن الأخلاقيات التي كان يدعو إليها لا تسمح له بمخالفة قوانين الدولة التي وافق على مواطنتها حتى وإن كانت ظالمة بحقه.
 
 إن قضية محاكمة سقراط قصة مليئة بالفلسفة والإبداع، وهي رائعة أدبية في سردها الأحداث. وما يعنينا في هذا السياق هو رزمة التهم الموجهة إليه والتي بدورها أدت الى نهاية حياته قسرا، فجسدت بذالك مرحلة تحول في تاريخ العلوم والفلسفة حيث أصبح بما يعرف بقبل حقبة سقراط وما بعدها...
 
لقد قام المحرضون الفاسدون الواشون في تلك الحقبة بتقديم شكوى إلى القضاء يتهمون من خلالها سقراط بتهم جمّة مخالفة للأخلاق والقوانين، ومن أهم ادعائين في تلك الدعوى كان الكفر بالإله وإتلاف الشباب!..
 
إلى هنا كان سرد مقتضب عن أحداث تاريخية لعل الكثير يعرفونها، وحتما سوف تبقى مادة دسمة للقراءة والتدريس مستقبلا لما فيها من عبر ومغزى سوف تدوم لعقود قادمة.
 
وقبل أيام وخلال متابعة المواد المتعلقة بعملية "اغتيال" الفنان جوليانو مير خميس المفجعة، قرأت فيما قرأت من حيثيات الجريمة وما سبقها من نشر لبيانات، أحدها كان قد وزع في جنين قبل الجريمة يحوي في نصوصه تهديدات ووعود بقتل المغدور خميس إن لم يتوقف عما يقوم به من فعاليات داخل المخيم!
 
 لقد كان البيان بفحواه عبارة عن إصدار حكم بحق خميس دون مرافعة أو محاكمة. من بينّات التهم الموجهة إلى خميس ويا للغرابة والمفارقة كانت مطابقة للتهم التي أدين بها سقراط، وما هي الا "الكفر بالدين وإتلاف الشباب" وتحريضهم ضد عادات وتقاليد المجتمع! كل هذه التهديدات لم تثن خميس عما يقوم به طبقا لقناعاته ومبادئه، ولم يغادر المخيم تماما كما فعل سقراط مما أدى بالأخير إلى الغدر به واغتياله.
 
من هنا يجوز اعتبار يوم 4-4-2011 كيوم مفصلي في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال وبناء الدولة المرجوة، وتزامننا مع الأحداث التي يمر بها العالم العربي بأكمله من "ثورات" رغم عدم وضوح غاياتها وأهدافها حتى اللحظة، تحتم فيما يخصنا في الداخل كجزء حيوي وفاعل من الحراك الفلسطيني تجاوز مرحلة إصدار البيانات، الإدانة، الاستنكار وإضاءة الشموع التي أضحت مبتذلة ولا تلبي ضرورة المرحلة.
 
كلنا مدركون للحالة الاجتماعية الثقافية المتدهورة، إن صح التعبير، والتي يعيشها مجتمعنا (والعربي عموما على ما أعتقد!؟).. أعمال العنف والقتل على أنواعه وكل مظاهر الفراغ الأخلاقي أصبحت مألوفة وعادية في المشهد الحياتي اليومي، ما يحتم وقفة جدية من قبل القيادات والمسؤولين والفاعلين عموما (أحزابا ومؤسسات وجمعيات وما إلى ذلك...) تتعدى ما ذكر من ردود فعل روتينية؟
 
 لا أحد ينكر أنه وبغياب سيطرة فعلية على مراقبة وتنفيذ القوانين وصياغتها التي هي من اختصاص مؤسسات الدولة وضمن صلاحياتها، وهذا ما يصّعب العمل ويعقد المهمة. بالمقابل هذا لا يمنع بداية وبالتزامن مع العمل السياسي العام والهام التفكير بعقلانية من أجل صياغة تصور حول ماذا نريد؟ ما هي الأهداف التي نصبو اليها؟ من قال إننا لسنا بحاجة إلى ثورة!؟ اجتماعية تحديدا. يجب تحويل تطلعاتنا إلى بنود ونصوص تنشر على الملأ، فيها تحديد للرؤيا دون تلكؤ وخالية من الشعارات، لتطرح كافة القضايا للنقاش العام. إن العملية سهلة في ظل التطور التكنولوجي وعصر الفييسبوك الذي يساهم كما رأينا في توعية الشباب وتغذيتهم بالعلم والمعرفة في حال تم استعماله ايجابيا.....
 
المرحلة حرجة ومفصلية، بالتالي العمل هام وضروري في مسيرة البناء الحضاري المتنور، لنتحول إلى مجتمع خال من العصبيات على اختلافها، حاضن لكافة أفراده بتنوع معتقداتهم الدينة والفكرية لتفادي اغتيال آخر للرأي والفكر ولعدم تكرار الفاجعة وتحولها بالتالي إلى مشهد عادي وشرعي!
"عندما يصمت العقلاء، يعلو صوت الفاسدين" !!

التعليقات