18/04/2011 - 10:35

الأسرى الفلسطينيون..نضال الأمس وتخاذل الحاضر!../ نزار السهلي

و إطلالة للسياسي مرتديا كوفية ومرددا شعارات لا تخترق جدران المعتقل، ويبقى الأسير حيث هو قابضا على إرادته..

الأسرى الفلسطينيون..نضال الأمس وتخاذل الحاضر!../ نزار السهلي
ليس تعبيرا عن خلل أو سوء فهم وتقدير من المفاوض الفلسطيني أن يبقى الأسير الفلسطيني في اتفاق أوسلو معلقا وقضيته غامضة.. كما هو حال جغرافية الدولة أو"السلطة"، وكذلك كما هو وضع القدس واللاجئين والاستيطان، وهي قضايا جرى تعويمها والتحكم بها من قبل الاحتلال، ولأن تلك القضايا مجتمعة تمثل الزوايا الجوهرية التي من خلالها يمكن محاكمة مشروعية المساومة أو الاتفاق عليها بين المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي، فإن شعار التضامن مع الأسرى والدعوة لاعتصامات مقتصرة على شهر نيسان من كل عام.. أصبحت تستخدمها إسرائيل كورقة ابتزاز ومساومة للطرف الفلسطيني للظفر بتنازلات سياسية جوهرية.
 
القابعون خلف القضبان والجدران المعتمة وصقيع الصحراء ولهيب الشمس المحرقة، هم مقاتلو الحرية، لم يبخلوا يوما في التضحية متحدين جلادهم، مقاومين الاضطهاد والتمييز وغرف التحقيق، وهم جزء من أدوات المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في الصمود والنضال.. في وقت عجزت كل الاتفاقات، وجلسات التفاوض عن تحقيق أبسط القضايا المتعلقة بحق الحركة الأسيرة، وصولا للقطع الكلي بين الخيوط التي كانت تربط المعتقلين بقياداتهم السياسية. ونلحط هنا أن إهمال قضيتهم لم يكن عفويا ولا طارئا أو وليد اللحظة السياسية، إنه تتويج لتراكم سياسة ممنهجة عملت عليها السلطة، بديلا للفوز بتحسينات يمن عليها الاحتلال مقابل التغني بمعاناتهم وتحويل قضيتهم إلى مهرجان وخطاب ثوري ونضالي وبيعهم في سوق المفاوضات.
 
إن المتتبع لحال الحركة الأسيرة، وفي فعل "الإدانة "التي جعلتهم خلف القضبان،هي ذات الحال التي جرى تبنيها من قبل سلطة أوسلو في اعتبار الأفعال التي يقوم بها من هم خارج القضبان، كأعمال "جرميه " لا نضالية بوجه الاحتلال، ويجري استهداف الشعب الفلسطيني وحركته النضالية التي يقضي مناضلو الشعب الفلسطيني من أجلها خلف قضبان المحتل، فثوار الأمس من الأسرى والمعتقلين، هم اليوم في تعريف "السلطة الفلسطينية " للأفعال التي ارتكبوها "خارجون عن القانون" الذي حدده المحتل لسلطة رام الله، فأي خطابات وشعارات تعني التضامن مع الأسرى وأي فعل يجري العمل به لإسناد قضيتهم.. وهم يحيون تخاذل قياداتهم السياسية التي تغوص في همها الخاص، بل وتسخر من أي فعل مشابه لفعل الأسرى المناضلين، وأيضا أقامت لأفعال من هم خارج المعتقل محاكم "أمن دولة " تتحرى وتعاقب مناضلي ومجاهدي الشعب الفلسطيني، واستحدث المحتل بالتنسيق مع السلطة نقاط ومراكز تنسيق أمني مشتركة للقبض على المناضلين الذين تحولوا إلى مجرمين في سجون السلطة، وإلى أسرى عند المحتل الإسرائيلي..
 
هذا العمل الدؤوب استحقت عليه السلطة الثناء تلو الثناء من الإسرائيلي في مناسبات عدة.. ومناسبة يوم الأسير ليست للتذكير بمعاناتهم وترديد شعارات التضامن في حين يقيم أصحاب الشعارات واليافطات العريضة مناسبتهم تلك تحت بنود التنسيق الأمني المشترك مع السجان المنكل بهم ليل نهار، وهو ما يرمي بكل تلك الوقفات التضامنية معهم إلى خانة النفاق السياسي والكذب المفضوح بإسناد قضية الأسرى وشواهد ودلالات كثيرة ومتكررة من كل يوم وكل عام.
 
لا يجمع يوم الأسير المأساة والبطولة فقط، ففي الجغرافية الضيقة من مساحة المعتقلات الصغيرة إلى مساحة الجغرافية المحاصرة تقبع معاناة أخرى يعيشها ذوو الأسرى والمعتقلين، وهي تختصر المسافات وتكثف المواجهة الدائرة بين الإرادات والمشاريع المتناحرة لتصفية قضية الأسرى وقضية الشهداء وقضية حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ليصبح السؤال المتصل بكل قضية متعلق بالأسرى أو بالشهداء أو بذويهم مجتمعين،هل الفعل السياسي الفلسطيني بمستوى تلك التضحيات المقدمة من المعتقلين ومن الشهداء؟ نقول على العكس تماما أصبحت الحالة الفلسطينية وقياداتها السياسية تستخدم شعارات من قبيل التشديد على دور الأسرى والتغني بماضي الشهداء من باب الترف الخطابي الذي تلوكه في المهرجانات التي استهوت بعض القيادات السياسية، فيما يشير أداؤها على الأرض بنقيض فاضح متهرب من كل هذا التاريخ وبدون استحياء ولا خجل يجري تناول فعل الشهداء والأسرى إذا ما تم اليوم على أنه فعل حقير ومجرم يستحق الادانة.
 
ففي الوقت الذي يقدم فيه الشعب الفلسطيني داخل ما يسمى "الخط الأخضر "التضحيات الجسام من خلال الحركة الأسيرة لعرب 48، يجري تهميش قضية أسرى الداخل بعد أن جرت تجزئة قضيتهم وفصلها عن قضية باقي الأسرى كما هو حال قضيتهم وتصنيف قضية أسرى ال48 والقدس كـ"مواطنين إسرائيليين" لا يحق للمفاوض الفلسطيني حق التفاوض بشأنهم، وارتباطا بهذا التصنيف استطاعت إسرائيل أن تملي على المفاوض شروطها الإذلالية.
 
بشاعة الصورة وقسوتها هي الماثلة أمام ناظري الأسرى وذوي الشهداء داخل الوطن وخارجه، فهم وحدهم من يعرف تلك المعاناة.. ويدرك حقيقة الاهتمام بقضيتهم إذا ما كانت تستحق ذاك الوصف من القسوة، ولو بمثل بسيط أورده على الهامش.. مسؤول أسر الشهداء في الخارج يتقاضى راتبا بحدود 3 آلاف دولار وأسرة الشهيد تتقاضى راتبا لا يتجاوز 150 دولار.. والمفارقات عديدة ومتدحرجة على باقي القضايا المتعلقة بالأسرى وبالشعار السياسي لعودة اللاجئين والقدس ومحاربة الاستيطان، فكلها تكشف التسطيح الرديء لمعاني البطولة للأسير ومعاني العهد للشهداء في لحظة الاندفاع لتصفية أحلامهم وأحلامنا في تدن وتقزيم نضال الأمس نحو خذلان نشهده مع كل مناسبة.. و إطلالة للسياسي مرتديا كوفية ومرددا شعارات لا تخترق جدران المعتقل، ويبقى الأسير حيث هو قابضا على إرادته.

التعليقات