23/04/2011 - 13:30

إعدام أريغوني: أسئلة لا بدّ منها../ ماجد عزام

أثارت جريمة إعدام الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني، بطريقة بشعة ووحشية، أسئلة عديدة مركّبة وصعبة، ليس فقط عن الواقع الحالي في القطاع المظلوم والمنكوب والمحاصر، وإنما عن الاتجاه الذي يتبنّاه المشروع الوطني برمّته

إعدام أريغوني: أسئلة لا بدّ منها../ ماجد عزام
أثارت جريمة إعدام الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني، بطريقة بشعة ووحشية، أسئلة عديدة مركّبة وصعبة، ليس فقط عن الواقع الحالي في القطاع المظلوم والمنكوب والمحاصر، وإنما عن الاتجاه الذي يتبنّاه المشروع الوطني برمّته.
 
 أول الأسئلة يتعلق بقتلة فيتوريو أريغوني (لو افترضنا صدق الرواية الرسمية للأجهزة الأمنية للحكومة المقالة)، فكلنا يعرف كيف وصل الإيطالي إلى غزة، من هم أصدقاؤه، وما هي نشاطاته ونمط حياته هناك. ولكننا، للأسف، لا نعرف كيف وصل الأردني عبد الرحمن البريزات إلى غزة، من هم أصدقاؤه، ما الذي فعله، وكيف كان النمط اليومي لحياته هناك، كما أننا لا نعرف من هو هشام السعيدني الذي بات الآن أبو الوليد المقدسي، وكيف جاء من مصر إلى غزة، ومن قدّم له الحماية والتغطية، كما أننا لا نعرف ما هي التهم التي اعتقلته أجهزة أمن الحكومة المقالة على أساسها، هل تمّ توجيه لائحة اتهام ضدّه أم لا؟ هل قُدِّم أم سيُقدَّم إلى المحاكمة؟ هل أُعطي الفرصة للحصول على خدمات محام أو الاتصال بأهله؟ للتذكير، فقد كان المطلب الأساسي للمجموعة التي اختطفت ثم قتلت أريغوني هو الإفراج عن السعيدني، إضافة إلى معتقلين آخرين من المجموعات السلفية، لا أحد يعرف عددهم ولا حتى التهم الموجّهة ضدهم، وما إذا كانوا تلقوا معاملة تتماشى مع القانون الفلسطيني وما ضمنته لهم القوانين الدولية.
 
 ثاني الأسئلة يتعلق بكيفية تعاطي الشرطة مع الجريمة بكاملها، منذ الاختطاف إلى القتل مروراً بمطالب المختطفين. وحسب الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، فإن الأجهزة الأمنية تمكّنت قبل لحظات من ارتكاب الجريمة - بعد الاختطاف وقبل القتل- وفي عملية معقّدة من اكتشاف طرف خيط يؤدي إلى الجناة، حيث تمّ استدراج أحد أفراد المجموعة والتحقيق معه، ودلّ على عنصر آخر من أفراد المجموعة. بعد أن زادت الشكوك لدى باقي أفراد المجموعة، توجّه أحدهم مباشرة إلى مكان اختطاف أريغوني وأعدمه، لكن تمّ إلقاء القبض عليه لاحقاً واعترف بارتكابه للجريمة.
 
هذه هي الرواية الرسمية، كما أوردها موقع وزارة الداخلية، ما يؤكّد حقيقة أنه تمّ التعاطي مع الحدث بالمنطق الأمني الضيق المتغطرس والمتشنج والعصبي، فالحكومة تعتبر أن الأمن المزعوم هو إنجازها الوحيد في ظل الانهيار التام لكافة مناحي الحياة في القطاع المنكوب، فكيف يتجرأ أحد على تحدي هذا الإنجاز والمسّ به؟
 
 فلم يتمّ تشكيل خلية أزمة، ولم يتمّ التفكير في التفاوض أو حتى الاستعداد للتجاوب، جزئياً أو كلياً، مع مطالب الخاطفين. ببساطة، لم يتصرّف الأمنيون بمنطق الحفاظ بأيّ ثمن على حياة أريغوني، وإنما الدفاع عن كرامتهم المخدوشة والمهانة. بينما، ومنذ اللحظة الأولى ربما، شعر الخاطفون أن الشرطة ستتصرّف معهم تماماً كما تصرّفت في حادثة، بل جريمة، مسجد "النور" منذ سنتين، وردّوا على هذا الأساس. وإلى الآن، طبعاً، لم يتمّ تشكيل لجنة تحقيق من قبل الشرطة أو الحكومة لتحديد المسؤوليات والمقصّرين عن حماية أريغوني، ومن ثم الفشل في تحريره سليماً معافى بعد اختطافه.
 
قدّم أبو البراء المصري، أحد قادة "جماعة التوحيد والجهاد" التي تبنّت المسؤولية عن جريمة الاختطاف، قبل أن تتراجع عنها، لصحيفة "الشرق الأوسط" روايته للأحداث فقال: "إن 3 عناصر من السلفيين يعملون بإمرة "جماعة التوحيد والجهاد"، نفذوا عملية الاختطاف والقتل من دون الرجوع لأي من أمرائهم في الجماعة، الذين فوجئوا بما حصل وأعلنوا أنه لا علاقة لهم بالمسؤولية عن العملية لاحقاً".
وأضاف: "إن اثنين من منفذي عملية الاختطاف يعملان في أجهزة أمنية تابعة لحماس، لكنهما غير متورطين بقتل أريغوني، وإنما اختطفاه بحكم علاقة أحدهما به، وسلّماه لشخص ثالث هارب، هو الذي نفّذ عملية القتل".
 
وبحسب المصري، فإن الشخصين اللذين اعتقلتهما حماس اعترفا بأنهما خطفا أريغوني لمبادلته بأحد أبرز قادة السلفيين، المعتقل لدى حماس، وهو أبو الوليد المقدسي، لكن لم يكن لهم أية صلة بالفيديو الذي نُشر لاحقاً وهدّد بقتل أريغوني إذا لم يفرج عن المقدسي، وأنهما ليس بحاجة للاعتداء عليه أو قتله؛ لأن مصلحتهما تقتضي عدم قتله وإنما مبادلته.
 
واتهم أبو البراء (المقدسي) في السياق الأجهزة الأمنية التابعة لحماس بشن حملة ملاحقات واعتقالات بحق جميع عناصر الجماعات السلفية الجهادية، واعتقال العشرات منهم، بينما تلاحق العشرات الآخرين وتداهم منازل وشققاً سكنية تعود لهم ولعائلتهم و"تروّعهم بشكل لا أخلاقي".
 
 واضحة جداً رواية المصري للجريمة، وهي واقعية إلى حدّ بعيد، وتفاصيلها مثيرة أيضاً، فاللذين خطفا أريغوني يعملان في أجهزة أمنية لدى حماس، وكانا قبل ذلك في كتائب القسام -محمود السلفيتي وبلال العمري- ويحملان أفكاراً سلفية، ومتماثلان مع هذه التنظيمات، ثم سلّماه لسلفي ثالث هو الأردني عبد الرحمن البريزات لتسهيل الإفراج عن المصري السعيدني وآخرين ممّن تعتقلهم السلطة أو الأجهزة التي يفترض أنهما يعملان لديها. وهذا يطرح أسئلة عن حقيقة، بل عن مدى اختراق السلفيين للأجهزة الأمنية، وتفهّم هذه الأخيرة أحياناً لممارساتهم وتصرفاتهم شرط عدم إحراجها بشكل علني وفاضح. وثمّة بعدٌ مهم آخر في رواية المصري؛ هل صحيح أن الأجهزة الأمنية التابعة لحماس تتجاوز القانون وحتى التقاليد والأعراف في ملاحقتها للعناصر السلفية، فيردّ هؤلاء باللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الأجهزة من وجهة نظرهم؟
 
 غير أن السؤال الأكثر أهمية، وربما إيلاماً أيضاً، هو كيف وصلت القاعدة والتنظيمات المتماثلة فكرياً معها والمتفرّعة تنظيمياً عنها إلى غزة؟ من ساعدها؟ ومن هيّأ لها البيئة المناسبة؟ ومن قدّم لها القاعدة الفكرية للانتشار؟ وأين ومتى بالضبط حصل الخلل: هل حصل ذلك اثناء الانتفاضة الثانية، عندما تمّ تغليب العامل الديني على العامل الوطني في الصراع في فلسطين، في تجاوز للمفاهيم التي كرّسها د. فتحي الشقاقي- ثمّ تبنّتها حماس فيما بعد (حول انخراط الإسلاميين في المعركة ضد الاحتلال والقيام بواجبهم الوطني والقومي والديني وحتى الأخلاقي فيها). وبتبسيط أكثر، فإن هذا يشبه رفع الإخوان المسلمين في مصر الآن لشعار الدولة المدنية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها والاصطفاف إلى جانب القوى الأخرى لتحقيق هذا الهدف، أم حصل زمن الخلاف الداخلي الذي تطوّر إلى حرب أهلية ليس بسبب التنافس السلطوي والسياسي وإنما بصفتها بين المؤمنين من جهة والعلمانيين والكفار من جهة أخرى؟ حسب تعبير الشهيد نزار ريان، وهو ما تمركز في مضمون الفتوى التي أصدرتها رابطة علماء فلسطين لتبرير وتشريع الاقتتال والتي يمكن لأي سلفي جهادي في غزة أن يوقّع عليها ويتبنّاها من ألفها إلى يائها.
 
وأخطر من كل ذلك، ما الذي يمكن أن يفهمه السلفيون من الممارسات التي قامت بها الحكومة في غزة لأسلمة المجتمع - حسب تعبيرها - من إجبار الطالبات في المدارس الإعدادية والثانوية على ارتداء الحجاب، ومنع الاختلاط طبعاً، ومنع المدرّسين من التدريس في مدارس البنات، وإجبار المحاميات على أمر مماثل في المحاكم، والتضييق على محلات الأزياء والحلاقة النسائية، وصولاً إلى قرار منع النساء من تدخين النرجيلة في الأماكن العامة والتضييق على المتنزّهين على شاطئ البحر في غزة.
 
 السلفيون فهموا هذه الممارسات على أنها تبنّ لأفكارهم من حيث المبدأ وتلكؤ أو تردّد في التطبيق الكامل، علماً أن هذه القرارات جاءت بعد هجمات بالقنابل طالت محلات الحلاقة والأزياء، وحتى محلات الكمبيوتر والإنترنت. هؤلاء لا يفهمون عبارة السياسيين المحترفين عن أكل قليل من العسل وليس الجرة كلها، وهم في الحقيقة يستخدمون ضد حكومة حماس اللغة التي طالما استخدمتها هذه الأخيرة ضد حكومات السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها حتى انتخابات 2006.
 
شرطة الحكومة المقالة قالت إن طريقة تعاطيها القاسية والدموية مع المجموعة التي نفّذت الجريمة تعتبر بمثابة تحذير لكل من تسوّل له نفسه المساس بالأمن والأمان في غزة. من حيث الشكل، هذه لغة أنظمة الاستبداد والقهر البائدة، أو التي في طريقها للزوال. أما من حيث المضمون، فهى تعبّر عن الذهنية الأمنية ضيّقة الأفق وقصيرة النظر التي يتمّ التعاطي عبرها مع الوضع في قطاع غزة. المشكلة هناك سياسية بامتياز وليست أمنية. لذا يجب:
 
·        تجفيف الينابيع التي تتغذّى وتنمو من خلالها التنظيمات السلفية.
·        إنهاء الانقسام بشكل فورى وعاجل.
·        الذهاب نحو رفع الحصار وإعادة الإعمار وودوران عجلة الحياة من جديد اقتصادياً واجتماعياً.
·        تخفيض نسب البطالة والفقر المرتفعة، إعادة الحيوية إلى الحياة السياسية، والتنافس بين البرامج عبر انتخابات حرة ونزيهة وديموقراطية وفى السياق نبذ خطاب التخوين السياسى والتكفير الدينى.
·        إعادة الاعتبار لأولوية مواجهة الاحتلال ضمن استراتيجية شاملة متعدّدة الأبعاد والمستويات.
·        عدم الخجل من الإقرار بالتهدئة في غزة، بل والاستفادة منها لترتيب البيت الوطني الداخلي.
 
 ودائماً على قاعدة أننا ما زلنا نعيش مرحلة التحرّر الوطني. وحتى إذا ما وصلنا إلى الاستقلال، فإن النموذج هو الدولة المدنية الديموقراطية العادلة وليس دولة أو كيان القاعدة بأي حال من الأحوال.

التعليقات