26/04/2011 - 12:19

فلسطينيو لبنان والحراك الثوري: مشهد ملتبس../ ظافر الخطيب

طغى الحراك الثوري العربي على كل ما عداه في الوسط الفلسطيني في لبنان. كانت صورة ميدان التحرير وحقيقة العزم الثوري المستعاد بقوة هي سيدة الموقف رغم كل نظرية نهاية عصر الثورات، ومثلما كان شباب الثورة في تونس ومصر يهتفون بسقوط النظام، كان الفلسطينيون يتعلقون بصدى الصوت، كيف لا وهم ما زالوا يتذكرون دعاء الاجداد المتواتر عبر الآباء على الملوك والحكام، فالقضية التي ولدت في رحم عالم عربي مفكك، مريض، متداع، لا يمكن أن تنهض إلا بعالم عربي أبي وديمقراطي، لذلك كانت زغردة النسوة ابتهاجاً، تعبيراً عفوياً عن موقفٍ سياسيٍ يربط القضية المركزية بعمقها، ربطاً ديالكتيكيا أسقط بالممارسة كل المقولات بفصل المسارات وانعدام الارتباط

فلسطينيو لبنان والحراك الثوري: مشهد ملتبس../ ظافر الخطيب
طغى الحراك الثوري العربي على كل ما عداه في الوسط الفلسطيني في لبنان. كانت صورة ميدان التحرير وحقيقة العزم الثوري المستعاد بقوة هي سيدة الموقف رغم كل نظرية نهاية عصر الثورات، ومثلما كان شباب الثورة في تونس ومصر يهتفون بسقوط النظام، كان الفلسطينيون يتعلقون بصدى الصوت، كيف لا وهم ما زالوا يتذكرون دعاء الاجداد المتواتر عبر الآباء على الملوك والحكام، فالقضية التي ولدت في رحم عالم عربي مفكك، مريض، متداع، لا يمكن أن تنهض إلا بعالم عربي أبي وديمقراطي، لذلك كانت زغردة النسوة ابتهاجاً، تعبيراً عفوياً عن موقفٍ سياسيٍ يربط القضية المركزية بعمقها، ربطاً ديالكتيكيا أسقط بالممارسة كل المقولات بفصل المسارات وانعدام الارتباط.
 
 يمكن ملاحظة التمايز في درجة ونوعية التفاعل الفلسطيني، فالبعض الغالب احتار في المدى الذي يراهن فيه، رغم توضح المشهد التونسي على خروجٍ مذل لزين العابدين. ذلك يعود إلى ترسخ صورة الأنظمة الحديدية القوية بعظمة الأجهزة الأمنية وقدرتها على اختراق الجدران والتعايش اليومي مع الأفراد في بيوتهم، وفعل آليات التهجين والتدجين، و ربما في التندر بالتدخل الإلهي وقدرته على حذف الملوك والتغييب بالموت للخروج من رتابة الاسماء وعهود الرؤساء والملوك، الملاذ الآخير لهم.
 
والبعض الآخر، فقد كان حبيس الارتباط مع المنهج والمسار، فالنظام المصري البائد كان نظاماً مرجعياً بالنسبة للمفاوضات المباشرة، أو لجهة الرهان على الغرب والتواطؤ مع كل ما هو معاد لأفكار النضال والمقاومة، وعليه فإن في سقوطه انهيارا للدور المرجعي وكل ما نادي به، وفسره، وقدمه كمنطق سياسي وحيد يصلح للتعامل مع الحاجات والأهداف، الطموحات والأماني، وهو يعني هنا أن سقوطه هو سقوط لكل من يؤيد هذه الاتجاهات والسياسات. أما البعض الأخير، فقد انتقل من حالة الرضا عما يحصل، إلى الرهان المتدرج، غير أنه ظل منضبطاً خلف مقولة عدم التسرع وتكرار التجربة الكويتية، في محاولة لممارسة سياسة واقعية تلتزم الحذر في التعبير عن التأييد أو المساندة لثوار مصر، حتى ولو كانت هذه الممارسة تتجاوز كل الأدبيات الثورية الملتصقة خط الدفاع عن الجماهير الشعبية ومصالحها.
 
لذلك كان يمكن أن نرصد الاسترخاء الخامل، والاكتفاء بالمراقبة عبر شاشات الجزيرة، وهو ما انعكس غياباً شبه كلي لتحليل الحالة الثورية والتعامل مع استنتاجاتها، هذا الموقف سرعان ما تغير وانتقل بشكل تدريجي وصولاً إلى الانخراط المتزايد فكانت الساحات العربية المختلفة، أما على الصعيد الفلسطيني في لبنان فقد ساهم ذلك في تشكل حالة من التشوش والإرباك، خاصة وقد ثبت أن حالة الاستبداد هي حالة غير قدرية بمعنى ديمومتها، وأن الشعب قادر على الحسم عندما يقول كلمته. وما زاد من هذا الإحساس هو خصوصية الوضع الفلسطيني في لبنان، غياب الأرض، والدولة، وتابو الضيف المؤقت والسياسات الرديفة.
 
 وتحت تأثير السحر المصري بدأت المحاولات التي اتخذت شكل حملات في وقت لاحق، منها "حملة إنهاء الانقسام"، التي يبدو أنها انتهت حيث بدأت، "حملة الزحف الأياري" في موعد النكبة، والتي كان يفترض بها أن تكون حملة كبيرة، سرعان ما قبضت الأطر السياسية على عنقها وأدخلتها في متاهاتها، وأخيرا "حملة كي نستطيع الى فلسطين سبيلا"، التي يقوم بها نخبة من الشباب الفلسطيني التي أحبت أن تطرح ما لديها بعيدا عن الأطر التقليدية، كي تعمل بحريتها وبأفق تراه ينسجم أكثر مع موجبات النضال الوطني الفلسطيني في ظل الحراك الثوري العربي.
 
إن تشكل الحيوية السياسية شرط ضروري يساهم في خلق آفاق واستعادة آمال، إذا ما كانت مقرونة بحراك شبابي فعلي ومبادرات تنهض بدورها في تحريك الواقع الفلسطيني، ولئن كان الإنجاز المصري فاعلاً في تأثيره، فإنه استند الى استعدادات ساهمت في خلق كتلة تاريخية قادرة على الصمود والمواجهة وتحمل عبء المعركة ودفع ضريبتها، أكثر من ذلك، قدرة عالية على ابتكار وسائل وتكتيكات وظفت في إطار إستراتيجي قادها نحو الانتصار النهائي.
 
وتشترك الجماهير الفلسطينية في لبنان مع الشعب المصري في المعاناة من الاستبداد والمظلومية، الفساد وهيمنة فئة واحدة على الحياة السياسية، كما في الوصول الى الدرك الأسفل من الانحدار، وأخيرا في الفراغ والعدم، وهو ما كان يؤدي الى الاحساس بانعدام القيمة وتبهيت الهوية الفردية على مستوى قيمة الفرد، والهوية الجماعية على صعيد قيمة ومكانة الهوية الوطنية وقدرتها على التماهي مع الشعوب الأخرى. وهو ما يفرض مقولة أن التغيير الثوري وحده القادر على تغيير الأوضاع، وذلك يعني انخراط الجماهير بحماس واندفاع في التعامل مع منطق تغيير الأوضاع بكافة أوجهها، غير أن المحاولات التي قامت والتي تأخذ مكانها الآن ظلت محاولات مبتورة وقاصرة لذلك لم تستكمل مهماتها وفشلت في تحقيق أهدافها، وبالعكس فإنها ضربت إمكان فعل وإمكان تفاعل، وفي الحالة الراهنة فإن الطريق المسدود هو مصيرها أجمعين، وذلك لـ:
 
- عدم واقعية الشعار؛
 - غياب الإستراتيجة؛
 - غياب التكتيكات الذكية وتوظيفها في إطار الاستراتيجية؛
- بقاء العمل في غرف مغلقة والعجز عن فحص مدى رغبة الناس والفئات الإجتماعية في الانخراط في أي حراك؛
- التسرع على قاعدة التقليد كما في شعار "الشعب يريد انهاء الانقسام"؛
 - التسرع على قاعدة الاسراع في العمل قبل أن يبادر احد اخر ويتحرك.
 
إن نقطة الضوء في الجسم الفلسطيني، هو الحوار الذي يدور بعيداً بمعنى بعيدا عن وسائل الإعلام، ويستند إلى الشباب وبعض المثقفين، ويتبنى مقولة إن التغيير قادم لا محالة، لكنه يحتاج إلى صيرورة بدون تدخلات قيصرية، أو مؤثرات بصرية خادعة تستعجل الإطلالات الإعلامية فترفع الشعار الكبير، فالسير على سنة المصريين والتوانسة في تفعيل العمل الثوري يقتضي فهم واستيعاب استراتيجيات العمل وتكتيكاته، لكنه قبل هذا وذلك يستند إلى المزاوجة بين حماس الشباب واندفاعهم والعقل الإستراتيجي. ولطاما تباهى الفلسطينيون بقدرتهم على خلق التواتر النضالي بين الأجيال، لكن نقطة الضعف التي كانت تجعل من الطاقات الكامنة والظاهرة، والجهود الفاعلة كأنها هدراً مهدوراً هو في غياب العقل الاستراتيجي، وسيادة منطق المؤقت من الخطط وظهور بارز للعفوية والارتجال.

التعليقات