28/04/2011 - 09:32

المزيد من أسرلة تعليم التاريخ في المدارس العربية.. / جوني منصور

لسنا ضد تعليم أي موضوع تاريخي للطالب العربي، بما في ذلك المحرقة، وكوارث وقعت لشعوب أخرى كالشعب الأرمني، والشعب الرواندي في أفريقيا والهنود الحمر في أمريكا....

المزيد من أسرلة تعليم التاريخ في المدارس العربية.. / جوني منصور
صدر مرسوم عن قسم التفتيش على تعليم موضوع التاريخ في المدارس العربية في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية يقضي بتغيير في مبنى امتحان "بجروت" التاريخ ـ الوحدة الثانية ابتداء من الصيف الحالي. وهذا مضمون المرسوم: يتكون القسم الأول من الامتحان من ثلاثة فصول: الأول حول تاريخ أوروبا في القرن العشرين، والثاني حول تاريخ الشعب الإسرائيلي في العصر الحديث، والثالث حول الكارثة التي حلت بالشعب اليهودي في ألمانيا وأوروبا. أما القسم الثاني ففيه سبعة أسئلة قصيرة. على الطالب أن يختار من كل فصل من القسم الأول سؤالا. أي مجموع ما يختاره من هذا القسم هو ثلاثة أسئلة. وعليه أن يختار أربعة أسئلة من القسم الثاني. فيكون مجموع ما عليه اختياره والإجابة عليه سبعة أسئلة. أما مدة الامتحان فلم تتغير، أي بقيت ساعة ونصف فقط. وكذلك أشار المرسوم إلى عدم تغيير مواد الامتحان.
 
ما الذي تغير في هذا المبنى؟ التغيير الأساسي هو بتخصيص فصل في الامتحان لموضوع المحرقة اليهودية في أوروبا. معنى ذلك إلزام الطالب بالإجابة على سؤال من الفصل المخصص لهذا الموضوع.
 
ويعزو المرسوم السبب الرئيسي في هذا التغيير إلى نتائج دراسة أجراها مكتب مراقب الدولة. والدراسة التي أجراها هذا المكتب انطلقت في أساسها من فرضية تحمل ما يريده ربابنة التربية في المؤسسة الإسرائيلية، وهي أن الطالب العربي لا يعرف شيئا عما جرى لليهود في أوروبا على يد النازية المجرمة. من هذا المنطلق يجبر الطالب العربي بالإجابة على سؤال عن الموضوع.
 
من جهة أخرى، صدر مرسوم سابق، أي قبل أشهر قليلة من المرسوم أعلاه، تم الإعلان فيه عن البدء بتعليم وحدتي تاريخ إلزاميتين لكل طلاب المرحلة الثانوية. وهذا يعني إدخال مادة المحرقة اليهودية كمادة إلزامية لكل الطلاب في المدارس العربية، والذين سيتقدمون لامتحان بجروت فيها بعد سنتين (في 2013).
 
سأتطرق أولاً إلى التغيير في مبنى امتحان البجروت، حيث سيُضطر الطالب العربي إلى الإجابة على سؤالين إضافيين عما كان قائمًا في الامتحانات حتى الآن دون إضافة دقيقة واحدة على الزمن المخصص للامتحان. وهذا الجانب الشكلي ذو أهمية كبيرة، إذ يُدخل الطالب في ضغط نفسي هائل لن يتحمله كثيرون من الطلاب. وسيؤدي بالتالي إلى تقصير عدد كبير منهم في إكمال الاجابات كما هو مطلوب، مما سينعكس سلبا على نتائج الطلاب.
 
أما بالنسبة للتغيير الآن، فهو عبارة عن انسجام تام مع توجهات الحكومة الحالية الساعية إلى تطبيق فكر إحلالي للتاريخ اليهودي والصهيوني، وتصوير المحرقة بأنها أخطر حدث في العالم تعرض له شعب، وفي هذه الحالة الشعب اليهودي. أنا شخصيًا، وغيري من الزملاء، نعتبر أن ما قامت به النازية هو من أخطر الجرائم ضد الانسانية، والتي ذهب ضحيتها ملايين من البشر من يهود ومن شعوب أخرى في أوروبا وخارجها. ولكن لا يمكن التعامل مع الموضوع بهذا الشكل، أعني فرضه على الطالب العربي الفلسطيني في الداخل، مع استمرار تغاضي المؤسسة الحاكمة وخاصة وزارة التربية والتعليم لتدريس تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، وخاصة النكبة. لكن هذه الوزارة مستمرة في تجاهلها المتعمد لكل التغييرات الحاصلة في العالم كافة، والتحولات لدى الشعب العربي الفلسطيني منذ عقود، ورفضها كالمؤسسة الحاكمة اعترافها بما اقترفته أيدي زعمائها بحق الشعب الفلسطيني في عام 1948 وما تلاه وما سبقه من جرائم ومجازر وتدمير لأسس حياته. ولا تريد هذه الوزارة الاعتراف بأن النكبة جزء بل مركب أساسي مما تعرض له الشعب الفلسطيني على يد العصابات العسكرية الصهيونية. وأكثر من ذلك استمرار هذه المؤسسة برفضها تغيير مناهج تدريسها التي لا توفر فضاء من الاستقلالية في التعليم، ولا توفر حقا أساسيا من حقوق المتعلمين من الطلاب لدراسة تاريخهم منذ فجر الخليقة، وبالتالي سعي المؤسسة الرسمية عبر قنوات وزارة التربية إلى منع الطالب العربي الفلسطيني من بناء وبلورة هويته القومية والثقافية المستقلة.
 
نحن نعرف جيدًا، أنه من سابع المستحيلات أن تقوم المؤسسة الحاكمة في إسرائيل بالاعتراف بالحقيقة، ولكن ملقى علينا واجب النضال من أجل إحداث التغيير، والنضال أيضًا من أجل توفير كل ما يمكن أن يناله الطالب العربي الفلسطيني من معرفة بتاريخه وقضيته.
 
ليس بخفي على أحد أن تغييرًا كهذا في مبنى الامتحان سيؤثر على معرفة الطالب في مسألة المحرقة، وأنه سيتعرف عليها أكثر بكثير مما يعرفه (بل يجهله) بالنسبة لنكبة شعبه. وليس بخفي أيضًا أن يأتي هذا التغيير بتزامن واضح ومخطط له مع تشريع قوانين عنصرية آخرها قانون يمنع من العرب الفلسطينيين إحياء ذكرى النكبة.
 
لسنا ضد تعليم أي موضوع تاريخي للطالب العربي، بما في ذلك المحرقة، وكوارث وقعت لشعوب أخرى كالشعب الأرمني، والشعب الرواندي في أفريقيا والهنود الحمر في أمريكا....
 
لهذا، إن التغيير لن يُحسّن ظروف تعليم موضوع التاريخ في المدارس العربية في إسرائيل، ولن يمنح أي فرصة للطالب العربي الفلسطيني لمعرفة تاريخه. أكثر من ذلك، يسعى التغيير إلى فرض هيمنة المؤسسة الحاكمة، وفرض مشروعها التعليمي الذي يُبرز تاريخ الشعب اليهودي ـ الإسرائيلي، ويتجاهل كليا وجود الشعب العربي الفلسطيني في وطنه، وأن لهذا الشعب تاريخ وحضارة.
 
ما المطلوب في أعقاب ذلك؟
المطلوب أولاً وأساسًا إحداث تغيير جذري على المناهج التدريسية لموضوع التاريخ لكافة المراحل التعليمية، بحيث تشمل توجهات منفتحة تعترف بالشعب العربي الفلسطيني كصاحب حق في أرضه ووطنه، وكصاحب حضارة وثقافة، وبالتالي صاحب حق في أن يتعلم أبناؤه تاريخهم، بما في ذلك النكبة.
 
أما على أرض الواقع وعمليًا، فالمطلوب إلغاء التغيير في مبنى الامتحان، أقله لهذا العام، مع وضع دراسة مستفيضة لاحتياجات الطالب العربي وكيفية توفير الظروف المناسبة له للتقدم للامتحانات.
 
وباعتقادنا إن هناك أهمية كبيرة في مناقشة الموضوع مع معلمي التاريخ في المدارس العربية، ومناقشة ذوي الاختصاص بكل جدية، قبل إسقاط الموضوع كأوامر على المعلمين.
 
وهنا يأتي دور هيئات العمل الأهلي، ومن بينها لجنة متابعة قضايا التعليم والجمعيات المعنية بالأمر والأحزاب السياسية والسلطات المحلية وكل طرف له اهتمام بقضايا التعليم، السعي إلى إلغاء التغيير لهذا العام، مع الشروع ببدء وضع دراسة تفصيلية وجادة حول الموضوع. ولا شك في أن المؤتمر الذي تنظمه جمعية الثقافة العربية بعنوان "المناهج والهوية" والذي سيعقد نهاية الأسبوع القادم في الناصرة سيُسلّط الأضواء بقوة على المناهج ودورها في إقصاء الطالب العربي عن تاريخه وتراثه ولغته وبالتالي إلى خلق غربة بينه وبين هويته. ومن هنا الحاجة ملحة إلى تشكيل ائتلاف ضاغط للحيلولة دون تطبيق هذا التغيير في الظروف الراهنة.

التعليقات