05/05/2011 - 13:36

عملية المصالحة على أنقاض عملية التسوية../ ماجد عزام*

ببساطة، سيرعى الزمن العربي القادم المصالحة، كما السعي الفلسطيني نحو السيادة والاستقلال وتقرير المصير

 عملية المصالحة على أنقاض عملية التسوية../ ماجد عزام*
جاءت المصالحة الفلسطينية مفاجئة من حيث توقيتها فقط، وليس من حيث المبدأ أو الفكرة، كنتيجة لعوامل عدة فلسطينية وعربية ودولية. وعموماً، يمكن اعتبار المصالحة حصيلة مباشرة لحدثين ومعطيين جوهريين هما: موت عملية التسوية بين السلطة وإسرائيل خلال العام الأخير، خاصة مع انهيار الجولة الأخيرة منها مباشرة بعد انطلاقها مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، إثر رفض نتن ياهو التجميد التام للاستيطان في الضفة الغربية، وتراجع إدارة أوباما عن تبني هذا المطلب الحيوي والهام للعملية. أما المعطى الآخر، فهو ثورة 25 يناير في مصر التي أعادت لها هيبتها، ولسياستها الخارجية وعيها ورشدها، وفي المركز منها القضية الفلسطينية؛ ليست باعتبارها مريضاً لا داعي لشفائه، وإنما بصفتها مركباً من مركبات الأمن القومي المصري.
 
السلطة الفلسطينية في رام الله تحدّثت طوال الوقت عن المصالحة، إلا أنها لم تقصد ذلك بشكل جدي. وحتى شهور قليلة مضت، أعطت الأولوية لعملية التسوية على حساب عملية المصالحة، إلا أنها فهمت في الشهور القليلة الماضية أن لا أمل في التوصّل إلى تسوية مع الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ الدولة العبرية، كما أنها استوعبت أيضاً الوضع الجديد في واشنطن بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس-حسب تعبير جورج ميتشل- وبالتالي، استنتجت أن باراك أوباما ليس بوارد الضغط الفعلي على نتن ياهو، وليس بوارد طرح خطة جدية لإقناع أو إجبار الطرفين على العودة لطاولة التفاوض. وهذه الدائرة التي فتحت مع تصويت أمريكا ضد القرار العربي الرافض للاستيطان في مجلس الأمن، والداعي إلى العودة للتفاوض وفق مرجعيات محدّدة أغلقت مع التسريبات عن أفكار أو خطة تجري مناقشتها في البيت الأبيض، ولا تتساوق مع الحد الأدنى المقبول فلسطينياً، ولا حتى مع البيان الأوروبي الثلاثي الذي ألقاه المندوب البريطاني في مجلس الأمن بعد الفيتو الأمريكي شباط \فبراير الماضي وحدّد مرجعيات وآلية إحياء عملية التسوية.
 
عندما طرح الرئيس محمود عباس مبادرته للمصالحة، ورغبته في التوجّه إلى قطاع غزة لإنهاء الانقسام، وتكريس الوحدة الوطنية كان يعبّر عن المعطيات السابقة. وبالتالي، عن تغيير الأولويات فباتت عملية المصالحة مقدّمة ومفضّلة على عملية التسوية الميتة –ولدت ميتة أصلاً حسب تعبير الوزير نبيل العربي- وهو المعطى الذي يمثّل برأيي الجناح الأول الذي أقلعت عملية المصالحة على أساسه، غير أن هذا وحده لم يكن كافياً لتحريك العملية العالقة. وهو ما بات متوفّراً مع ثورة 25 يناير، وما أحدثته من تغيّرات سواء على الصعيد المصري الداخلي أو على الصعيد العربي والإقليمي وحتى الدولي.
 
القيادة المصرية الجديدة فهمت أن عليها مراعاة الرأي العام في كافة سياستها وتوجّهاتها الداخلية والخارجية، وهو ما تبدّى جلياً في مواقف وتصريحات الوزير نبيل العربي الذي وصف في مقال له أوائل شباط/ فبراير الماضي السياسة الخارجية للنظام السابق بأنها كانت ارتجالية وعشوائية، وتعتمد ردود الأفعال. وبناءً عليه، استنتج العربي كدبلوماسي وخبير قانوني أن حصار غزة مشين وغير أخلاقي، وما كان لمصر أن تشارك فيه بأي حال من الآحوال. وبالتالي، ضرورة رفعه بأسرع وقت ممكن، وبالتوازي لابدّ من اتباع مسار آخر تجاه القضية الفلسطينية بعد جمود عملية التسوية ووصولها إلى طريق مسدود. علماً أنه يرى أنها ولدت ميتة أصلاً. وهذا المسار المقترح يعتمد على فكرة عقد مؤتمر دولي من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام عادل ونهائي، ما يقتضي بالضرورة إنهاء الانقسام، وتوحيد المرجعيات القيادية الفلسطينية؛ للتوجّه إلى العالم بصوت واحد منسجم ومتماسك.
 
وهذا ينقلنا مباشرة للحديث عن حركة حماس التي قبلت في الحقيقة الورقة المصرية مع تحفّظات اختصرت في ثلاث كلمات فقط-التشاور أو التوافق للجان الانتخابات والأمن وقرارات لجنة إعادة إحياء منظمة التحرير- عبّرت في الحقيقة عن جدار عدم الثقة العالي مع النظام المصري السابق، كما مع السلطة في رام الله. والحركة الاسلامية سعت أساساً وراء مصالحة تحوي ثلاث ضمانات رئيسية: رفع الحصار عن غزة وهو المطلب المركزي على جدول أعمالها في السنوات الأخيرة، إضافة إلى إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الأخيرة، وبقاء الوضع الأمني على حاله مع عدم رفض تعديلات طفيفة وغير جوهرية، وهي البضاعة التي استعدت القيادة المصرية الجديدة لتوفيرها مع عدم ممانعة من قيادة السلطة في رام الله.علماً أنها تؤسّس أيضاً برأي حماس أيضاً الأرضية للشراكة السياسية بالمعنى الجدي للكلمة، وفي السياق الذهاب إلى الانتخابات في أجواء مؤاتية أكثر، خاصة مع القناعة بأن النظام النسبي وإن كان غير مكتمل لن يتيح لجهة ما الاستئثار وتحقيق فوز كاسح في الانتخابات، ومن ثم الاستئثار بالسلطة والتحكّم بتوجّهاتها.
 
إذن، بناءً على ما سبق، وضعت عربة المصالحة على السكة من جديد. ولكن إطلاق صفة العملية عليها ينطلق من سببين رئيسين: الأول، إن الجنرال عمر سليمان تبنّى الأمر؛ ليس من أجل موت عملية التسوية وإنما كرديف وداعم ومساند لها، أما السبب الثاني فيتمثّل بالطابع الإجرائي والجدول الزمني للورقة المصرية، والجدول الزمني للتفاهمات الملحقة الذي يصل إلى عام ويتضمّن خريطة طريق أو استحقاقات لابدّ من الوفاء بها، كي تأتي الانتخابات تتويجاً لمسار تصالحي ديموقراطي وطني وليس كاستنساخ لتلك التي تجري في الديكتاتوريات سيئة الصيت، وتصبح مدخلاً لاستئناف الحرب الأهلية من جديد.
 
ولدت عملية المصالحة من جديد، بل وكانت في الحقيقة إعلاناً صريحاً وواضحاً عن موت عملية التسوية، التي لا فرصة جدية لإعادتها إلى قيد الحياة مرة أخرى، ما يعني نظرياً أن ثمّة فرصة لنجاح العملية المناقضة، أي المصالحة التي يفترض أن تتغذّى أيضاً من أوكسجين الربيع العربي النقي والمنعش، علماً أننا نعيش الآن بداياته فقط.
 
وببساطة، سيرعى الزمن العربي القادم المصالحة، كما السعي الفلسطيني نحو السيادة والاستقلال وتقرير المصير.

التعليقات