09/05/2011 - 16:14

المصالحة الفلسطينية.. من يصدق كل هذا التفاؤل؟../ فراس أبو هلال*

وأخيرا وقع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة، بعد أربع سنوات من الانقسام، والكثير من المعارك الداخلية على أرض الواقع، والكثير من الحديث عن الوحدة وحرمة الدم الفلسطيني في وسائل الإعلام

المصالحة الفلسطينية.. من يصدق كل هذا التفاؤل؟../ فراس أبو هلال*

وأخيرا وقع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة، بعد أربع سنوات من الانقسام، والكثير من المعارك الداخلية على أرض الواقع، والكثير من الحديث عن الوحدة وحرمة الدم الفلسطيني في وسائل الإعلام.

الساحة الفلسطينية والعربية قابلت الاتفاق بالكثير من التفاؤل والفرح، والقليل من التحفظات، وكأن هناك تواطؤا غير مكتوب بين كافة الأطراف السياسية والإعلامية على إشاعة كل هذا التفاؤل، وإشاحة العيون عن مبررات التشاؤم أو الحذر على الأقل، في مشهد يشبه إلى حد كبير تواطؤ تلك القرية اللاتينية عن منع جريمة حتمية في رواية "قصة موت معلن" لغابريل غارسيا ماركيز.

لسنا هنا في وارد توجيه اللوم، لمن تفاءلوا بمصالحة وطنية تعيد للشعب الفلسطيني وحدته في مواجهة العدو المشترك، لأننا ندرك أن الكثير من التحليلات والآراء المتفائلة بنيت على قراءة رغائبية للمشهد، تحلم بواقع فلسطيني أفضل، ولكنها تهمل عوامل التفجير التي يمكن أن تحول حلم الوحدة الوطنية إلى كابوس مخيف.

حتى ينجح الاتفاق الجديد، ويكون مصيره أفضل حالا من مصير اتفاق مكة، فلا بد أولا من وجود الثقة بين طرفي الصراع الرئيسيين: حماس وفتح، لأن تطبيق الاتفاق بحاجة إلى تنازلات من كل طرف للآخر في تفسير التفاصيل، التي ترك الاتفاق الكثير منها مبهما، أو على الأقل يقبل أكثر من تفسير، وهو ما سيشكل عامل فشل كبير لا قدر الله، إذا ظلت الثقة مفقودة، بعد أكثر من أربعة أعوام من الصراع والحملات الإعلامية الشرسة بين حماس وفتح.

ولعل الخلافات التي أخّرت حفل توقيع الاتفاق، حسب بعض المصادر لأكثر من ثلاث ساعات، والتي أخذ النقاش حولها حسب مصادر أخرى ست عشرة ساعة، يدل على عمق الأزمة المتعلقة بغياب الثقة، إذ أن القضايا الشكلية والبروتوكولية، تحولت "بفضل" غياب الثقة إلى قضايا جوهرية كادت أن تنسف الاتفاق قبل توقيعه.

أما المشكلة الأهم فهي تكمن ببنود الاتفاق وتفاصيله، التي لم تستطع الإجابة على التساؤلات الجوهرية حول البرنامج السياسي للمشروع الوطني الفلسطيني، وتحديد السقف الزمني والآليات لإصلاح منظمة التحرير، وإدارة الأجهزة الأمنية وعقيدتها العسكرية، وهي التساؤلات التي كانت سببا في تفجير الصراع الفلسطيني الداخلي خلال السنوات الماضية.

لقد تعامل اتفاق المصالحة مع القضايا العامة والتفصيلية التي تعنى بشؤون السلطة الفلسطينية، وتجاوز الدخول في تحديد طبيعة البرنامج السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية في المرحلة القادمة، وكيفية إدارة الصراع مع الاحتلال، وهو بذلك أهمل أهم عامل تفجير للأزمة بين حماس وفتح، وأطال أمد أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يعاني ابتداء من غياب السياسة في برامج كافة فصائله.

وتكمن خطورة غياب البرنامج السياسي من بنود اتفاق المصالحة، في أن هذا الاتفاق جاء في ظروف إقليمية وسياسية، وصلت معها برامج حماس وفتح إلى مأزق شديد، وهو ما يعني أن أي انفراج في المأزق السياسي لطرف من الأطراف، قد يشجعه على التفلت من قيود الاتفاق، بهدف التوجه نحو تطبيق برنامجه الخاص.

وهنا تبرز خطورة البنود العامة حول إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن البرنامج السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية، حيث ترك الاتفاق عملية إصلاح المنظمة من دون سقف زمني، ورهن انتخاب مجلسها الوطني بعوامل خارجية، كموافقة الدول التي يوجد بها لاجئون على مشاركتهم بالانتخابات، ولم تحاول وضع بدائل عملية لتحديد نسب التمثيل للفصائل المختلفة، في حال رفضت هذه الدول إجراء انتخابات فلسطينية على أراضيها، وهو أمر متوقع بنسبة كبيرة.

قضية أخرى تدعونا "للتشاؤل" والحذر، وهي مرجعية الأجهزة الأمنية، التي تتوزع الآن بين أجهزة غزة الموالية لحماس وحكومتها، وأجهزة الضفة الموالية للرئيس عباس ولعقيدة "دايتون" العسكرية، وقد جاء الاتفاق ليترك مسألة الإصلاحات في كل من أجهزة الضفة وغزة إلى لجنة أمنية عليا مشتركة، ولم تستطع بنوده أن تحدد الآليات التي تجعل رجل الأمن الفلسطيني، سواء كان في الضفة الغربية أو قطاع غزة، منتميا إلى مرجعية واحدة وإلى عقيدة عسكرية واحدة، ومتجها إلى بوصلة واحدة، هي بوصلة القضية والشعب والوطن.

اتفاق المصالحة الفلسطينية يستحق من الجميع الدعم والتأييد، هذا أمر لا شك فيه، ولكن مما لا شك فيه أيضا هو أن الدعم لا يكون فقط بإعلان التفاؤل المفرط، وإشاحة الوجه عن المحاذير، واتهام من يرفض أن يصدق كل هذا التفاؤل، ولكنه يكون أيضا بالتحذير من مواطن الخلل، فالشعب الفلسطيني لم يعد قادرا على تحمل صدمة جديدة، بعد أعوام من الخيبات والصدمات.
"القدس العربي"
 

التعليقات