09/05/2011 - 13:36

المصالحة الفلسطينية: هل تبقى تحت السقف المطلوب؟!../ نزار السهلي

يأتي التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة ليؤكد صحة الملاذ الذي ركن إليه الفلسطينيون، وليبدد نهائيا الأوهام بشان مضامين الانقسام الذي استمر أربع سنوات بين كل من حركتي فتح وحماس مبعدا عن الجسد الفلسطيني بعضا من أمراض الانقسام التي طالت كل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية

المصالحة الفلسطينية: هل تبقى تحت السقف المطلوب؟!../ نزار السهلي
يأتي التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة ليؤكد صحة الملاذ الذي ركن إليه الفلسطينيون، وليبدد نهائيا الأوهام بشان مضامين الانقسام الذي استمر أربع سنوات بين كل من حركتي فتح وحماس مبعدا عن الجسد الفلسطيني بعضا من أمراض الانقسام التي طالت كل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
 
ففي الوقت الذي أعلن عن موعد توقيع الاتفاق في القاهرة بحضور الرئيس عباس وخالد مشعل لإنهاء الانقسام وحضور معظم الفصائل الفلسطينية،هطلت التصريحات الممزوجة بالذعر الإسرائيلي والأمريكي وحتى الغربي من هذه الخطوة، وهو ما يدل أن المستفيد الأول والأخير من عدم وحدة الفلسطينيين هي إسرائيل التي وجدت في انقسام الفلسطينيين تكريسا لواقع تبديد القضية الوطنية وطمس الحقوق الفلسطينية، وبالتالي فإن إنهاء الانقسام اليوم تلبية لرغبة "الشعب يريد إنهاء الانقسام" تأسيساً لإنهاء الاحتلال.
 
لكن المسألة اليوم لا تتعلق بالنوايا والرغبات لوضع حد لشرذمة الموقف الفلسطيني، ولا بنمط الأداء السياسي أو البراعة في التفاوض وتفسير النصوص، إنها تتعلق بإطار المصالحة الذي يحددها الطرف الفلسطيني ورؤيته لمرحلة ما بعد إنهاء الانقسام في ترتيب البيت بدون السقف الإسرائيلي وبميزان القوى الذي تولد في أعقاب الثورة المصرية، بمعزل عن الرغبات والنوايا الإسرائيلية المتربصة بلمّ شمل الموقف الفلسطيني.
 
 أحسنت بعد ذلك الأطراف الفلسطينية في حسم خيارها بالركون لملاذها الآمن في العودة إلى البيت الذي يؤمن لها مدخلا للحفاظ على المكتسبات والحقوق التي تنادي بها على ان تستفيد من الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية التي تمر بها المنطقة.
 
إن توقيع اتفاق المصالحة بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية تتويجا لسلسلة من التطورات التي أبرزت المخاطر الكبرى التي انطوت عليها سنوات الانقسام، وانعكاساتها السلبية على وحدة الشعب الفلسطيني، كما أبرزت هشاشة سياسة المفاوضات في ظل التناقضات الداخلية التي جعلتها عاجزة على رد الهجمات الصهيونية على الأرض والإنسان الفلسطينيين.
 
في المقابل يبرز اليوم تناقض رئيسي في العقبات والاستعصاءات التي ستتوالى في طريق المصالحة سيقود للمساس بالقاعدة التي اتفق عليها الطرفان مما سيوسع رقعة الضغط على السلطة الفلسطينية فيما بعد انتظارا لاستحقاقات أيلول وطلب الاعتراف بالدولة من الأمم المتحدة من جهة، وعدم الطلب من جهة أخرى، وهو ما يجعلنا نبدد الأوهام التي أشيعت حول الاتفاق وعن لجان الانتخابات والحكومة وباقي التفاصيل المعلنة، وكلها تعني شيئا ثابتا هو الاحتكام للمحاصصة التي تفرضها وقائع العملية التصالحية دون إقرار إستراتيجية فلسطينية واضحة لمواجهة الاحتلال وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وفي الجوهر منها قضية النكبة واللجوء التي تمر في إستراتيجية النضال الفلسطيني على هامش الحل او الاتفاق.
 
فلا يكفي أن يتحدث الرئيس أبو مازن على أنه لاجئ ويغيب عن خطابه وفعله السياسي ملايين شعبه المنتشرين في أصقاع الأرض، والتأكيد على الخيار الفلسطيني وبرنامج المفاوضات الذي يقود إلى دولة في الضفة والقطاع على أساس حدود الرابع من حزيران 67 ولا تختلف عليه مشارب الانقسام بين فتح وحماس ولا فصائل المنظمة التي التحقت بركب المصالحة. وما نخلص إليه في برنامج ودور الفصائل هو سقوط ما يتبع اسمها... لتحرير فلسطين، والتي وحدت نفسها توقع على المصالحة "كشاهد ما شافش حاجة "الى جانب اسمها.
 
لا يكفي بعد أيام قليلة في ذكرى النكبة الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني وتمسكه في حقه بالعودة، بينما يجري الغوص في حديث المصالحة عن ترتيبات الحكومة والانتخابات وباقي لجان الأمن والمعابر، بينما القضية أكبر وأعقد من أن يتم القفز عنها بصورة احتفالية..
 
ثمة أسئلة نحاول طرحها بصوت عال: هل انتهى خيار السلطة الفلسطينية واستراتيجيها المفاوضة؟ وهل تغير أسلوب وقناعة السياسي الفلسطيني في رؤية "الخيار الوحيد "لمسار الحركة الوطنية بالعودة للالتحام مجددا تحت ذات الأدوات المجربة لنهج التفاوض وعقد الآمال مجددا لن يفضي سوى إلى مزيد من العبث؟!
 
وفي الوقت نفسه يجري تمييع صيغة إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولمؤسساتها وبرنامجها الوطني، بالاستعاضة عنه في إتمام المصالحة ومحاولات التمويه على دور الفصائل المشاركة في التوقيع على المصالحة، وهو استمرار لدورها المنوط بها كشاهد على تخفيف نبرة منظمة التحرير الفلسطينية بيتهم الأول وملاذهم الأخير، لتتزايد القناعة عند الشعب الفلسطيني إن أي اتفاق ومصالحة فلسطينية لا تقوم على ثوابت الحقوق الفلسطينية تعني فقدان الجوهر السياسي للقضية، وأن إسرائيل حصدت ثمار المناخات الزائفة التي تمخضت بعد أوسلو، وستجني أيضا بعد أيلول القادم ما يزرعه الواهمون في أرض السياسة الفلسطينية.
 
نقول هذا الكلام، ونحن نعي حجم الضغوط والمؤامرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ولكن لنكن أكثر صراحة، هل في اتفاق المصالحة الفلسطينية عودة الرشد للسياسة الفلسطينية ونضالها التحرري؟ أم أن السقف الإسرائيلي هو الذي يحكم طبيعة التحرك الذي تقوده السلطة الفلسطينية، أم أن الخطوة سلاحا لتكثيف الضغط على إسرائيل لتستجيب لاستحقاقات "عملية السلام "التي أخذت معها طيلة عقدين ما تبقى من الحقوق الفلسطينية؟ كل هذه التساؤلات يطرحها أي فلسطيني مراقب لواقع الأداء الذي ميز طرفي الانقسام. فإذا كانت المصالحة لوضع الطرف الفلسطيني في موقع أقوى لفرض شروط التفاوض كبند يسمح له في حرية الحركة التفاوضية فإننا سنعود لذات الملهاة التي دخلنا فيها قبل عشرين عاما، ومن جهة أخرى إذا كانت لحمة الفلسطينيين ستنهي مبررات الانخراط في عملية تسوية جديدة في المراحل اللاحقة قبل أيلول وبعده فإن التفاعل مع مجموع التطورات الجديدة سيقود إلى اتساع نطاق الوحدة الفلسطينية والمقاومة بما يكفل رد العدوان وإسقاط سياسة الاستهتار التي تدار بها أنبل قضية.
 
في السياق نفسه شهد منسوب العمل التفاوضي مع الانقسام الفلسطيني خللا بحيث لم تنجح السلطة الفلسطينية في درء طعنات العدوان الإسرائيلي عن الشعب الفلسطيني الذي ينتظر إجابات متعلقة في تخلي السلطة عن إمعانها في إدارة الظهر لإرادة الشعب وتحديها المستمر للإجماع الوطني، وبذات الوقت يرفض بقاء فصائل المنظمة في موقع المراقب والشاهد فقط على جمع كل من فتح وحماس، بينما دورها التاريخي يقتضي دورا خطته هي في أدبياتها ونظامها الداخلي الذي نطالبها فقط بإعادة قراءة أدبياتها، حتى تتحرر من خياراتها التي أضعفتها وضاعفت الضغط عليها وجعلتها رهينة لسياسات السلطة، وهو ما ينسحب أيضا على السلطة الفلسطينية بالقول إن نجاح أي مصالحة يقتضي العودة للإجماع الوطني وثوابت الحق الفلسطيني في القدس وعودة اللاجئين وكنس الاستيطان والمستوطنين والاحتلال والمحتلين لتشق طريقها نحو الحرية والاستقلال كي تبقى المصالحة تحت السقف المطلوب.

التعليقات