10/05/2011 - 12:06

وماذا مع المجرم بوش؟../ زهير أندراوس

ما زالت الكثير من الأسئلة بحاجةٍ ماسةٍ للأجوبة حول ظروف تصفية زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، من قبل وحدةٍ مختارةٍ تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكيّة (CIA)، وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدّة الأمريكيّة سجلّت باغتياله نصرًا تكتيكيًا، وليس إستراتيجيًا، فإنّها في الوقت ذاته لم تُدل بالمعلومات الكافية عن العمليّة، دون أنْ تُبرر ذلك، الأمر الذي يدفع الإنسان العاديّ إلى التساؤل حول الأسباب التي تحول دون كشفها عن المستور في قتل ألد أعداء الغرب، وأمريكا تحديدًا

وماذا مع المجرم بوش؟../ زهير أندراوس
ما زالت الكثير من الأسئلة بحاجةٍ ماسةٍ للأجوبة حول ظروف تصفية زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، من قبل وحدةٍ مختارةٍ تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكيّة (CIA)، وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدّة الأمريكيّة سجلّت باغتياله نصرًا تكتيكيًا، وليس إستراتيجيًا، فإنّها في الوقت ذاته لم تُدل بالمعلومات الكافية عن العمليّة، دون أنْ تُبرر ذلك، الأمر الذي يدفع الإنسان العاديّ إلى التساؤل حول الأسباب التي تحول دون كشفها عن المستور في قتل ألد أعداء الغرب، وأمريكا تحديدًا.
 
وفي هذا السياق لا بدّ من وضع بعض النقاط على عددٍ من الحروف في محاولةٍ لسبر أغوار تداعيات تصفية الرجل، الذي كان أحد الأسباب في إزهاق حياة أبرياء من عرب وعجم، الرجل الذي أعاد أقطاب أمريكا الحرّة إلى العصر الحجريّ، عندما أجبرها على تبنّي نظرية الثأر والعين بالعين والسن بالسن:
 
أولاً: الرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما، الذي بدأ قبل عدّة أسابيع حملته الانتخابيّة الثانيّة في الطريق إلى البيت الأبيض، سيستثمر هذه العمليّة لإقناع الأمريكيين بقوته وجبروته، خصوصًا وأنّ شعبيته وصلت إلى الحضيض، ولكن بموازاة ذلك، فإنّ تنظيم القاعدة ما زال يعمل، وما زال قادرًا، بحسب الخبراء، على تنفيذ عمليّات انتقاميّة واسعة النطاق، وبالتالي فإنّ إخراج القاعدة عمليّة إرهابيّة إلى حيّز التنفيذ ستكون بمثابة كيدٍ مرتدٍ على أمريكا، قيادةً وشعبًا؛
 
ثانيًا: تنظيم القاعدة فقد زعيمه، وهذا بدون أدنى شك ضربة قاصمة له، ولكن بالمقابل، التنظيم بات عالميًا منذ فترةٍ طويلةٍ، وليس بحاجةٍ للحصول على إذن من القيادة لتنفيذ عملياتّه في جميع أصقاع العالم، وعليه فإنّه على الرغم من قتل بن لادن، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال قراءة صلاة الميت على القاعدة، لا بل بالعكس، قتله بهذه الطريقة، ورمي جثته في البحر، في تصرفٍ لا يمت للإنسانيّة بصلةٍ، ستثير في صفوف من يؤمن بطريقه، التي نرفضها فكرًا وممارسةً، مشاعر الانتقام وردّ الصاع صاعين، وبالتالي لا يستغربن أحدُ إذا عاد عناصر التنظيم إلى شوارع أوروبا وأمريكا؛
 
ثالثًا: يقول المثل: إذا عُرف السبب بطل العجب، نسوق هذا المثل لكي نقول إنّ الأسباب التي أدّت إلى نشوء تنظيم القاعدة وتعاظم قوته على مرّ السنين في العالمين العربيّ والإسلاميّ ما زالت قائمة، ومع أننّا ننبذ العنف والإرهاب، إنّ كان من التنظيمات أوْ من الدول الإرهابيّة، فإننّا في الوقت نفسه نقول وأيضًا نفصل، إنّ جميع العوامل لنشوء التنظيمات الراديكاليّة في الوطن العربيّ ما زالت على حالها: الفقر والجهل والتخلّف والاستعمار ونهب الثروات وسلب الأراضي، بكلماتٍ أخرى: التربة ما زالت خصبة لتأليب مشاعر الغضب لدى الشباب العربيّ والمسلم، الذي يعيش بـ"رفقة" البطالة وبـ"رأفة" الجوع، وينظر إلى الغرب كيف ينهب أرضه وينتهك عرضه، ومن هنا فإنّ الطريق ستبقى مفتوحةً أمام هؤلاء للالتحاق بالقاعدة بهدف الثأر للأمّة والوطن والدين؛
 
رابعًا: اللافت في هذه التنظيم أنّه صمت إزاء الثورات العربيّة في كلٍ من تونس ومصر، والحرب الأهليّة في ليبيا والاحتجاجات في اليمن وسوريّة، ولا نعرف ما هو السبب الذي دفعه إلى انتهاج خط الحياد في معركة دخول الأمّة العربيّة إلى ربيع الشعوب. هل عارض تحرر الإنسان العربيّ من حكم الطغاة؟ علاوةً على ذلك، فإنّ فرع اليمن التابع للقاعدة، وهو النشيط والخطير، التزم الصمت، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل وبفمٍ مليء: هل وراء الأكمة ما وراءها، ذلك أنّ الساكت عن الحق هو شيطان أخرس؛
 
خامسًا: علينا أنْ لا ننسى أنّ تنظيم القاعدة، بعد تنفيذ عملياته في نيويورك وواشنطن، حوّل الإنسان العربيّ إلى بربريّ بنظر الغرب، وهو نفس الغرب الذي كان ينظر إلينا بازدراء واحتقار قبل أيلول (سبتمبر) من العام 2001، ولكن الأخطر من ذلك، أنّ العملية عجّلت من الخطة الأمريكيّة لاحتلال العراق والإطاحة بالرئيس صدّام حسين، فقد زعمت أمريكا زورًا وبهتانًا، بأنّ الرئيس الراحل صدّام كان على علاقة بتنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي أثبت التاريخ أنّه من نسيج خيال المجرم جورج بوش وعصابة اليمين المسيحيّ المحافظ؛
 
سادسًا: لقد تسبب تنظيم القاعدة في قتل الأبرياء من خلال عملياتّه الإرهابيّة، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، ولكن بالمقابل، علينا أنْ نتوخى الحقيقة الموضوعيّة: لماذا لا يُحاسب الرئيس الأمريكيّ السابق، جورج ووكر بوش، الذي حوّل قتل العرب من هوايةٍ إلى مهنةٍ، وأرسل جيشه إلى أفغانستان والعراق، فالحرب التي شنتها بلاده على ما يُسمى بالإرهاب في هذين البلدين مستمرة منذ عشرة أعوام، وأدت إلى استشهاد أكثر من مليون إنسان، وبلغت تكلفتها حتى الآن أكثر من ألف مليار دولار. هل إرهاب التنظيم بات حرامًا وفق الأعراف الدوليّة، في ما أصبح إرهاب الدول، وبالأخص أمريكا، محَللاً وفق نفس القوانين؟ لماذا هذا التعامل بمكيالين؟ ولماذا هذه الازدواجيّة والتفرقة بين الضحايا العرب والمسلمين وبين الضحايا الغربيين؟؛
 
سابعًا: السيّد إسماعيل هنيّة، رئيس الحكومة المقالة ومن أقطاب حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) قال يوم الاثنين من هذا الأسبوع إنّ بن لادن، هو مجاهد عربيّ ومسلم. لا يا سيّد أبو العبد، نسمح لأنفسنا أنْ نختلف معك في هذا التشخيص، على أمل أنْ لا يُفسد ذلك للود قضيّة، تصريحك ليس مقبولاً علينا، وهو بالإضافة إلى كونه ليس دقيقًا، يضع الشعب العربيّ الفلسطينيّ في مأزق، فأنت تمثل شريحة واسعة من هذا الشعب، وهذا الموقف يُسجّل عليك، إننّا ندافع عن قضيّةٍ عادلةٍ لشعبٍ مظلوم، ونحن بحاجةٍ ماسةٍ لتعاطف الأمم والشعوب، فعدالة القضيّة غير كافية، وبالتالي حسنًا تفعل حركة حماس إذا أعادت النظر في موقفها من القاعدة وزعيمها المقتول، فالحمد لله، التحريض علينا وضدّنا، ليس بحاجةٍ لتصريحات من هذا القبيل، ولا نعتقد ولو للحظة، بأنّ السيّد هنيّة يريد صب الزيت على النار؛
 
ثامنًا: على الأمريكيين والعربان المرتبطين بهم أنْ يعلموا بأنّ فشل سياساتهم في الوطن العربيّ والإسلاميّ وفي دول العالم الثالث لن تجلب الأمن والأمان لهذا العالم، وعلى الحكام العرب الذين ما زالوا يراهنون على جبروت أمريكا أنْ يؤمنوا، قلبًا وقالبًا، بأنّ عدم إطلاق الحريًات والتعددية وصولاً إلى الديمقراطيّة، سيُكرس الوضع القائم، لا بل سيزيده خطورةً، ويُعبّد السبيل لنشوء حركات أصوليّة، تُهدد الدولة والشعب على حدٍ سواء، هذه الحركات التي تريد إعادتنا إلى عصور ولّت، وبالتالي حسنًا يفعل الحكّام إذا سحبوا البساط من تحت أرجل هذه الحركات وخلقوا مجتمعات مدنيّة، مبنيّة على العدل والمساواة ليس فقط في الواجبات، إنّما في الحقوق أيضًا، فبدون منح كل ذي حق حقه، لا يمكن خلق معادلات سحريّة لاستعباد الشعوبٍ في زمن العولمة والتكنولوجيا المتطورّة.
 
نعم، ومرّة أخرى نعم، نحن بحاجة إلى قاعدة متينة من الديمقراطيّة، لأنّها الحل الوحيد لوأد التخلف والرجعيّة التي باتت متأصلة فينا بسبب حكّامنا، قاعدة مبنيّة على نفي التزمت، ورفض التشنج الدينيّ ونبذ التعصب السياسيّ على حدٍ سواء.

التعليقات