14/05/2011 - 10:54

تصحيح متأخر لثورة 23 يوليو../ ماجد عزام*

الثورة في مصر- كما في البلدان العربية الأخرى- لا تحتاج إلى ناصر آخر، إنها ثورة بحاجة إلى قيادة وليس قائدا، بحاجة إلى زعماء وليس زعيما. ثورة سعت منذ اليوم الأول إلى إسقاط النظام الأحادي البيروقراطي والاستبدادي والبوليسي الذي وضعت أسسه زمن ناصر الأول. إنها ثورة تريد إرجاع السلطة والحكم للشعب بصفته مصدر السلطات والمرجعية العليا، وأي حزب ينجح في تجسيد مبادئ ناصر وتحديثها عبر برامج سياسية واقتصادية واجتماعية جدية وصائبة سينال حتما ثقة الشعب ودعمه ليس عبر امتحان واحد فقط، وإنما عبر امتحانات منتظمة ومتواصلة تضمن أن تظل الجذوة مشتعلة، وأن لا يقع أي انحراف عن المصالح العليا للوطن وفق أهواء زعيم ما أو حزب ما أياً كان هذا الزعيم أوهذا الحزب

تصحيح متأخر لثورة 23 يوليو../ ماجد عزام*
كتبت فى مقال سابق أثناء مواكبتي للانتفاضة الثورة فى مصر أنني مصري الهوى وناصري كما كثيرين من العرب لا اعتقد أن ثمة من يرفض المفاهيم والمبادئ التى طرحها ناصر عن مجتمع الكفاية والعدل والمساواة ورفض الهيمنة والتبعية للخارج سياسيا أو أمنيا أو اقتصاديا وحتى ثقافيا، غير أن المشكلة هي أن هذه المفاهيم والمبادئ السامية تحتاج إلى برامج تفصيلية وتنفيذية لها، وليس ذلك فقط بل الذهاب بتلك التفاصيل والبرامج لا المبادئ والشعارات العامة إلى امتحان المرجعية العليا أي الشعب للحصول على تأييده وثقته ليس لمرة واحدة، وإنما بشكل منتظم ومتواصل عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وعادلة على المستوى الرئاسى كما البرلمانى أيضا.
 
أحد الآراء المؤيدة والداعمة للانتفاضة الثورة فى مصر طالبت بناصر آخر من أجل قيادة الثورة والوصول بها إلى بر الأمان. أختلف جذريا مع هذا الرأي كوني أفهم ما يجري بصفته تصحيحا لثورة ناصر الأول، ولكن للأسف بعد مدة زمنية طويلة، وبعد ثمن باهظ دفعناه جميعا مصريين وفلسطينيين وعربا كنتيجة طبيعية لما فعله أو بالاحرى لما لم يفعله أحد أبرز القادة العرب في القرن العشرين وربما على امتداد التاريخ أيضا.
 
لا بد من الإشارة الى أن المهرج الكبير أنور السادات وصف انقلاب أيار/ مايو 1971 بثورة التصحيح كونه استوعب أن لا بد من تصحيح ما للثورة الناصرية غير أن ما فعله لم يكن في الحقيقة سوى انحراف عن الثورة ومبادئها وتكريسا لهيمنة الفرد والزعيم على حساب الدستور والمؤسسات وحقائق التاريخ وطبائع الأمور كما يحلو للأستاذ هيكل أن يقول.
 
وطالما أننا بصدد الحديث عن السادات وبالتأكيد في السياق العام للمقال يمكن مراجعة كتبه التي تم سحبها من السوق بعدما وصل إلى سدة الرئاسة أو ملخص لها في كتاب الأستاذ –خريف الغضب- حيث نجد أنفسنا أمام مهرج أو ممثل مسرحى من العيار الخفيف تقدم فعلا إلى فرقة بديعة مصابني المسرحية الذائعة الصيت فى الأربعينيات ويبدو أنه رفض لقدراته المتواضعة، كرجل يفتقد إلى الحد الأدنى من قدرات القيادة والزعامة، وحسب هيكل فإنه رفض أن تقدم له التقارير المكثفة اليومية والشاملة التى كانت تقدم لناصر- تريدون أن تقتلوني بهذه الأوراق كما قتلتم ناصر- قال ذات مرة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف وصل مهرج وممثل من العيار الخفيف إلى السلطة؟ وإذا كان لا يصلح للرئاسة فهل كان يصلح أصلا كنائب للرئيس؟ لا يمكن بأي حال من الاحوال التصرف كالنعام وإخفاء الرؤوس في الرمال.. ناصر مسؤول عن وصول شخص كهذا، لا يفهم حقائق التاريخ وطبائع الأمور، الى سدة الحكم- جهز حجة غياب ليلة ثورة يوليو حسب زعم هيكل- وبالتالي هو مسؤول بشكل غير مباشر أيضا عن وصول شخص مثل مبارك يفتقد للقدرات السياسية والقيادية. نحن أمام شخصين باع أحدهما البلد بينما دمر الثاني ما تبقى منها. وفي الحالتين فإن ناصر مسؤول للأسف مباشرة أو غير مباشرة.
 
عندما وصل جمال للسلطة كانت مصر تملك دستورا معقولا إلى حد كبير-دستور 23- كان يحتاج إلى تحديث فقط، وهو ما تم فعلا في العام 1954. عوضا عن ذلك كانت مصر تملك اقتصادا مقبولا، وتشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وكانت التيارات الأربعة الرئيسية حاليا موجودة آنذاك أيضا، وهي الإخوان المسلمون والوفد والقوميون والشيوعيون، كما كانت هناك حركة نقابية نشطة وإعلام حر إلى حد ما، ونواة لمنظمات مجتمع مدني ناشطة. كان الأمر يحتاج إلى لمسات في بعض الأحيان، وتغيير جذري في أحيان أخرى، كما حصل مع الملكية والإقطاع والإصلاح الزراعي كان بإمكان ناصر أن يشكل حزبا وفق آرائه ومعتقداته ومفاهيمه السامية، وهذا الحزب كان باستطاعته اكتساح أي انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيهة، وهذا ما لم يحدث طبعا. وبدلا من ذلك تم تأسيس نظام الحزب الواحد والزعيم الملهم القائد لدرجة أن مهرجاً مثل السادات، وساذجاً وعديم القدرات مثل مبارك جلسا على نفس المقعد الذى جلس عليه ناصر، وتمتعا بنفس الصلاحيات الدستورية الواسعة وغير المحدودة، وسمعا أو انتشيا بهتاف "بالروح بالدم نفديك". وببساطة من ردد هذا الشعار لناصر اضطر لتكراره أو حتى إسماعه لأشخاص لا يستحقونه مثل أنور وحسني.
 
المعطيات السابقة تجلت جميعها فى النكبة الثانية فى حزيران/ يونيو 67، وبنظرة إلى الوراء اعتقد أن من الصعوبة بمكان تصور حصولها فى ظل إعلام حر وحياة نيابية وسياسية شفافة ونزيهة يجلس فيها القائد للمحاسبة والمساءلة أمام شعبه وممثليه. قال أحد مناصري الثورة إن دستور مصر يحول أي رئيس إلى فرعون، والحقيقة أن ليس الدستور وحده من يفعل هذا، وإنما النظام الرئاسي نفسه الذي وضعت أسسه في عهد ناصر.
 
العالم احمد زويل قال منذ أسابيع لو أن ناصر أرسى نظاما ديموقراطيا في مصر لانتشر الأمر في طول العالم العربي وعرضه، وهو أمر صحيح حيث يذهب العرب عادة حيثما تذهب مصر، حدث هذا مع ناصر ومع السادات-الذي فرت وراءه الحظيرة- وحتى مع مبارك حيث انهار العالم العربي عندما انهارت مصر في عهده. ببساطة لو تبنى ناصر مقاربة ديمقراطية مختلفة لما وصل أشخاص مثل مهيب ركن العراق وعقيد ليبيا وشاويش اليمن ونميري السودان إلى مناصبهم، ولما تم استنساخ نظم عربية على طريقة النظام الأحادي الفرعوني المصري، ولما جلس النظراء العرب لأنور وحسني محل نظراء ناصرولاهتزت الأنظمة الملكية العربية بدلا من أن يحدث العكس بعدما تحولت الأنظمة الجمهورية الثورية أو كادت إلى أنظمة ملكية وراثية مقنعة.
 
لا أحكم على ناصر بمقياس الزمن الحالي، وإذا تجاهلنا ما فعله الجنرال ديغول، وهو صعد سياسيا زمن ناصر، فيمكن التمعن جيدا في مسيرة حليفيه الآخرين نهرو وتيتو، واللذين قادا معا العالم الثالث وحركة عدم الانحياز. ولننظر أين هي الهند الآن، وأين مصر ويوغسلافيا، لندرك أهمية الديمقراطية والحرية والشفافية والمؤسسات الدستورية الراسخة في مواجهة التحديات وصنع الانتصارات والإنجازات.
 
الثورة في مصر- كما في البلدان العربية الأخرى- لا تحتاج إلى ناصر آخر، إنها ثورة بحاجة إلى قيادة وليس قائدا،بحاجة إلى زعماء وليس زعيما. ثورة سعت منذ اليوم الأول إلى إسقاط النظام الأحادي البيروقراطي والاستبدادي والبوليسي الذي وضعت أسسه زمن ناصر الأول. إنها ثورة تريد إرجاع السلطة والحكم للشعب بصفته مصدر السلطات والمرجعية العليا، وأي حزب ينجح في تجسيد مبادئ ناصر وتحديثها عبر برامج سياسية واقتصادية واجتماعية جدية وصائبة سينال حتما ثقة الشعب ودعمه ليس عبر امتحان واحد فقط، وإنما عبر امتحانات منتظمة ومتواصلة تضمن أن تظل الجذوة مشتعلة، وأن لا يقع أي انحراف عن المصالح العليا للوطنوفق أهواء زعيم ما أو حزب ما أياً كان هذا الزعيم أوهذا الحزب.

التعليقات