17/05/2011 - 13:04

النكبة: الذاكرة والمشروع المضاد../ حنين زعبي

معنى المصالحة الحقيقي، هو ذلك الذي بوسعه إعادة إنتاج جو وثقافة وشخصية فلسطينية، متصالحة مع قيم النضال والتحرر الوطني، ومحاربة لما أنتجته أوسلو، والتنسيق الأمني، والمفاوضات خلال حصار غزة وتهويد القدس، من قيم انهزامية ومتهاونة وانتهازية وسلطوية

النكبة: الذاكرة والمشروع المضاد../ حنين زعبي
يمر إحياء ذكرى النكبة، ضمن مرحلة ثورية يشهدها العالم العربي، هي الحامل لنقيض النكبة. وضوح الهدف، الوحدة، التنظيم، البعد القومي، قيم الحرية والعدل والكرامة، ووضع الإنسان في مركز الحلم السياسي، كل ذلك يمثل المشروع النقيض للنكبة، ودون تلك القيم والأدوات لن يكون بوسعنا التحرر من الانهزامية الذاتية، والاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية.
 
ونحن، الشعب الفلسطيني، اعتدنا أن نكون العنصر الثائر في العالم العربي، وكان يحق لنا كما قال البعض أن "نلتقط عدوى المدّ الثوري العربي منذ اليوم الأول"، لكننا لم نتفاعل مع الثورات كأصحاب قضية تحرر وطني، وذلك بعد أن دمر نهج أوسلو ثقافة النضال والتحرر.
 
بالتالي فإن معنى المصالحة الحقيقي، هو ذلك الذي بوسعه إعادة إنتاج جو وثقافة وشخصية فلسطينية، متصالحة مع قيم النضال والتحرر الوطني، ومحاربة لما أنتجته أوسلو، والتنسيق الأمني، والمفاوضات خلال حصار غزة وتهويد القدس، من قيم انهزامية ومتهاونة وانتهازية وسلطوية.
 
تؤكد الثورات العربية، التي وضعت الإنسان في مركز مشروعها السياسي، أن تحرر الإنسان وحريته يقومان على قيم الحرية والعدالة من جهة، وعلى بعدنا القومي من جهة أخرى. وهذان البعدان تحديدا يلخصان مشروع التجمع الوطني الديمقراطي، في طرحه مشروعا يناهض المشروع العنصري للصهيونية.
 
المشروع الصهيوني لم يكتمل بعد، فالتفريغ العرقي، الذي تشير إحصائياته، إلى سحب هويات من 140 ألف فلسطيني بين الأعوام  1967 و1993من الضفة الغربية والقدس الشرقية ( لا يشمل العدد الذين غادروا عبرمعبر رفح الحدودي أو عبر مطار اللد، كما لا يشمل أعداد الفلسطينيين الذين طردوا عبر الحدود مع الأردن أو مع لبنان)، وسرقة الأرض، ومحو الذاكرة والملاحقات السياسية، هم أدوات النكبة، التي ما زالت تعمل فينا منذ عام 48 دون توقف.
 
مع ذلك يواجه الفلسطينيون شراسة غير مسبوقة فيما يتعلقا بمخططي "تهويد القدس" و"تهويد الـ48".
 
وأدوات إسرائيل "الجديدة" في تهويد الـ48 هي عملية قوننة للصهيونية، أي عملية تحويل الصهيونية من ولاء أيديولوجي، إلى ولاء بحكم القانون، والتي بواسطتها تتوسع عملية التهويد، من تهويد الجغرافيا (الأرض) والتاريخ الرسمي، إلى تهويد الذاكرة والعاطفة والشخصية الفلسطينية داخل حدود الـ48، وأدواتها في ذلك مجموعة من القوانين تسمى "قوانين الولاء"، وعلى رأسها ما عرف باسم "قانون النكبة". في ذلك انتقال من "سياسيات ولاء" قادها جهاز التعليم منذ النكبة، إلى "قوانين ولاء" تقودها الكنيست الآن.   
  
وعلينا ألا نظن أن صانعي القرار في إسرائيل يتوهمون بأن الولاءات تفرض، وأن قرارات ومخططات حكومية تستطيع أن تمحو الذاكرة أو تشكك في الانتماء، فالغرض من هذه القوانين ليس فرض الولاء، فالهدف من قوننة الولاء هو تسهيل تجريم الولاءات المناقضة، كولاءات خارجة عن القانون، أي تجريم العمل السياسي الشرعي.  
 
الإجابة على "مشروع النكبة"، وهو المشروع الذي ما زالت الصهيونية تحمله، هو بمشروع مضاد، ولا يهزم مشروعا إلا مشروع مضاد. وهو ذاك الذي يرتكز على هويتنا القومية، والذي لا يرضى بمواطنة تناقض ولاءاتنا التاريخية والأخلاقية. ذلك هو مشروعنا المضاد. وبروح الثورات في العالم العربي، لا يستقيم هذا المشروع، دون قيم الحرية والعدالة والكرامة للفرد، كما للشعب، كما للوطن.
 
و"مسيرة العودة" كانت إحدى تجليات هذا المشروع، لم نستطع أن نوقف "قانون النكبة"، لكن الأهم أن المؤسسة الإسرائيلية لم ولن تستطيع إيقاف هدير الآلاف من الشباب الذين خرجوا في تحد واع لعشرات القوانين العنصرية التي سنتها إسرائيل مؤخرا، وفي تأكيد كامل على هويتنا وعلى حقنا في الوطن. كان الحدث مهيبا، يليق بشعبنا، ويليق بالتحدي، وبرز دور الشباب الذين كانوا غالبية المشاركين في المسيرة، وبرز دور الشابات تحديدا على منصة العودة. ديما أبو أسعد، ومقبولة نصار، كانتا صوت الشباب بروح زمن الثورات.      
 
نحن جزء من الشعب الفلسطيني، وذلك يعني أننا جزء من نضاله، بالتالي حق العودة، وحقنا في النضال ضد الاحتلال هما جزء من نضالنا السياسي، والنضال لا يتجزأ إلا عندما نقبل بتجزئة الشعب.   

التعليقات