21/05/2011 - 10:57

باراك أوباما: شكر الله سعيك وكفانا شرك.. / د. مخلص الصيادي

أيها الرئيس الأمريكي دع عنك حديث المبادئ، والقيم، والأخلاق، فهذا حديث لا تستطيعه إدارتك، ولا أي إدارة غيرها، لاسابقا ولا مستقبلا، وليكن الحديث، حديث مصالح، وحين تملك شعوبنا زمام أمرها، ويصبح قرار دولها تعبيرا عن إرادتها، حينذاك نعرف، ونحدد، ماذا نعطي الولايات المتحدة، وماذا نأخذ منها، وماذا نعطي الغرب كله وماذا نأخذ منه، بل نحدد حينذاك طريقتنا في التعامل مع العالم كله. وفي هذه المرحلة المفصلية من حياة أمتنا نقول لك: شكر الله سعيك، ووقانا الله شرك

باراك أوباما: شكر الله سعيك وكفانا شرك.. / د. مخلص الصيادي
استمع العرب جميعا، واستمع العالم كله، الرئيس الأمريكي وهو يتحدث الخميس عن رؤية إدارته للوضع في المنطقة العربية.
 
البعض كان يتوقع أن يسمع جديدا من الرئيس بارك أوباما، خصوصا وأن الخطاب يأتي على خلفية كل الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية وما زالت، والتي تؤثر تأثيرا مباشرا ببنية النظام العربي وبقضيته الرئيسية القضية الفلسطينية.
 
وحين أنهى الرئيس كلمته كانت النتيجة محبطة لمن انتظر الجديد، بل كان الخطاب بمجمله وكأنه خارطة طريق للولايات المتحدة في مواجهة وإحباط المتغيرات العربية، وما يمكن أن تحدثه في هذا الواقع.
 
أوباما الذي تحدث بداية عن أن التغييرات في المنطقة قد لا تأتي بما تريد واشنطن، وعلى الإدارة الأمريكية أن تعي ذلك وتتقبله، عاد وانتكس عن هذه المقدمة، ليكشف أمامنا خطوط التحرك لإدارته في المرحلة القادمة.
 
لقد حيا الرئيس الأمريكي الإرادة الشعبية في تونس ومصر، التي أنهت حكم الرئيس المخلوع  حسني مبارك ، والرئيس الفار زين العابدين بن علي، زاعما أنهما تنحيا، وقال إنه قرر إعفاء مصر من مليار دولار من ديونها، وقرر أن تقوم الولايات المتحدة بدور مباشر ومهم مع منظمات المجتمع المدني في مصر وتونس، وأنه سيطلب من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وضع خطط لنهضة الوضع الاقتصادي في هذين البلدين على قاعدة الاقتصاد الحر وحرية التجارة.
 
وانتقد بشدة الرئيس الليبي معر القذافي ونظامه وما يقوم به، والرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وحينما أتى على النظامين البحريني، واليمني، اللذين وصفهما بالحليفين  أتى عليهما برفق شديد.
 
أما القضية الفلسطينية وهي حجر الرحى في المشهد السياسي في المنطقة، فكان مكانها من خطاب أوباما في الحضيض، إذ أراد في كل ما قاله أن يجردها من كل عناصر القوة المتبقية فيها، أو عناصر القوة التي اكتسبتها في الفترة الأخيرة. وعنده إسرائيل ـ التي نادى بالاعتراف بها كدولة يهودية ـ فوق الجميع وقبل الجميع، ومن أجلها تتغير كل الموازين، وتنقلب كل المعايير.
 
كاد البعض وهو يستمع لحديث أوباما عن الديموقراطية، وإمكانية أن تفرز أوضاعا لا تلائم مصالح أمريكا، أن يظن بأن أوباما سيعيد النظر في الموقف من حماس باعتبارها نتاج عمل ديموقراطي لاشك فيه، وأن يظن أنه سيكون له موقف إيجابي مما تم من مصالحة بين حماس وفتح لتوحيد الموقف الفلسطيني، وأنه سيكون له موقف مختلف بشأن مسعى السلطة الفلسطينية في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية لإعلان الدولة الفلسطينية، لكن سريعا ما تبين أن هذا ظن الجاهلين.
 
وحين تحدث الرئيس الأمريكي عن الإنجازات الديمقراطية خلط الأمور ببعضها محاولا أن يمرر ديمقراطية طائفية عرقية أقامها المحتل في العراق، مع الثورات الديمقراطية الراهنة في الوطن العربي، وأن يظهر أن هذه الثورات وكأنها جاءت انتصارا للأفكار والقيم والشعارات الأمريكية بخصوص الديموقراطية والحرية والتعددية.
 
وتخطى أوباما بسرعة لافتة حقيقة أن الأنظمة الفاسدة والمستبدة التي أنجز الشعب ثورته عليها، وهي هنا النظام المصري والنظام التونسي، هي صناعة أمريكية مئة في المئة، وأن مبارك كان النظام المعتمد والركيزة الأولى للولايات المتحدة في مختلف أوجه استراتيجيتها في المنطقة، وأن الفساد التي استشرى في نظام مبارك كان برعاية، واحتضان، المؤسسات الأمريكية والدولية، إذ ليس من المعقول أن تذهب مئات المليارات إلى محاضن الفساد في النظام المصري في غفلة عن الممول الرئيسي، ولم ينتبه أوباما وهو يتحدث عن خطابه السابق في جامعة القاهرة، أن ذلك الخطاب ،جاء في ذلك الوقت، دعما لنظام مبارك، وتوكيدا على دوره ومكانته في الاستراتيجية الأمريكية.
 
أيها الرئيس الأمريكي، ليس هناك مدخلا لقلب المواطن العربي ووجدانه وعقله وروحه إلا قضية فلسطين وملف فلسطين، ففيه تجتمع كل قضايا هذا المواطن.
 
ولم ينتظر المواطن العربي منك، أو ممن سبقك من قادة الولايات المتحدة وإداراتها، أن تقف مع الحق العربي في فلسطين، أبدا، لكن كان المطلوب دائما الوقوف مع القرارات الدولية ـ حتى ولو كانت منتقصة للحق الفلسطيني ومجحفة به ـ ، وأن تمتلك الدولة العظمى في العالم الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية تجاه هذه القضية، ولو في حدود القانون الدولي الذي رفض تشريع احتلال أراضي الغير بالقوة، وحفظ للفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم، وحقهم في العودة إلى ديارهم. لكن مرة أخرى تثبت الإدارة الأمريكية أن عقلها صهيوني، وعينها وقلبها، بامتياز.
 
نحن نخاف على الثورات الشعبية الراهنة من هذه الإدارة الأمريكية التي قالت ماذا ستفعل، وستجد لفعلها أدوات داخلية وخارجية.
 
لقد كان أعظم ما حققته هذه الثورات هو تحرير الإرادة الشعبية، والمضي لبناء الديمقراطية الحقيقية في هذه الأقاليم، وفي كل خطوة تزهر فيها هذه الثورات تنتعش فيها قضية فلسطين، ونحن نعتقد وأمامنا التجربة الراهنة، أن مزيدا من الديمقراطية يعني المزيد من الاقتراب من تحرير فلسطين، لذلك نحن نخاف على الديمقراطية الشعبية الحقيقية التي تصنعها شعوبنا الآن من هذه الإدارة الأمريكية.
 
نحن نخاف من أدواتها التي تحدث عنها أوباما، من التدخل في منظمات المجتمع المدني، وهي منظمات ما تزال وليدة، وخبرتها في التعامل مع الأجواء المفتوحة ما تزال ضحلة، ويخشى عليها أو على بعضها من الاختراق والاستيلاب.
 
نحن نخاف من سياسات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وهي سياسات دمرت قبل الآن شعوبا وتجارب، واقتصاديات، وما تزال.
 
لكن هذا الخوف ومصادره ودواعيه كثيرة جدا، لايجعلنا نقف هيابين في حركة التغيير والثورة، وإنما يزيد الخوف من يقظتنا وتنبهنا، وحساسيتنا تجاه كل ما يأتي من هذا الغرب، الذي تتقدمه الولايات المتحدة، ذات العقل والقلب الصهيوني.
 
أيها الرئيس الأمريكي دع عنك حديث المبادئ، والقيم، والأخلاق، فهذا حديث لا تستطيعه إدارتك، ولا أي إدارة غيرها، لاسابقا ولا مستقبلا، وليكن الحديث، حديث مصالح، وحين تملك شعوبنا زمام أمرها، ويصبح قرار دولها تعبيرا عن إرادتها، حينذاك نعرف، ونحدد، ماذا نعطي الولايات المتحدة، وماذا نأخذ منها، وماذا نعطي الغرب كله وماذا نأخذ منه، بل نحدد حينذاك طريقتنا في التعامل مع العالم كله.
وفي هذه المرحلة المفصلية من حياة أمتنا نقول لك:  شكر الله سعيك، ووقانا الله شرك.

التعليقات