29/05/2011 - 11:02

القضية الفلسطينية... انتهت؟../ د. عبد الرحيم كتانة

يعج التاريخ البشري بأخبار المؤامرات والاحتلالات، والتي تنقسم الى عدة أنواع منها: الإلغائي كما حدث في أمريكا حيث أباد القراصنة الأوروبيون السكان الأصليين في أمريكا الشمالية (الهنود الحمر) وأبادوا، أيضا، السكان الأصليين في استراليا وبنوا دولهم على جماجم البشر. وهناك الاحتلال العنصري الذي انتهى بعد نضال طويل من أصحاب الأرض إلى الاعتراف بحقوقهم ( جنوب افريقيا )، وهناك احتلالات انتهت بطرد الغزاة والاستعمار عبر نضال الشعوب. والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى: من فيتنام إلى الجزائر وما بينهما وبعدهما، أما الاحتلال الصهيوني لفسطين فلا زال عالقا دون حل. وتكاد فلسطين وقضيتها تضيع في دهاليز المفاوضات والمناورات

القضية الفلسطينية... انتهت؟../ د. عبد الرحيم كتانة
يعج التاريخ البشري بأخبار المؤامرات والاحتلالات، والتي تنقسم الى عدة أنواع منها: الإلغائي كما حدث في أمريكا حيث أباد القراصنة الأوروبيون السكان الأصليين في أمريكا الشمالية (الهنود الحمر) وأبادوا، أيضا، السكان الأصليين في استراليا وبنوا دولهم على جماجم البشر. وهناك الاحتلال العنصري الذي انتهى بعد نضال طويل من أصحاب الأرض إلى الاعتراف بحقوقهم ( جنوب افريقيا )، وهناك احتلالات انتهت بطرد الغزاة والاستعمار عبر نضال الشعوب. والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى: من فيتنام إلى الجزائر وما بينهما وبعدهما، أما الاحتلال الصهيوني لفسطين فلا زال عالقا دون حل. وتكاد فلسطين وقضيتها تضيع في دهاليز المفاوضات والمناورات.
 
 صحيح أن الكيان الصهيوني يتفوق على الفلسطينيين والعرب عسكريا، ويحظى بتحالفات قوى استعمارية ودول عظمى ويملك إدارة وتنظيم يعجز العرب أن يأتوا بمثلها، إلا أن الصحيح، أيضا أن الشعب المحتل هنا - الشعب الفلسطيني- شعب ضعيف وممزق وجعلوا منه منافقا، وقيادته عبر التاريخ ليست مؤتمنة على نضاله، ويسهل عليها الذل والهوان والتنازلات مقابل المكاسب الشخصية التي ينعمون بها من المحتل وأعوانه. نعم لقد فشلنا في "الحرب" و"السلام" و"البناء".
 
فشلنا في كل شيء ونطلق الزغاريد والرصاص ابتهاجا بانتصاراتنا، ألم نطلق أربعة ملايين رصاصة عندما خرجنا من بيروت ابتهاجا بالنصر؟! الفرق بين قضية وأخرى ليس في قوة الاحتلال، فالاحتلالات كلها قوية، بل الفرق بين شعب وقيادة تقاوم الغزاة وأخرى ذليلة. أعلم أن الكثيرين سيثورون على هذا المنطق، سيقولون أليس كفرا أن تصف الشعب الفلسطيني الذي ناضل وقدم التضحيات الجسام بأنه شعب متخاذل؟ أقول نعم، لقد قدم الشعب الفلسطيني الكثير ولكنه سكت ونافق القيادات التي تاجرت بدمائه، فماذا تسميهم إذن؟
 
إن القيادة الفلسطينية لم تكن أبدا بمستوى تضحيات شعبها، بل كانت أفشل محامي لأعدل قضية. أليس نذالة أن تصبح قضية الفلسطينيين هي الراتب الذي يدفعه العم سام ومن لف لفه مقابل 78% من فلسطين والحبل على الجرار؟ حتى ما تبقى من الأرض - الضفة وغزة - يتم قضمها وتهويدها تدريجيا ولم يتبق منها، بفعل عبقرية قياداتنا ومفاوضيه سوى أقل من خمسين بالمائة من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد قالها قادة الكيان بالفم الملآن: لا قدس عاصمة لكم ولا عودة لحدود 67 ولا انسحاب من الأغوار ولا عودة للاجئين... يشترك في ذلك اليسار واليمين والديموقراطيون والجمهوريون. ألا تصدقون ؟ وماذا تنتظرون؟ أتبحثون لهم عن عذر للعودة إلى المفاوضات؟ وعندما اشترطتم بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر رد عليكم ليبرمان "لن نوقف الاستيطان حتى لثلاث ساعات".
 
لم يخبرنا التاريخ عن قيادة لشعب تحت الاحتلال تزداد ثراء يوما بعد يوم، ولم يخبرنا عن قيادة لشعب تحت الاحتلال همها الأساسي الحفاظ على أمن المحتل وليس على أمن شعبها، عبر التنسيق الأمني مع المحتل. ولم يخبرنا عن قيادة يتهاوى سقفها السياسي و"ثوابتها "كلما زادت تضحياته وزاد عدد شهدائه وجرحاه ومعتقليه. ولم يخبرنا عن " ثوار" يعيشون حياة البذخ كالملوك، يملكون القصور والخدم والحراسات والسيارات التي لا يملكها أمراء النفط. أيفترض أن تكون هذه ثورة منتصرة؟ أيعقل أن تكون نهايتنا راتب من المحتل يصلنا برضاه ويقطع عنا إن غضب؟ وان غضب تنقض السلطة على شعبها لتصادر ما يملك - تحت مسميات الضرائب-من أجل إطعام موظفيها. من يتجرأ أن يصف موظفا في سلطتنا بالمناضل؟ وهل بقي هذا المصطلح، أصلا، صالحا؟ مناضل براتب؟ المناضل هو الذي يضحي بكل ما يملك من أجل قضية عادلة دون مقابل، فماذا يسمى إذا كان ينتظر الراتب ونهاية الخدمة ( انظروا ماذا أصبحت تسمية المناضلين - المتقاعدين العسكريين والمدنيين- المحارب الذي أنهى مهمته - حرر وطنه - وهو يستريح الآن... نهاية خدمة!؟ خدموا، وحرروا بلدهم وينتظرون المكافآت، وهي بالمناسبة مئات آلاف الشواكل، واذا تأخرت المكافآت والحوافز وكوبونات البنزين وكروت الموبايلات ثاروا وغضبوا و"نعلوا" أبو الصواريخ العبثية التي بسببها تأخرت عملية التحويل الإسرائيلية لأموالنا حسب اتفاقية باريس الاقتصادية. وإذا كنت، أخي المواطن تشك في كلمة أقولها فاذهب إلى رام الله، وانظر إلى السيارات والقصور والبيوت الفارهة، واستمع لكلام الناس، وماذا يشغلهم. أجزم أنك لن تسمع نقاشا سياسيا حول أفضل السبل، مثلا، للارتقاء بوضعنا النضالي!!! بالمناسبة هذه الكلمة (النضال) ممنوع تداولها في قاموس السلطة. إنهم ينهمكون فقط بالراتب والامتيازات والمهمات وبمبلغ نهاية الخدمة.
 
 ما الحل إذا؟
 إن بداية التفكير الصحيح يجب أن تبدأ بحل السلطة والتخلص من العار الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
 
أوسلو-هذه هي كلمة السر، انظروا ماذا قال عنها رابين بعيد توقيعها بسنة، عندما قدم تقريره لرئيس الكيان. قال رابين إن "أعظم إنجاز للحركة الصهيونية بعد قيام الكيان هو اتفاق أوسلو". أما نحن فنقول اعتمادا على هذا المنطق إن ثاني نكبة لشعبنا حدثت بعد ال48 هي توقيع اتفاق أوسلو.
 
إن مسيرة المفاوضات العقيمة وفشلها وتصاعد عمليات المصادرة والهدم والاستيطان الذي تزايد بثلاثة أضعاف عنه ما قبل أوسلو والمراهنة على التغيير في السياسة الأمريكية أو الإسرائيلية والمراهنة على الرأي العام - سلاح الضعفاء- وأخيرا وليس آخرا خطاب نتنياهو وتابعه أوباما قطع قول كل خطيب. انتهت اللعبة – قالها كاتب أمريكي معروف بتعاطفه مع نضال الشعب الفلسطيني بعد (إعادة احتلال الضفة الغربية بعدما كنا على أبواب سنغافورة وهونكونغ).
 
لم نعد مستعدين لتحمل هذا العاروالذل أكثر مما تحملنا. لم نعد نصدق أن مصالحاتكم واجتماعاتكم ومؤتمراتكم من القاهرة إلى موسكو تستهدف مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته. إنها مصالحكم فقط.. هكذا تقول لنا تجربتكم (النضالية).
 
 الوحدة والمصالحة على درب النضال والمقاومة... نعم..أما المصالحة من أجل تقاسم الفساد فلا وألف لا.
 
عليكم أن تلقوا أوسلو في وجه أصحابها "الكيان الصهيوني والغرب"، وأن تزيلوا الغبار عن وجه الاحتلال الحقيقي. عليه أن يتحمل تبعات احتلاله. لماذا يتوجب علينا توفير احتلال خمسة نجوم للكيان الصهيوني؟ لماذا يتوجب علينا أن نستجدي رواتب ونعفى الاحتلال من مسؤولياته عن شعب تحت الاحتلال؟ وهل نصدق أنفسنا بالألقاب التي نتهافت عليها. فالرئيس رئيس شو، والوزير وزير شو، والعميد على شو، واللواء من أجل شو؟ وعلينا أن نعيد القضية إلى سكتها الحقيقة من حيث هي قضية احتلال فلسطين وحقنا في فلسطين ومسؤوليتنا أن نستعيدها بالنضال بكافة أشكاله.
 
عشرون عاما - منذ بداية المفاوضات المباشرة- ونحن نستجدي الاعتراف بعدالة مطالبنا ممن يصادرها وممن يدعم الاحتلال.. هل يعقل أن يطالب شعب تحت الاحتلال القوة المحتلة بالتفضل والاعتراف بعدالة قضيته؟ إلا اذا كانت قيادتنا تشك بعدالة قضية شعبها أصلا!
 
لقد راهنا عشرين عاما على أخلاق الغرب ورؤسائهم، وانتظرنا طيبتهم وأصلهم وفصلهم ولون بشرتهم، وحلمنا طويلا بأنهم سيتلطفون علينا بتصريح ويعترفون بحقوقنا؟! ولكنهم لم يصمدوا أمام قوة اللوبي الصهيوني ساعات وأيام ليلحسوا كلامهم ويتنافسوا فيما بينهم في دعم الكيان. لو قام أعضاء برلمان أي دولة بالتصفيق (واقفين) لرئيس دولة أخرى (حتى العجائز منهم لم يستطيعوا البقاء في مقاعدهم أمام حظوة نتنياهو ) ماذا كنا نسميهم؟ إن رساتهم كانت واضحة: إن جميع الجمهوريين وجميع الديموقراطيين – بدون استثناء- مع لاءات نتنياهو.
 
ولكننا بدلا من الاتعاظ أعطيناهم مباركتنا ووضعنا أوراقنا بين أيديهم، وكل بيضنا في سلتهم لينتزعوا!! لنا حقوقنا من فم التمساح، وضاع عشرون عاما دون جدوى ( اللهم إلا من خسارة الأرض والبشر والحجر) واعترفنا أن المفاوضات عقيمة.. إذا لماذا لا زلتم في مواقعكم؟ هل تريدون إجراء مزيد من التجارب علينا؟ ماذا يفعل الجنرالات الأمريكيون في بيتنا وأجهزتنا وماذا يفعل قاتلوا الاطفال العرب بين ظهرانينا ( بلير) ؟ هل تعلمنا الدروس؟ التجارب تقول إننا لم ولن نتعلم... فالحياة بالنسبة للبعض منا مفاوضات.. فاذا ما أغلق باب التفاوض أغلق باب الرزق.. لذلك يصح القول الآن وبالفم الملآن حلوا السلطة وحلوا عنا.

التعليقات