29/05/2011 - 10:31

منهجية التضليل والتزوير في خطاب الوزير../ جوني منصور

أمام أعضاء الكونجرس الامريكي وقف الوزير الأول نتنياهو عارضا نظريته الخاصة بالسلام الذي تنشده اسرائيل دون غيرها من دول المنطقة. صفّق له أعضاء الكونجرس عشرات المرّات ووقفوا احتراما له على طريقة آبائهم الانجليز في مجلس العموم البريطاني. وظهر لنا هذا المشهد خير دليل على جهل هؤلاء الأعضاء لشخصية نتنياهو وما يحمله من توجهات وأفكار سياسية وعقائدية. فهو تحدث إلى من هم ليسوا بحاجة إلى أي إقناع بخصوص أمن اسرائيل، فأعضاء الكونجرس هم رهينة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مصيرهم مرتبط بقرار أعلى من اللوبي، فإن خرج أحدهم عن السرب تتم تصفيته سياسيا

منهجية التضليل والتزوير في خطاب الوزير../ جوني منصور
أمام أعضاء الكونجرس الامريكي وقف الوزير الأول نتنياهو عارضا نظريته الخاصة بالسلام الذي تنشده اسرائيل دون غيرها من دول المنطقة. صفّق له أعضاء الكونجرس عشرات المرّات ووقفوا احتراما له على طريقة آبائهم الانجليز في مجلس العموم البريطاني. وظهر لنا هذا المشهد خير دليل على جهل هؤلاء الأعضاء لشخصية نتنياهو وما يحمله من توجهات وأفكار سياسية وعقائدية. فهو تحدث إلى من هم ليسوا بحاجة إلى أي إقناع بخصوص أمن اسرائيل، فأعضاء الكونجرس هم رهينة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مصيرهم مرتبط بقرار أعلى من اللوبي، فإن خرج أحدهم عن السرب تتم تصفيته سياسيا.
 
ولكن في تعمق دقيق بما طرحه نتنياهو تظهر مجموعة من الأضاليل والأكاذيب وتزوير الحقائق التاريخية والواقعية. فنتنياهو تبجّح بديمقراطية اسرائيل وخاصة لمواطنيها العرب، باعتبار أنهم يهنأون بها دون العرب في البلاد العربية. ولكن لم يقل لأعضاء الكونجرس أن حكومته قد وضعت نصب عينها تشريع قوانين عنصرية تشترط المواطنة على العرب بالولاء للدولة اليهودية، ولم يقل لهم أن من يبرز تعاطفه في الحد الأدني مع نكبة شعبه يُحرم من حقوق في دولة الديمقراطية. ولم يقل لهم إن تمييزًا فاضحًا يتعرض له المواطنون العرب في مجالات التوظيف والتعليم والعمل والصحة والخدمات، ولم يقل لهم إن حكومته تعمل ليل نهار ودون أن تغفل للحظة في وضع خطط ومشاريع لاقتلاع العرب البدو من أراضيهم في النقب وحصرهم في غيتوات سكنية.
 
 وفي الأمر الثاني الخاص بالسلام فإنه انتهز فرصة ذهبية ليقول للكونجرس إنه رجل سلام ويريد السلام مع الفلسطينيين الذين يعيشون "بيننا". ماذا يقصد بـ "بيننا"؟ يقصد ضيوفا وغرباء. ونسي نتنياهو أن هؤلاء الغرباء هم أصحاب البلاد الأصليون، وأنه هو ومعظم سكان إسرائيل قد جاؤوا من وراء البحر مستوطنين مهاجرين احتلوا أرض أصحاب البلاد الأصليين "الفلسطينيين" وطردوهم وشردوهم وكانوا السبب في نكبة كارثية بهم وبأولادهم وعائلاتهم. هو نتنياهو لم يصرح علنا أمام الكونجرس بوجود أرض فلسطينية، بل قال "يهودا والسامرة". إنها أرض فلسطينية شاء نتنياهو أم أبى.
 
اضاف أمام أعضاء الكونجرس تضليلا آخر وهو أن الرئيس الفلسطيني لا يريد سلاما حقيقيا، إذ أنه إن أراد سلاما حقيقيا مع إسرائيل فعليه (أبو مازن ـ محمود عباس) أن يمزق ورقة المصالحة مع حماس ويوقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل ويعترف بأنها دولة لليهود. هنا لا بد من التوقف قليلا عند هذه النظرة لنتنياهو، حيث أنها تظهره خائفا إلى درجة عالية من المصالحة، لأنه يدرك تمام الإدراك أن هذه المصالحة هي توحيد صفوف الفلسطينيين وانتقالهم مباشرة إلى إدراج خيار آخر غير الخيار السياسي ألا وهو خيار المقاومة ضد الاحتلال. ولكن نتنياهو أخفى عن أعضاء الكونجرس مستمعي أكاذيبه أنه هو وحكومته الذين وضعوا العصي في دواليب ما أطلق عليه باطلا العملية السلمية.
 
مرّت سنتان منذ انتخابه رئيسا للحكومة ولم يدخل في مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية. سار في مسار العملية السلمية من منطلق  تبديد الوقت وتضليل القيادة الفلسطينية في رام الله وإيهامها بأنه يريد التوصل إلى اتفاق معها. وهو نفسه الذي ضلّل المبعوث الامريكي جورج ميتشل على مدار الفترة ذاتها، إلى أن قرر ميتشل بنفسه أو بضغط من الادارة الامريكية أو من اللوبي الصهيوني الاستقالة. وليس صُدفة أن يخرج نائبه يعلون (رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي) بالتصريح التالي: أبو مازن ليس شريكا. أليست ذاتها الكلمات التي قالتها المؤسسة الاسرائيلية أيام شارون عن الرئيس الشهيد ياسر عرفات؟
 
ولكن نتنياهو كان صادقا عندما أعلن بصوت عال أمام الكونجرس أن إسرائيل لن تنسحب إلى حدود 1967، بل إلى حدود يتم تعديلها. ولكنه لم يقل لأعضاء الكونجرس والعالم أنه لا يريد الانسحاب من الضفة الغربية مطلقا، وأنه يريد اقتلاع آخر فلسطيني من الضفة الغربية، وكذلك من غزة.
 
ومن أكاذيبه وأضاليله أنه أوهم أعضاء الكونجرس أن القدس ستبقى موحدة والعاصمة الأبدية للشعب اليهودي ولدولة اسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية ستُعمّق حرية العبادة والوصول إلى دور العبادة كافة في القدس وبحرية مطلقة. ولكن أعضاء الكونجرس مصابون بالعمى والصمم لأنهم لا يعرفون أن إسرائيل تمنع كل عربي مسلم ومسيحي عمره يقل عن 45 عاما من دخول القدس، وخاصة أيام الجمعة والأعياد الكبرى. لم يذكر نتنياهو أن جنود الاحتلال يفحصون هويات كل مسيحي ومسلم فلسطيني يرغب في تأدية واجباته الدينية في أقدس مقدسات الإسلام والمسيحية في العالم. ولم يذكر نتنياهو أن القدس الغربية تنعم بكامل الخدمات، بينما القدس الشرقية (العربية) تعيش في اضطهاد وقمع يومي. ولم يذكر نتنياهو أن سياسته في القدس هي ترحيل سكانها الفلسطينيين وهدم بيوتهم أو مصادرتها لصالح مشروعه الاستعماري الاستيطاني المتغطرس. فالقدس يا أعضاء الكونجرس ليست موحدة وليست عاصمة أبدية لاسرائيل، ولن تكون هكذا مطلقا، فالشعب الفلسطيني كله القدس ولن يتنازل عنها أبدا.
 
والقائمة تطول بالنسبة لنظرية الكذب والأضاليل التي عرضها نتنياهو أمام أعضاء كونجرس موالين بالدم لاسرائيل، فمهما صفقوا له ومهما وقفوا له من المرّات فإن خطاب نتنياهو يعكس رفضه للاعتراف بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه في أرضه، ويرفض الاستمرار في السلام، ويعلن بصريح العبارة أن إسرائيل ماضية في غيها وسعيها إلى تكريس الحرب مع الفلسطينيين والدول العربية. خطاب نتنياهو دليل قاطع على أنه سياسي مأزوم يحمل توجهات ستودي بشعبه وبلده والمنطقة إلى الهاوية.
 
في المُحصلة الأخيرة، فإن خطابه هذا لا يحمل الجديد بالنسبة لما يُسمى بـ "العملية السلمية" التي لاقت حتفها من مدّة، وفي الوقت ذاته لا يحمل مشروعا سياسيا أو برنامجا فيه قوة جذب للمفاوض الفلسطيني والعربي.   
 
خطاب نتنياهو بما تضمنه من أكاذيب وأضاليل ومواقف يجب أن يدفع القيادات السياسية العربية من رسمية وشعبية، وخاصة القيادات الفلسطينية إلى وضع استراتيجية لمواجهة مضامين وتوجهات هذا الخطاب.
 
لا يمكن للدول العربية بعد هذا الخطاب أن تلاين وتساير وتخضع لإملاءات إسرائيل والإدارة الامريكية، فالشارع العربي في حالة ثورة في عدد من البلاد العربية، وفي حالة غليان وتمهيد لثورات أخرى في بلاد عربية أخرى. ولهذا، أزفت الساعة إلى أن يقوم العرب بمبادرة استراتيجية لمواجهة التعنت الإسرائيلي ورفض كل مبادرة سلام عربية أو غيرها.
 
وهل يتحرك الداخل الاسرائيلي لمواجهة هذا الخطاب؟ لا شك في أن خطابا كهذا فيه عبارت ديماغوغية ومجموعة كبيرة من الأضاليل ترفع من نسبة مؤيديه بين اليمين المتطرف في إسرائيل، إلا أن نسبة ضئيلة من أصحاب القلم والصوت في إسرائيل بدأت تكثف من هجماتها الإعلامية على نتنياهو متهمة إياه بضيق الأفق وسيره نحو الهاوية. يبقى السؤال هنا وفي هذا السياق هل تنجح هذه المجموعة في التأثير على الرأي العام وإحداث تغيير في التوازنات في إسرائيل!

التعليقات