03/06/2011 - 13:14

الإعلام العبريّ: صحافة نص كم وسخافة دوت كوم../ زهير أندراوس

مع انتقال الدولة العبريّة من مرحلة العنصريّة إلى مرحلة ما قبل الفاشيّة، يُمارس هذا الإعلام وظيفته على أحسن حال، ويُحاول تسويق القوانين العنصريّة ضدّ عرب الداخل والجرائم المقززة ضدّ الفلسطينيين في المناطق المحتلة على أنّها حاجة أمنيّة من الدرجة الأولى

الإعلام العبريّ: صحافة نص كم وسخافة دوت كوم../ زهير أندراوس
نُقّر ونعترف بأنّ الصحافة الإسرائيليّة باللغة العبريّة، مقارنةً بنظيرتها العربيّة في الداخل الفلسطينيّ، متفوقة وفق كل المعايير المهنيّة والاقتصاديّة، ولكن إذا حاولنا إيجاد الفروق بين الصحافة العبريّة والصحافة الغربيّة، نتوصل مباشرةً إلى نتيجةٍ مفادها أنّ البون شاسع، وهذا الأمر نابعُ في ما هو نابعُ من أنّ الغرب يعيش الديمقراطيّة الحقيقيّة، وتنعكس هذه الحالة على وسائل الإعلام، أمّا في الدولة العبريّة، فإنّ الديمقراطيّة محدودة الضمان، ونتيجة لذلك، فإنّ الصحافة العبريّة تُناور ضمن هذا الحيّز، وبالتالي تفقد الكثير من مصداقيتها.
 
 ويتجلّى هذا الأمر بدون رتوشٍ عندما يتعلق الأمر بما يُطلق عليه في دولة الاحتلال: الأمن، فإسرائيل هي "الديمقراطيّة الوحيدة في العالم"، التي ما زالت تُطبّق أنظمة الطوارئ على كل مناحي الحياة، وهي "الديمقراطيّة" اليتيمة التي ما زالت الرقابة العسكريّة تعمل بدون كللٍ أوْ مللٍ لمنع الجمهور من الاطلاع على ما يجري، وبذلك تُصادر عن سبق الإصرار والترصد، حق الإنسان، أوْ المواطن في المعرفة، وهو حق أساسيّ ومفصليّ في أيّ دولة ديمقراطيّة، فحتى اليوم لم نسمع عن دولةٍ تمنع النشر عن السجن السريّ، كما هو الحال في هذه الدولة، علاوة على ذلك، لم ينم إلى مسامعنا أنّ دولة غربيّة تمنع أعضاء البرلمان، الذين تمّ انتخابهم من قبل الشعب، تمنعهم من زيارة السجن، كما تفعل إسرائيل، التي ترفض السماح لأعضاء الكنيست بالدخول لزيارة السجن السريّ، كما أنّ الصحافة العبريّة، لا تقيم الدنيا ولا تُقعدها من أجل وقف هذه المهزلة، الأمر الذي يقطع الشك باليقين، بأنّ صحافتهم حددت لنفسها معايير لا يمكن اجتيازها، فالأمن في إسرائيل هو بقرة مقدّسة.
 
وقبل سبر أغوار هذه الظاهرة، لا بدّ من التوقف قليلاُ عند خطاب الأكاذيب والألاعيب من طراز الديماغوغيّة الرخيصة، الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس الأمريكيّ. الإعلام العبريّ على مختلف مشاربه ناقش الخطاب من الألف حتى الياء، وجنّد المحللين والمتأمركين والسفراء السابقين واللاحقين لتحليله، وهذا من حقه، ولكنّ الإعلام عينه لم يجد من المناسب التطرق إلى أنّ رئيس الوزراء سجّل بدعةً يندى لها الجبين، تخص العرب في الداخل الفلسطينيّ، عندما قال، دون أنْ يرف له رمش، إنّ العرب في إسرائيل هم الوحيدون الذين ينعمون بالديمقراطيّة. بطبيعة الحال، فإنّ هذا التصريح الذي لا يمت إلى الواقع الحقيقيّ بصلةٍ، لا ينطلي علينا، ولا غضاضة في هذه العجالة تذكير نتنياهو بمقولته الشهيرة: العرب في إسرائيل هم قنبلة ديمغرافيّة موقوتة، وباستطاعة إسرائيل حل المشكلة مع العرب في الضفة والقطاع، ولكنّ الطامة الكبرى، والكلام لرئيس الوزراء، هم "عرب إسرائيل"، على حد تعبيره.
 
والشيء بالشيء يُذكر: رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) المنتهية ولايته، يوفال ديسكين، وهو بالمناسبة يتبع مباشرة لرئيس الوزراء، كان قد صرح أمام لجنة رؤساء التحرير، التي لا تشمل العرب بطبيعة الحال، بأنّ الجهاز سيقوم بمراقبة العرب الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يرفضون الاعتراف بدولة الاحتلال بأنّها دولة يهوديّة وديمقراطيّة، وللتاريخ نُسجّل لديسكين ولمن سبقه ولمن خلفه ولمن سيخلف خلفه أنّ المؤرخ الصهيونيّ، هيلل كوهين، في كتابه (العرب الجيّدون) أكد على أنّ الشاباك لم يتمكن في الماضي من ترويض عرب الداخل، ولم ينجح على الرغم من مساعيه الحثيثة وأساليبه الخبيثة وحملات التخويف والترويع من تحويل الفلسطينيين في الدولة العبريّة إلى عربٍ مشوهين وطنيًا وأخلاقيًا وفكريًا، أوْ ما اصطلحنا على تسميته أسرلتهم، فنحن هنا في الداخل، كنّا وما زلنا وسنبقى نتكلم لغة الضاد وننتمي إلى الأمّة العربيّة، ونتنفس فلسطتنتنا، وليس فقط من إيماننا المطلق بأنّ منْ نسي أصله، فلا أصل له.
 
وعود على بدء: صحيفة (يديعوت أحرونوت)، التي تُطلق على نفسها اسم "صحيفة الدولة"، خصصت في عددها الصادر يوم الجمعة (27.05.2011) سبع صفحات في ملحقها الأسبوعي لاطلاع القارئ، هكذا كتبوا، على ديسكين الذي لم يعرفه. والمخجل وحتى المخزي أنّ الصحافيّ، رونين بيرغمان، المقرب جدًا من المنظومة الأمنيّة، والذي أعدّ التقرير أكد على أنّ رئيس الشاباك لم يوافق على الإدلاء بحديث للصحيفة، ولكن بالمقابل لم يُبلغنا كيف حصل السيّد بيرغمان، على صور من الألبوم العائلي لديسكين؟
 
على أيّة حال، اضطررت من منطق مكرهًا أخاك لا بطل، أنً أُعاقب نفسي وأقرأ التقرير، الذي يُمكن تأطيره في خانة النفاق غير المحدود، ومع أنّه لا يصلح حتى لسيناريو فليم هندي، لا يموت فيه البطل، نرى من واجبنا التنبيه إلى خطورته، فالصحافيّ حاول من خلال كتابته غير الشيّقة رسم شخصيّة أسطوريّة لأحد رجالات الأمن الخارقين الذين عرفتهم إسرائيل منذ قيامها، على حد تعبيره. وعندما ذكرنا التنبيه قصدنا تنبيه القارئ العربيّ من الوقوع في شرك صحافة النص كم وسخافة الدوت كوم، التقرير برمته هو محاولة بائسة ويائسة ومفضوحة لتعبيد الطريق أمام البطل المغوار ديسكين، لدخول عالم السياسة، لأنّه، كما قال أحد الأصدقاء، يتحتم على ديسكين مواصلة مشواره في خدمة "الوطن".
 
لا يعنينا بالمرّة ماذا يُخطط رئيس الشاباك السابق، ولكن لن نستغرب إذا تحوّل إلى "يساريّ" من الطراز الإسرائيليّ القديم الجديد، ما يهمنا في هذا السياق هو أنّ الأسطورة، أيْ ديسكين، كان الأب الروحيّ لأكبر فشلٍ مخابراتي عرفته الدولة العبريّة في تاريخها، فقد أنهى خدمته ولم يتمكن من إعادة الجنديّ الإسرائيليّ المأسور لدى المقاومة في قطاع غزة، غلعاد شاليط، لا بل أكثر من ذلك، ديسكين أصّر على رفض المقترحات التي تمّ تقديمها لأركان الدولة العبريّة عبر الوسيط الألمانيّ، غيرهارد كونراد، بهدف إخراج صفقة تبادل الأسرى مع حماس إلى حيّز التنفيذ، لأنّه لا يؤيد إطلاق سراح فلسطينيين "أياديهم ملطخة بدماء الإسرائيليين".
 
ما نعرفه أنّ الدم هو دم، ولا فرق بين دم اليهوديّ عن العربيّ، ولماذا نقول ذلك؟ لأنّ التقرير عن ديسكين في "صحيفة الدولة" أبرز بشكلٍ لافتٍ للغاية أنّ رئيس الشاباك هو الذي ابتكر أسلوب التصفية الممركزة للنشطاء الفلسطينيين، والاغتيال بهذه الطريقة، بحسب القانون الدوليّ والمعاهدات والمواثيق التي تُعنى بحقوق الإنسان هو جريمة نكراء، هو القتل العمد عن سبق الإصرار والترصد دون محاكمة. ونقترح على السيّد ديسكين أنْ يسأل سابقه في المنصب، آفي ديختر، كيف أنّه لم يتجرأ على زيارة إسبانيا في شهر أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي خشية اعتقاله بتهم ارتكاب جرائم حرب ضدّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ الذي يئن تحت نير الاحتلال، كما نقترح عليه أنْ يسأل وزارة الخارجيّة الليبرمانيّة كيف رفضت إسبانيا منح حصانة لديختر بعدم اعتقاله، والسبب في ذلك يعود مرّة أخرى إلى كون إسبانيا دولة ديمقراطيّة بحقٍ وحقيقةٍ، لكونها دولة تحترم نفسها ولا تسمح لكائن من كان أنْ يُدخل السياسة إلى الجهاز القضائيّ.
 
هنا يا سيداتي مربط الفرس، وهنا يا سادتي بيت القصيد: في أوروبا المجرم يُعاقب، أمّا في إسرائيل فإنّ المجرم يتحوّل بقدرة غير قادرٍ إلى بطلٍ من الأساطير، وهذا ليس غريبًا على هذه الدولة التي تجلد يوميًا الشعب الفلسطينيّ، وتحاول أنْ تُقدّم نفسها للعالم بأنّها الضحيّة، كما فعل نتنياهو في الكونغرس.
 
الإعلام العبريّ في "واحة الديمقراطيّة"، إسرائيل المزروعة في صحراء الديكتاتوريّات العربيّة، يواصل تطوعه لصالح ما يُطلق عليه في دولتهم الإجماع القوميّ الصهيونيّ، ويتحوّل في زمن الحرب والسلم على حدٍ سواء، إلى ماكينة لغسل الدماء والتحريض على الناطقين بالضاد، وعلى كل منْ يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وفي الفترة الأخيرة، مع انتقال الدولة العبريّة من مرحلة العنصريّة إلى مرحلة ما قبل الفاشيّة، يُمارس هذا الإعلام وظيفته على أحسن حال، ويُحاول تسويق القوانين العنصريّة ضدّ عرب الداخل والجرائم المقززة ضدّ الفلسطينيين في المناطق المحتلة على أنّها حاجة أمنيّة من الدرجة الأولى.

التعليقات