03/06/2011 - 16:06

سنة على مرمرة../ حنين زعبي

لم تكن "قافلة الحرية" مرمرة، أقل من نشاط سياسي يكسر، وعلى المستوى الدولي، حاجز الخنوع للسياسات الإسرائيلية ويفرض نفسه كأداء سياسي جديد، كما ويعرض لأدوات جديدة في العمل السياسي

سنة على مرمرة../ حنين زعبي
مستوى جديد من النضال السياسي
 
 
لم تكن "قافلة الحرية" مرمرة، أقل من نشاط سياسي يكسر، وعلى المستوى الدولي، حاجز الخنوع للسياسات الإسرائيلية ويفرض نفسه كأداء سياسي جديد، كما ويعرض لأدوات جديدة في العمل السياسي. 
 
وهنا علينا أن نعترف أن الحصار فشل –دون أن ينتهي بالضرورة – قبل قافلة الحرية، فالحصار لم يحقق أهدافه، ولم يستطع الاحتلال فرض شروطه السياسية لا على أهل غزة ولا على سلطتها.  
ولن تنجح محاولات ثني الأسطول القادم عن مساعيه، فحجة أن "هنالك مسارات لتقديم المساعدات الإنسانية" هي حجج واهية، لأن القافلة لم تكن مجرد قافلة إنسانية، بل إنها لم تكن بأقل من عملية عصيان سياسي يتحدى سياسات غير إنسانية، غير شرعية وغير قانونية.  
 
وإذا قلنا قبل سنة إن الفخر والإنجاز الذي حققته قافلة الحرية، يكشفان بؤس الواقع العربي العام، الذي لم يستطع إطلاق "مرمرته"، والذي قبل على نفسه التغني بمبادرة متواضعة وعظيمة في نفس الوقت لأفراد خرجوا على الأغلب رغم أنف أنظمتهم، فإننا ولحسن حظنا سنة بعد "مرمرة" يكتشف العالم العربي، أو بالأحرى، وحتى الآن، الإنسان العربي، طاقاته التي فجرت نوعا شبيها من العصيان السياسي على الواقع المفروض إسرائيليا، ممثلا بـ"قوافل حرية" 15 أيار، قوافل العودة.
 
إذا  "قافلة الحرية" نجحت كنشاط عصيان سياسي في أيار 2010، عندما فجرت موضوع حصار غزة في وجه محاصريها، وفي وجه المتآمرين على الحصار، و"قافلة الحرية" نجحت كنموذج لعصيان سياسي في أيار 2011.
 
وكل ما تسميه إسرائيل "استفزازا" دون أن تستطيع أن تسميه "إرهابا"، هو ما يقع في منطقة العمل السياسي العصي على المواجهة الإسرائيلية، والعصي في نفس الوقت على إخراجه من الشرعية السياسية.  
 
المطلوب هو توسيع ترجمات "قافلة الحرية" كعصيان سياسي، خارج وداخل الحدود الإسرائيلية، ليتحول داخلها إلى نوع من العصيان المدني، الذي يتحدى قوانين عنصرية معينة، والذي يتحدى سياسات عنصرية.
 
وهنالك نماذج من هذا العصيان، طرحها الواقع الإسرائيلي مؤخرا، مثل العصيان المدني الذي أعلنه التجمع ضد قانون "النكبة"، إعادة بناء العراقيب مرة تلو الأخرى، العصيان المدني الذي أعلنته بعض منظمات اليسار فيما يتعلق بقانون رقابة تمويل الجمعيات ولجنة التحقيق مع الجمعيات، العصيان المدني الذي أعلنته بعض منظمات اليسار غير الصهيوني فيما يتعلق بقانون مقاطعة إسرائيل، منظمة "لن نطيع" اليسارية، والتي أعلنت أنها لن تنصاع للقوانين والتوجيهات الإسرائيلية التي تعيق حركة الفلسطينيين من الضفة والقطاع إلى داخل إسرائيل.  
 
أما فيما يتعلق بسياسات رفض الاحتلال في الضفة الغربية، فلم يطور النضال الفلسطيني إلى جانب الانتفاضات الشعبية الشاملة، أي نوع من "عصيان الاحتلال"، وتبقى المظاهرات السياسية في بلعين ونعلين، نوع المواجهة الوحيد مع الاحتلال، ويتم التعامل معه على مستوى السياسات الفلسطينية الرسمية كمحاولة تنفيس لغضب الشارع، وتحويل النضال إلى تعبير "رمزي" ما، إلى جانب حصره في مواقع ريفية بعيدة عن المدن الفلسطينية الكبرى، التي تستطيع حمل وتوسيع وتطوير هذا النوع من النضال.
 
ويبدو جليا أن أداء السلطة الفلسطينية وسياستها يقفان كعائق مركزي ليس فقط أمام انتفاضة شعبية ثالثة، تستلهم نموذج "ميدان التحرير"، بل أيضا أمام تطوير سبل نضالية أخرى تستلهم التحرير بقوافله وميادينه.
 
والكارثة فلسطينيا، هي ليس في أن الساحة الفلسطينية تبدو وكأنها معزولة عن روح العصر، المحددة عربيا، بل في أن نفسية الفلسطيني تبدو معزولة عن روح العصر، ومحكمة الأسر في النهج اللانضالي واللاسياسي، فخطورة التصريحات الفلسطينية فيما يتعلق بالانتفاضة كشكل من أشكال النضال الشعبي، لا تتوقف فقط على مضمون هذه التصريحات، بل أيضا على حقيقة أنها لا تبدو خائفة من العواقب السياسية لمثل هذه التصريحات، وأظنها مخطئة في استهتارها هذا.
 
بالتالي كان من خرج لإدانة تصريحات بان كي مون لمحاولاته المتعلقة بعرقلة خروج سفن قافلة الحرية القادمة، هو الحراك الشبابي الفلسطيني، الذي أشار إلى هذه المحاولات في سياق تراجع دور الأمم المتحدة واحترامها لمسؤولياتها الدولية. وقد طالب الحراك بان كي مون بالتراجع وتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، بل وباعتباره شخصية غير مؤهلة لشغل منصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة،  كما طالب الأمم المتحدة بالانسحاب الفوري من الرباعية الدولية.
 
نحن على أعتاب "أسطول الحرية الثاني"، مرمرة تعود أكثر قوة وبعد ترميمات وعمليات تجميل، جعلتها على ما يبدو أكثر راحة. لقد ودع النشطاء القافلة السابقة، بعد أن شهدوا معركة سقط فيها تسعة شهداء، -خمسة منهم على مرأى منا- بجملة "نلتقي في الأسطول القادم" ... وها هم يعودون.  

التعليقات