09/06/2011 - 13:43

مصر، فلسطين، إسرائيل والمعبر../ ماجد عزام

تحمل خطوة فتح معبر رفح، بشكل دائم،في طيّاتها العديد من الدلالات المعبّرة عن الزمن المصري الجديد، عن الزمن الفلسطيني الجديد، وحتى عن الزمن الإقليمي الجديد، الذي تبدو إسرائيل فيه معزولة، فاقدة القدرة على فرض إرادتها ورؤاها وتصوّراتها، كما تحمل الخطوة في السياق أيضاً أبعاداً إنسانية وسياسية واستراتيجية تتعلّق بالصراع في فلسطين والمنطقة..

مصر، فلسطين، إسرائيل والمعبر../ ماجد عزام
تحمل خطوة فتح معبر رفح، بشكل دائم،في طيّاتها العديد من الدلالات المعبّرة عن الزمن المصري الجديد، عن الزمن الفلسطيني الجديد، وحتى عن الزمن الإقليمي الجديد، الذي تبدو إسرائيل فيه معزولة، فاقدة القدرة على فرض إرادتها ورؤاها وتصوّراتها، كما تحمل الخطوة في السياق أيضاً أبعاداً إنسانية وسياسية واستراتيجية تتعلّق بالصراع في فلسطين والمنطقة..
 
إغلاق المعبر وحصار غزة كانا بمثابة جريمة ضد الإنسانية، ويتناقضان مع المواثيق والشرائع الدولية، وما كان على مصر المشاركة في هذا العمل المشين بأي حال من الأحوال، حسب تعبير السيد نبيل العربي.
 
سقوط النظام البائد أتاح المجال لوصول قيادة وطنية تنصت إلى الرأي العام، وتعمل على تلبية حاجاته وطلباته، وبالتالي وقف المشاركة في الحصار- الجريمة، واتخاذ قرار فتح المعبر بشكل نهائي ودائم. وهو مطلب شعبي وجماهيري مصري بامتياز، وكان على رأس الأجندة الوطنية، كما عبّرت عنها ثورة 25 يناير بنبل وسموّ وإبداع.
 
القرار المصري يحمل في طيّاته أيضاً إشارة لافتة وذات مغزى إلى السياسة الخارجية المصرية في حلّتها الجديدة، القائمة على تحقيق المصالح الوطنية والقومية بدلاً من تلك القديمة القائمة على الارتجال والعشوائية وردود الأفعال والارتهان للعائلة الحاكمة ومصالحها الضيّقة. وهي تعتبر القضية الفلسطينية والدفاع عن الشعب الفلسطيني ومصالحه جزءاً مركزياً منها، كما من الأمن القومي والمصالح المصرية بمعناها الشامل والواسع.
 
السياسة الخارجية المصرية الجديدة نقضت فكرة أن التحالف السياسي -الأمني مع إسرائيل يعتبر بمثابة ركن أساسي وجوهري فيها، كما كان الحال مع النظام السابق. اتخاذ قرار فتح المعبر دون إبلاغ إسرائيل حتى، واعتبار الأمر شأناً مصرياً فلسطينياً مشتركاً لا علاقة للدولة العبرية به يدلّل بوضوح إلى جوهر السياسة الخارجية الجديدة، التي لا تتمتّع فيها إسرائيل بأي وضع أو مكان استثنائي.
 
أما الحديث عن ضمانات بتشغيل المعبر وفق معايير أمنية ومنظوماتية عالية وشفافة ونزيهة فله علاقة بفهم القيادة المصرية لمصالحها وتحدّياتها، كما يأتي في سياق نيل الدعم الدولي الغربي-الأوروبي الأساسي للخطوة، كما لمجمل التحرّكات المصرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والسلام والاستقرار في المنطقة.
 
البعد الإسرائيلي في القرار المصري، أو بالأحرى تجاهل إسرائيل من قبل القاهرة، يعبّر في سياقه العام والإستراتيجي عن العزلة التي تعانيها تل أبيب في المنطقة، وافتقادها إلى حليف جدّي وموثوق يمكن أن تخوض معه نقاشاً متعدّد الأبعاد والمستويات، كما كان الحال مع النظام المصري السابق، وحتى مع تركيا منذ ثلاث سنوات، وإيران منذ ثلاثة عقود تقريباً.
 
إسرائيل معزولة الآن إقليمياً ودولياً. هي في الحضيضتماماً، كما قالت غابرئيلا شاليف، مندوبتها السابقة في الأمم المتحدة. وهذا معطى مهمّ ينبغي استثماره فلسطينياً وعربياً، وحتى دولياً، لتشديد الضغوط عليها وإجبارها على الانصياع للشرعية والمواثيق الدولية، أو مواجهة العزلة والقطيعة وصولاً إلى العقوبات، تماماً كما كان الحال مع نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
 
لا يمكن فصل قرار فتح المعبر عن عملية المصالحة الفلسطينية، بل هو مفصل مركزي ومهمّ فيها، وهو يقدّم فكرة واضحة عن مصداقية وجدّية مصر في رعاية المصالحة والسهر عليها وإنجاحها، ما قد يؤدي إلى جدية فلسطينية مقابلة، ورغبة صادقة في إنهاء الانقسام الذي أثّر سلبياً على المصالح الفلسطينية، وحتى على المشروع الوطني بشكل عام. وفي وجوده (الانقسام)، لن يكون بالإمكان الحصول على دعم عربي ودولي من أجل تحقيق الآمال الوطنية والفلسطينية المشروعة.
 
في الأخير، وباختصار، يفترض أننا أمام زمن فلسطيني جديد، زمن عربي جديد، وحتى عالمي جديد، يحترم إرادة الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد مستقبلها، ولا مكان فيه لجريمة ضد الإنسانية بحجم جريمة حصار قطاع غزة وإغلاق المعبر الوحيد الذي يصل أهله بالعالم، ووقف هذه الجريمة خطوة مهمّة وضرورية نحو وقف الجريمة الأساس أي الاحتلال.

التعليقات