13/06/2011 - 12:16

أمامنا خياران.. تركي وعراقي../ ماجد عزام

اختارت الجماهير العربية النموذج التركي في الحقيقة وانحازت إليه؛ بحثاً عن الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة في الداخل والخارج، واختار النظام الليبي وأنظمة أخرى نموذج صدام حسين العراقي

أمامنا خياران.. تركي وعراقي../ ماجد عزام
مع اندلاع الثورات العربية وانتقالها من ميدان تحرير إلى آخر، بدا أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع لرغبات الجماهير في إسقاط النظام، ومن ثم اتباع الخيار أو النموذج التركي، كما تبدّى خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. وهو ما تمّ فعلاً في مصر وتونس، أو استخدام العنف والقتل وارتكاب المجازر ضد المتظاهرين، والانحياز بالتالي للخيار أو النموذج العراقي، كما تبدّى في العشرية الأخيرة من القرن العشرين. وهو ما تمّ تبنّيه فعلاً من قبل النظام الليبي ومن أنظمة عربية أخرى أيضاً.
 
بتفصيل أكثر، يعني النموذج أو الخيار التركي بدء مسيرة تأسيس الدولة المدنية الحديثة العادلة، دولة المساواة والشفافية وسيادة القانون، والخوض في نقاش ديموقراطي دستوري قانوني وعلني حول منع أو تحجيم دور العسكر والأجهزة الأمنية في الحياة السياسية، وطبيعة مشاركة الإسلاميين في السلطة، والمحدّدات الدستورية والسياسية للتوجّهات الرئيسية للدولة في الداخل والخارج. جدل-بالتي هي أحسن طبعاً- حول الأمن القومي وثوابته وركائزه، ووسائل الدفاع عنه وحمايته. باختصار، السعي إلى عقد اجتماعي جديد، وصولاً إلى تعديل جدي للدستور، وحتى مقاربة فكرة صوغ دستور جديد يتلاءم مع التغيّرات المحلية والإقليمية والدولية.
 
استخدام كلمة سيرورة يعود إلى أن المعطيات السالفة الذكر استمرت طوال العشرية السابقة، ومثلاً فقد تمّ الاستفتاء على تعديل الدستور الخريف الماضي، وبعدها بقليل جرى الإعلان عن الوثيقة الجديدة للأمن القومي والتي تمّ حذف إيران وسورية وحتى اليونان من خانة الأعداء فيها، كما تمّ الذهاب إلى انتخابات عامة 3 مرات. ويفترض أن تحدّد نتيجة الثالثة طبيعة المرحلة القادمة، وربما تعجّل من آلية صياغة دستور جديد بالكامل، وحتى من نقاش أكثر شجاعة وصراحة وعدلاً تجاه كيفية حلّ المسألة الكردية في تركيا.
 
مصر –وربما تونس أيضاً- تتّجه نحو عشرية شبيهة تماماً بالعشرية التركية سالفة الذكر، ولكن بعدما اختارت بشكل منهجي، وعن سبق إصرار،النموذج أو الخيار التركي. نجحت الثورة في إسقاط النظام، وانحاز الجيش إلى جانب الشعب والجماهير الثائرة ومطالبها المحقة، وأعلن بصراحة ووضوح أنه سيقود مرحلة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية العام الحالي. وهذه الأخيرة لن تنهي بأي حال من الأحوال المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط النظام، بل ستؤسس لمرحلة جديدة يفترض أن تشهد انتخاب لجنة لكتابة دستور دائم، ومن ثم الاستفتاء عليه. علماً أن ثمّة آراء تطالب بتغيير النظام بالكامل، واتباع النظام البرلماني، ما يعني احتمال الذهاب إلى انتخابات برلمانية أخرى، وربما رئاسية أيضاً، وهي ستشهد كذلك نقاشات مفتوحة وعلنية حول مختلف القضايا والملفات من التوجّهات والسياسات الاقتصادية والتنموية ووسائل وآليات مكافحة الفساد، إلى الفتنة الطائفية وكيفية مواجهتها ودور الإسلاميين، خصوصاً الإخوان في المنظومة السياسية، وصولاً إلى معاهدة السلام مع اسرائيل واتفاقية الغاز والسياسات الخارجية، إن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو القضايا الإقليمية الأخرى من السودان إلى الصومال واليمن، مروراً بالعراق والخليج العربي.
 
الخيار الآخر هو النموذج العراقي، نموذج صدام حسين، كما تبدّى في العشرية الأخيرة من القرن العشرين، والذي يكاد يتبنّاه بالكامل العقيد القذافي، كما أنظمة عربية أخرى. للأسف، نموذج قتل المعارضين والمتظاهرين، وصولاً إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحقهم. نموذج الحظر الجوي والاقتتال الأهلي، وحتى الفوضى، وانهيار الدولة وضياع مقدّراتها وثرواتها في الداخل، أما في الخارج فالعقوبات والحصار والعزلة الإقليمية والدولية، والافتقار إلى الأصدقاء والحلفاء، بل خسرانهم، واحداً بعد الآخر. والنتيجة النهائية، انهيار البلد بشكل تام، وصولاً إلى الاحتلال أو التقسيم علنياً كان أم مستتراً.
 
في نهاية العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، تحوّلت تركيا إلى قوة اقتصادية إقليمية، وحتى دولية، صاحبة وزن وتأثير ونفوذ في المنطقة، وصاحبة رأي مركزي في كيفية مقاربة مشاكلها ووضع الحلول لها. وفي نهاية العشرية الأخيرة من القرن العشرين، فقدنا العراق نهائياً كقوة إقليمية مؤثّرة وذات نفوذ، وحتى مصير البلد كله بات على المحك في ظلّ الاحتلال، وحكم الصدّاميين الصغار والانقسام السياسي والطائفي والجغرافي المستتر حيناً والعلني أحياناً أخرى.
 

اختارت الجماهير العربية النموذج التركي في الحقيقة وانحازت إليه؛ بحثاً عن الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة في الداخل والخارج، واختار النظام الليبي وأنظمة أخرى نموذج صدام حسين العراقي. والفرق بينهما جدّ شاسع، هو نفسه الفرق السياسي والاقتصادي والاستراتيجي الحالي بين تركيا والعراق، مع الانتباه إلى نقطة جدّ مهمّة إيضاً: الإيغال في الدم، والمجازروالنموذج العراقي يعني الابتعاد عن، وصعوبة وربما استحالة، العودة فيما بعد إلى النموذج الأصوب والأنسب أي النموذج التركي.

التعليقات