23/06/2011 - 09:52

من الـ ناتو وحتى الـ نتنــــ ياهو!../ زهير أندراوس

قبل ثلاث سنوات، وتحديدًا في تموز (يوليو) من العام 2008، أصدر ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضدّ الرئيس السودانيّ عمر البشير بتهمة تدبير حملة إبادة جماعيّة في دارفور أودت بحياة 35 ألف شخص وتسببت في اضطهاد 2.5 مليون لاجئ، ناهيك عن أعمال الاغتصاب الجماعيّ التي نُفذت ضدّ نساء وفتيات

من الـ ناتو وحتى الـ نتنــــ ياهو!../ زهير أندراوس
قبل ثلاث سنوات، وتحديدًا في تموز (يوليو) من العام 2008، أصدر ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضدّ الرئيس السودانيّ عمر البشير بتهمة تدبير حملة إبادة جماعيّة في دارفور أودت بحياة 35 ألف شخص وتسببت في اضطهاد 2.5 مليون لاجئ، ناهيك عن أعمال الاغتصاب الجماعيّ التي نُفذت ضدّ نساء وفتيات.
 
 وفور إصدار أمر الاعتقال، أقام النظام العربيّ الرسميّ الدنيا ولم يُقعدها: وزراء الخارجية العرب، وفي اجتماع طارئ، أصدروا قرارًا أكدوا فيه عدم قبولهم لما وصفوه بالموقف غير المتوازن للمدّعي العام، وشددوا على تضامنهم مع السودان في مواجهة أيّ مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره، كما أشاروا إلى أهلية القضاء السوداني لافتين إلى أنّه صاحب الولاية الأصليّة في تطبيق العدالة.
 
***
 
نسوق هذه المقدّمة على وقع التدخلات الأجنبيّة والاستعدادات للتدخلات الغربيّة في ما يجري داخل عددٍ من الدول العربيّة، ولكن قبل ذلك، علينا أنْ نُنوه إلى أنّ القرار ضدّ الرئيس البشير لم يُنفذ، ولكن النظام الرسميّ العربيّ نفسه، الذي تجنّد لإجهاض قرار محكمة لاهاي، "غيّر قبعه ولحق بربعه"، فبعد اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير في ليبيا، عقدت جامعة الدول العربيّة، وهي جسم هلامي لا يحل ولا يربط، اجتماعًا، وقرر العربان التوجه إلى مجلس الأمن الدوليّ طالبين، التدخل لمنع الطاغية من طرابلس، أوْ نيرون ليبيا، معمر القذافي، من تنفيذ المجازر بحق الأبرياء العزّل، ولم نفهم حتى اليوم لماذا لم يُقرر العرب، مثلاً، إرسال جيوشهم إلى الجماهيريّة لمنع مذابح الأبرياء.
 
 وفي هذا السياق، لا بدّ من التأكيد على أنّه في العدوان الثلاثيني الذي شنته أمريكا على العراق، الذي كان يحكمه صدّام حسين، شاركت الجيوش العربيّة في تنفيذ العدوان، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا يتهافت العرب على تنفيذ طلبات رأس حربة الإمبرياليّة في العالم، أمريكا، وعندما يتعلق الأمر بقضيّة عربيّة، مثل ليبيا، يلجئون إلى مجلس الأمن الدوليّ، لاتخاذ قرارٍ بالتدخل العسكريّ تحت غطاء حماية المدنيين؟
 
***
 
مضافًا إلى ذلك، فالدول العربيّة من محيطها إلى خليجها، وقعّت على اتفاقية دفاعٍ مشتركٍ، بموجبها أيّ اعتداء تتعرض له دولة عربيّة هو بمثابة عدوان على جميع الدول العربيّة، ولكنّ هذه الاتفاقيّة، كما أثبت لنا التاريخ، لا تساوي الحبر الذي كُتبت عليه: الدول العربيّة لم تتدّخل لصدّ الاعتداءات الإسرائيليّة المتكررة على دولٍ عربيّة، والشعب الفلسطينيّ في المناطق المحتلّة، واكتفت ببيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض الشديد، وهذه البيانات التي تحوّلت إلى الماركة السياسيّة للدول العربيّة، أكدت على مدى العجز والذل والهوان الرسميّ العربيّ، وقطعت الشك باليقين بأنّ الأنظمة العربيّة هي في أحسن الأحوال نمر من ورق، مع الاعتذار لجميع الحيوانات الأليفة والكاسرة.
 
***
 
مع تفاقم الحرب الأهليّة في ليبيا بين الطاغيّة القذافي وبين الثوار، تحوّل التدّخل الأجنبي بفتاوى عربيّة وغربيّة من حرامٍ إلى حلالٍ، أمريكا قُصفت ليبيا بصواريخ من طراز (كروز) وقتلت المئات من المدنيين "دفاعًا" عن المدنيين، حلف الناتو، الذي تجنّد للذود عن مواطني ليبيا بات حليفًا إستراتيجيًا لثوار ليبيا، ولم نسمع من العرب مناشدةً أوْ طلبًا من الثوار بوقف حمام الدماء، ولم نسمع منهم شيئًا بعد أنْ كشف الأمين العام للأمم المتحدّة، بان غي مون، بأنّ الثوار وكتائب القذافي، على حدٍ سواء، ارتكبوا ويرتكبون المجازر.
 
***
 
ولكي نوّضح موقفنا نقول وبفم مليء: منذ اللحظة الأولى أعلنا تأييدنا غير المشروط للثورة الليبيّة، وكتبنا الكثير عن عمليات الإجرام التي يقوم بها القذافي وأولاده، هذا الزعيم الذي حوّل ليبيا إلى مزرعة خاصة به، وحرف مسارها عن العروبة والإسلام وبات يُسمي نفسه، وهذا أحد الألقاب، بملك ملوك إفريقيا، ولكن مواكبة الأحداث الجاريّة في الجماهيريّة تقودنا إلى التفكير مرّة أخرى بحيثيات الثورة الليبيّة، وعلينا التسجيل هنا للتاريخ أنّ المدعو توني بلير، مبعوث الرباعيّة الدوليّة إلى منطقة الشرق الأوسط، عمل على مدار سنوات عديدة مستشارًا خاصًا للزعيم الليبيّ وتقاضى ملايين الدولارات لقاء خدماته، وهذا يُحتم علينا التساؤل: ألم يكن القذافي طاغية عندما كان المجرم بلير، شريك جورج بوش، في احتلال العراق، يعمل لديه مستشارًا؟
 
***
 
علاوة على ما ذُكر أنفًا، تحوّلت مدينة بنغازي الليبيّة، المحررة من الطاغية القذافي، إلى مقرٍ لمجلس الحكم الانتقاليّ، وباتت محجًا للسياسيين الغربيين، الذين يتسابقون على الاعتراف بالمجلس الانتقاليّ، ويُطلقون التصريحات الناريّة المؤيدة للثورة المناهضة للقذافي من ناحية، وحلف الناتو يواصل قصف المنشآت التابعة للقذافي من الناحيّة الأخرى، حتى بات يُخيّل للإنسان العاديّ أنّ الثورة الليبيّة باتت ثورة مدعومة من حلف شمال الأطلسيّ، وفي زمن العولمة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأموال التي يصرفها هذا الحلف في عملياته العسكريّة بليبيا بحاجةٍ ماسةٍ إلى منْ يدفع ثمنها، والثمن ليس بالأموال فقط، إنّما، وهنا بيت القصيد، بإعادة استعمار ليبيا بعد أنْ تحررت من الاستعمار الإيطاليّ، والاستعمار الغربيّ يصبو بطبيعة الحال إلى السيطرة على النفط الليبيّ وإلى تحويل هذه الدولة إلى دويلات وفتات دويلات تتحكم فيها القبائل والعشائر، وما إلى ذلك من تقسيمات يُبدع فيها الاستعمار. للتذكير فقط، نقول إنّ الثورة الجزائريّة، التي طردت المستعمر الفرنسيّ، قدّمت مليون ونصف المليون من الشهداء، ولم تتلق المساعدات من قوى خارجيّة، هذه ثورة حقيقيّة.
 
***
 
هناك الكثير من الأسئلة التي بحاجة إلى أجوبة، وبالتالي نرى من المناسب تحذير النظام العربيّ الرسميّ من استعادة الخطأ الذي ارتكبه بحق الشعب الليبيّ، التوّاق إلى الحريّة، وأنْ يمتنع عن إصدار الفتاوى السياسيّة التي تُبيح استباحة الأرض العربيّة من قبل الغزاة الأجانب، لا تتدخلوا في الثورة السوريّة، ولا تسمحوا للغرب الاستعماريّ بمحاولة حسم الثورة السوريّة بالصواريخ المتطورّة، التي ستدفعون أنتم، يا عرب، ثمنها، نعم، النظام السوريّ يرتكب المجازر المقززة ضدّ شعبه، ولكن أخر من يحق له الحديث عن إزهاق أرواح الأبرياء والعزّل العرب هم (النازيون الجدد) من أمريكيين وأوروبيين، الذين قتلوا أكثر من مليون شهيدٍ عربيّ في العراق، ولم نسمع صوت السيّد أوكامبو، قراقوش القرن الـ21، يطالب باعتقال المجرمين بوش وبلير ومن لف لفهما.

التعليقات