06/07/2011 - 12:44

الشعب لا يريد نصوصا تزين كتب التشريع../ إياد خلايلة

إن الوضع في سوريا هو موضع نقاش لكل وطني عربي، يريد في سوريا نظاما وطنيا وديمقراطيا، فمن ناحية يأبى سقوط النظام السوري الممانع والداعم للمقاومة، ومن ناحية أخرى ويؤلمه رؤية المواطن السوري مقموعاً ومهانا، وعدم وجود معارضة منظمة، معروفة الهوية، يدخل الريبة إلى قلب كل من يريد الحرية والعزّة للشعب السوري، خاصة أن سوريا كانت وما زالت مستهدفة من أمريكا واسرائيل وعملائهما في المنطقة، لموقفها الداعم للمقاومة، كما أن النظام السوري لم يستجب بالسرعة اللازمة لمناشدات الإصلاح، ولم يستبق الأحداث بل استبقته، فالشعب السوري يطمع لأن يرى إصلاحات ملموسة على المستوى السياسي، الحريات، الاقتصاد ومحاربة الفساد

 الشعب لا يريد نصوصا تزين كتب التشريع../ إياد خلايلة
إن الوضع في سوريا هو موضع نقاش لكل وطني عربي، يريد في سوريا نظاما وطنيا وديمقراطيا،  فمن ناحية يأبى سقوط النظام السوري الممانع والداعم للمقاومة، ومن ناحية أخرى ويؤلمه رؤية المواطن السوري مقموعاً ومهانا، وعدم وجود معارضة منظمة، معروفة الهوية، يدخل الريبة إلى قلب كل من يريد الحرية والعزّة للشعب السوري، خاصة أن سوريا كانت وما زالت مستهدفة من أمريكا واسرائيل وعملائهما في المنطقة، لموقفها الداعم للمقاومة، كما أن النظام السوري لم يستجب بالسرعة اللازمة لمناشدات الإصلاح، ولم يستبق الأحداث بل استبقته، فالشعب السوري يطمع لأن يرى إصلاحات ملموسة على المستوى السياسي، الحريات، الاقتصاد ومحاربة الفساد.
 
إن كل وطني عروبي يريد أن يرى سوريا دولة ممانعة داعمة للمقاومة تحارب الفساد وينعم شعبها بالحرية والديمقراطية والرخاء، لكن لا النظام ولا المعارضة يعطون الضمانة، لقيام نظام ديمقراطي وطني في سوريا مما يسهم في حالة البلبلة عند كل من يريد مصلحة سوريا وشعبها.
 
أحاول من خلال هذه المقالة أن أسهم، مساهمة متواضعة، في فهم الحالة السورية الخاصة، من خلال تحليل مادي، وتأثير الاقتصاد على المواقف السورية خلال فترة حكم البعث، والخيارات المتاحة للخروج بسوريا من هذا الوضع.
 
لقد حملت الأنظمة الوطنية، الناصرية في مصر، والبعث في سوريا، إلى شعوبها مبادئ الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وبشائر توفير العلم والعلاج والغذاء إلى كافة شرائح المجتمع، وحققت في هذا المضمار نجاحاً ملموساً وخاصة في مراحلها الأولى، وقد تأتى ذلك من خلال تأميم مرافق الاقتصاد الرئيسية في البلاد، والاستثمار في بناء بنية تحتية اقتصادية تحت إشراف وبملكية القطاع العام، لكي توفر العمل والغذاء والمسكن لكافة طبقات الشعب.
 
ولكن الموارد الطبيعية في سوريا محدودة، واعتمد اقتصادها تقليديا على الزراعة وقليل من التجارة، ولكنها فشلت في تطوير بنية اقتصادية متينة، على صعيد الصناعة التقليدية أو المتطورة، فيما أن إنتاجها الزراعي لم يدَعّم بالوسائل الحديثة لزيادة الإنتاج وتمكينه من التنافسية، وبقي رهينة تقلبات الطبيعة ومواسم الأمطار.
 
في سنوات السبعينيات والثمانينيات تمكنت سوريا، من الصمود، رغم إمكاناتها المحدودة، وبنيتها الصناعية المتخلفة، وحاجتها الماسة للتسلح لكونها دولة مواجهة وجولانها محتل، وحصل ذلك نتيجة علاقتها المميزة مع الاتحاد السوفييتي والمساعدات التي كانت تحصل عليها على الصعيد العسكري والاقتصادي.
 
كان العدوان الأول على العراق عام 1990 النتيجة الأولى لسقوط الاتحاد السوفييتي، ووقف الدعم السوفييتي لسوريا، في وقت كان النظام السوري بحاجة إلى ركيزة اقتصادية بديلة، فقام الرئيس الراحل حافظ الأسد، باتخاذ موقف مؤيد للعدوان على العراق، بل ذهب أبعد من ذلك بإرسال جنود سوريين ليقاتلوا إلى جانب الجنود الأمريكيين، في معركتهم ضد العراق، لكي يحصل مقابل ذلك على الركيزة الاقتصادية البديلة، وبالفعل حصلت سوريا على بعض الامتيازات النفطية والمساعدات الخليجية، إلا أن استمرار تدفق هذه المساعدات الخليجية كان رهينة لإذن من العم سام، ووكيله في المنطقة ألا وهي إسرائيل.
 
هنا كان على سوريا دفع ثمن سياسي لهذه المساعدات، وهذا الثمن يتمثل بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، وفعلاً استجابت سوريا، ولو جزئيا، لهذا التوجه، وشاركت في مؤتمر مدريد للسلام، وفي حين كان رابين مستعداً لتوقيع معاهدة سلام مع حافظ الأسد، تحفظ للأخير ماء الوجه، قُتل رابين، وخلفه نتانياهو الذي طلب من الأسد الرضوخ للتفوق الإسرائيلي في كل المجالات، وتوقيع معاهدة مذلّة، لم يقبلها الأسد، ولكنه في نفس الوقت لم يطرق الباب في وجه أمريكا وإسرائيل، واستمرت المحادثات سرية تارة وعلنية تارة أخرى دون أن تأتي بنتائج، لأن هذه المفاوضات العقيمة كانت تلبي حاجة الطرفين، فإسرائيل تدعي من جهة بأنها تسعى للسلام في حين أنها ترفض دفع ثمن السلام، وسورية أيضا لم ترضَ بأي اتفاقية لا تعيد لها كافة الجولان وتحفظ لها ولنظامها ماء الوجه، وفي نفس الوقت كانت المفاوضات مفتاحاً لفك عزلتها تجاه الغرب.
 
خلال هذه السنوات، ومع تحييد نظام البعث في العراق بعد هزيمته في حرب الخليج الأولى، خلي الميدان لإيران، فبعد أن تخلصت من عبء صدام حسين، الاقتصادي والعسكري، ودخلتها الاستثمارات الاجنبية، بفضل رؤساء إصلاحيين، خففوا من لهجة عدائهم لأمريكا والغرب عامة، وفتحوا نافذة واسعة باتجاه أوروبا، عرفت إيران في هذه الفترة طفرة صناعية وازدادت قوتها ونفوذها العسكري، وعادت الى الساحة العربية مع طموحاتها لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية.
 
في هذه المرحلة وطّدت سوريا من علاقتها بإيران، ملبية رغبة إيران، ولتكون وسيطها، في المنطقة العربية، وأصبحت سوريا طريقاً لعبور الأسلحة والعتاد والمساعدات لحزب الله الذي قاوم العدوان الاسرائيلي، ومدته بدعمٍ معنوي وسياسي لا تستطيع إيران أن تزوده لأنها دولة غير عربية، الأمر الذي مكّن حزب الله من الصمود عسكريا، شعبيا وسياسيا أمام عدوان إسرائيل في تموز 2006 الذي سعى إلى سحق الحزب، وفشل في مهمته، وكان لسوريا الدور الكبير في إفشال المخطط الإسرائيلي-الأمريكي، فيما حظيت سوريا بمساعدات إيرانية في كافة المجالات، لتعزيز موقفها الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين.
 
على الصعيد السياسي الداخلي وبعد رحيل حافظ الأسد سعت المجموعة التي حوله، إلى توريث الحكم إلى ابنه بشار، ولكن الدستور السوري لم يتح ذلك، وعليه فقد تم تعديل الدستور بسرعة، ليتولى بشار حافظ الأسد، طبيب العيون، والذي كان يفتقد للتجربة السياسية، الحكم مكان أبيه.
 
كان التوريث صفعة مدوية لنظام يدّعي أنه نظام جمهوري، فما كان أمام الرئيس سوى أن يتعهد بإصلاحات سياسية واقتصادية تثبت أن صفقة توريثه الحكم مكان أبيه كانت مربحة للشعب السوري.
 
فحرّر الأسد الانترنت، وسرّع بإدخال شركات الخليوي إلى السوق، وسمح بإقامة صالونات تتداول القضايا السياسية، وبدأ ببرنامج إصلاحات اقتصادية، تمثلت بخصخصة ممتلكات الدولة، أمام الرساميل الأجنبية، وأقيمت البورصة، وسُمح بإنشاء بنوك خاصة، وشجّع الاستثمارات العقارية لتدخل الاستثمارات الأجنبية والعربية سوريا، مما دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، لكن هذا النمو الذي عكسته المؤشرات كان افتراضيا يفتقر إلى التنمية الحقيقية.
 
إن الشرط الأول "لتحرير" نظام شبه اشتراكي وتحويله إلى اقتصاد السوق هو خصخصة موارد الدولة، مؤسساتها وثرواتها، وإيداعها بأيدي رجال أعمال من القطاع الخاص بادعاء أنهم يتقنون فنَّ إدارتها بشكل أفضل من موظفي الدولة الذين لم يعيَّنوا حسب كفاءات مهنية، بل لاعتبارات أخرى.
 
قضية الخصخصة، التي يشجعها البنك الدولي، ومؤسسات تدريج الديون العالمية، هي مرتع الفساد في دول العالم الثالث ومن ضمنها العالم العربي، ففي تونس استولت عائلة الطرابلسي على مقدّرات، أملاك ومؤسسات الدولة، في مصر سيطرت عائلة الرئيس والمقربون والحزب الحاكم أمثال جمال مبارك وأحمد عز على هذه المقدرات. ولا يقتصر هذا النهج على العالم العربي بل على كل الدول التي اتبعت نظاما اشتراكيا، وانتقلت إلى الخصخصة تحت شعار تحرير السوق، مما أنشأ طبقة من الأغنياء فاحشي الثراء الذين استولوا على ثروات البلاد، وخير مثال على ذلك ما حصل في روسيا ودول أوروبا الشرقية.
 
في سوريا سرعان ما نشأت في عهد الخصخصة وتحرير اقتصاد السوق حلقة ضيقة من الأثرياء الجدد، وهم بطبيعة الحال الرجال الأقوياء في النظام، أقرباء والمقربين من الرئيس وأوضح مثال على ذلك ابن خال الرئيس رامي مخلوف، الذي كان أكبر المستفيدين من سياسة الخصخصة وسيطر خلال فترة قصيرة، على الشركات الحكومية في قطاع الاتصالات (شبكة سيرياتل)، البنوك، التأمين، التجارة، البناء، النفط والغاز والإسمنت، وفي مجال الإعلام سيطر مخلوف على قناتي تلفزة وجريدة الوطن.
 
سرعان ما فهم المستثمرون المحليون والأجانب أن المفتاح لدخول الاقتصاد السوري يكمن في يد مخلوف، وأمثاله، ولا يمكن القيام بأي استثمار في سوريا دون شراكة مخلوف، أو الدفع سلفا، أو تقاسم الأرباح، وبذلك يؤمن لهم مخلوف التراخيص اللازمة، أو أراضي الدولة بأسعار زهيدة، ومحاربة المنافسين في كافة الاصعدة، من استعمال الشبيحة وحتى رشوة المسؤولين الحكوميين وإخضاع القضاة.
 
في حين تتجمع الثروة في أيدي حلقة ضيقة، تزداد الدولة والشعب فقراً، لأنها تفقد مدخولاتها من المشاريع التي خصخِصَت، تخسر الدولة مدخولاتها من الضرائب حين تعطي إعفاءات ضريبية للأغنياء الجدد لتشجيعهم على الاستثمار، لينعكس ذلك في النهاية على تدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وحتى الدقيق والخبز، وقد ساهم خروج القوات السورية من لبنان بعد مقتل الحريري، ومعها مئات آلاف العمال السوريين الذين عملوا هناك، وضع البطالة والاقتصاد في سوريا، وبطأ عجلة نمو الاقتصاد، ووضع النظام أمام تحدٍ كبير يبدو أنه عجز عن معالجته.
 
الفساد، وقمع كل من ينتقد هذا الفساد والمحسوبية وكبت الحريات، هو أكثر ما يثير الشعب في سوريا، إذ أن موقف النظام السوري تجاه المقاومة والمقاومين في الوطن العربي، يحظى بتقدير الشعب السوري والعربي، ولا نرى أن الشعب السوري يتظاهر متضامنا مع إسرائيل وأمريكا، بل يرفع شعارات الحرية والوحدة الوطنية وتحرير الجولان.
 
لماذا درعا أولاً؟
 
من المعلوم أن اقتصاد السوق يعود بالفائدة على المناطق التجارية والمالية التي تشكل عصب الحياة في الدولة، وهذا هو الحال في دمشق وحلب، فيما أن هذا اقتصاد السوق يعود بالدمار على الأرياف.
لكن درعا الريفية كان من المفروض أن تكون محصّنة من هذا الخطر، لأن درعا، عاصمة حوران، كانت دائماً مزوّداً رئيسيا للقمح والمنتوجات الزراعية في المنطقة، نظراً لاتساع المناطق الزراعية وخصوبتها ، ولكن الدولة لم تولِ الإهتمام الكافي بدعم قطاع الزراعة، من خلال مكننته، والقيام بالأبحاث لزيادة إنتاجية الحقول وجودة المحصول، وتوفير وسائل الري الحديثة للحقول، لتتمكن من منافسة المنتوجات العالمية، لأن اقتصاد السوق لا يشجع تدخل الدولة في الاقتصاد، فبقيت درعا والريف السوري رهينة لكرم الطبيعة في موسم الامطار، والسنوات العجاف الأخيرة التي مرت على المنطقة، وعلى حوران، كانت كفيلة بضرب سكان حوران ودرعا وريف دمشق في الصميم.
 
إن الحادثة التي اقترنت بإهانة وجهاء درعا الذين طلبوا إطلاق سراح ابنتهم المعتقلة، أشعلت فتيل الاحتجاجات في درعا، ولكن الوقود كان موجوداً وبكثرة، وفي كافة مناطق القطر السوري وخاصة في الأرياف لتوسيع رقعة الاحتجاجات واستمرارها.
 
وأخيراً:
من المهم أن يلغي النظام اليوم قانون الطوارئ، ومن المهم أن يقوم بإصلاحات تشريعية، ولكن هذه الإصلاحات تبقى نصوصاً تزين كتب التشريع ما لم تطبق سريعاً على أرض الواقع، المواطن السوري لا يريد إصلاحات وهمية، بل يريد خطوات عملية وملموسة كأن يرى رامي مخلوف وراء القضبان (كما أحمد عز في مصر)، ويريد أن يرى النظام يطيح برموز الفساد والقمع والشبيحة، ولن يرضى بأقلّ من ذلك، وما لم يسارع النظام إلى اجتثاث الفاسدين فسيقوم الشعب الى اجتثاث النظام، والوقت آخذ بالنفاد.

التعليقات