07/07/2011 - 11:29

البحث عن سورية وفلسطين والمقاومة في مؤتمر باريس الصهيوني../ نصري الصايغ

وأسياد العالم الجدد وحكامه، هم «المفترسون». يسميهم زيغلر بأسمائهم، ويصف مآثرهم الاجرامية، ويدقق في رواتبهم الخيالية، ويصنفهم في خانات، غالبا ما تفصح عن حضورها، بعناوين ذات طابع إنساني، تنموي، وعبر مؤسسات خيرية، تنفق عبرها، النزر اليسير، مما كسبته في تجارة الحروب، وإعادة البناء والتعمير.. في تجارة الأمراض، وإعادة توزيع أنصبة الدواء، بأسعار مذهلة.. وفي تجارة الديون، ذات الريوع الخيالية، التي تجعل دول العالم الثالث، جاثية على ركبتيها، لسداد دين، استعاده الدائن، من خلال ربطه الأموال، بمحفظة أنظمة الاستبداد، شركاء "المفترسين" الدوليين

البحث عن سورية وفلسطين والمقاومة في مؤتمر باريس الصهيوني../ نصري الصايغ


I ـ المفترسون.. على الأبواب

من هم حكام العالم؟ من هم أسياده؟
الكاتب السويسري جان زيغلر، بحث عنهم، ووجدهم. كتابه، «أسياد العالم الجدد»، يشكل مضبطة اتهام كاملة، لجنرالات البنك الدولي، وخبراء الكارتلات الصناعية، ومدراء المؤسسات المالية، الذين يقودون السياسيين ويدفعون الجيوش، لانزال الكوارث بشعوب العالم الثالث، التي تعتبر استثماراً مجزياً للدول الرأسمالية، صاحبة عقيدة السوق الاستبدادية.

وأسياد العالم الجدد وحكامه، هم «المفترسون». يسميهم زيغلر بأسمائهم، ويصف مآثرهم الاجرامية، ويدقق في رواتبهم الخيالية، ويصنفهم في خانات، غالبا ما تفصح عن حضورها، بعناوين ذات طابع إنساني، تنموي، وعبر مؤسسات خيرية، تنفق عبرها، النزر اليسير، مما كسبته في تجارة الحروب، وإعادة البناء والتعمير.. في تجارة الأمراض، وإعادة توزيع أنصبة الدواء، بأسعار مذهلة.. وفي تجارة الديون، ذات الريوع الخيالية، التي تجعل دول العالم الثالث، جاثية على ركبتيها، لسداد دين، استعاده الدائن، من خلال ربطه الأموال، بمحفظة أنظمة الاستبداد، شركاء "المفترسين" الدوليين.

غاب عن ذهن زيغلر، بعض «المفترسين الجدد»: برنارد هنري ليفي وبرنار كوشنير... وهما اللذان قررا افتراس المعارضة السورية تمهيدا لافتراس سوريا.

II ـ الجنرال ليفي والحاخام كوشنير

لقب الجنرال، لا يعطى عــادة، إلا لمن علا شأنه في المؤسسات العسكرية. برنار هنري ليفي، ليس عسكرياً، لكنه جنرال إسرائيلي، يخلع عنه القلم، ينزع عنه الفكر، ويلبــس البزة العسكرية، ويتصرف في الحروب الإسرائيلية، كواحد من قادة الجبهة، أو كأحد الخبراء الاستراتيجيين. ولا يخشى التهمة أبداً. فهو، في الواقع، حضر حروب اسرائيل. كان في حرب الأيام الستة يرقص فرحاً، وفي حرب «يوم الغفران» وفي عز «سقوط صواريخ صــدام» على «إسرائيــل»، كان هناك. وقد توّج نضاله "العسكري"، بمنحه لقب دكتوراه فخرية من جامعة القدس، التي منحت من قبل أيضاً، إلى الفيلسوف جان بول سارتر. وهذا، بالمناسبة، رفض جائزة نوبل، وامتنع عن قبول أي جائزة، ثم، خرّ ساجداً على جبهته، عندما منح الدكتوراه الفخرية بتوقيع إسرائيل.

يقول الجنرال برنارد هنري ليفي، بعيد اندلاع الانتفاضة، إن المسؤولية لا تقع على الجنود الإسرائيليين في قتل محمد الدرة (هل تتذكرون هذه الأيقونة؟). المسؤولية تقع على والده، لأنه وضعه في مرمى النيران الإسرائيلية.

هذا الجنرال المفكر، يعتبر أن لا دولة في العالم، تفوق فيها نظافة السلاح، دولة إسرائيل. فسلاحها ملائكي، ولا شبهة عليه.
ويشير الجنرال برنارد هنري ليفي، في هذه المناسبة، كيف على إسرائيل أن تتصرف، وما هي الخيارات التي تواجهها:

أولا: "الحل العسكري لا مفر منه (طبق الأصل عن نصه بالفرنسية)، إذ لا تقبل دولة، بأن يقتل مواطنوها بهذه الطريقة (الانتفاضة) من دون رد مناسب".
ـ "الحل الثاني هو الــسلام. غير أن الانتفاضة المدبرة، نزعت الحجاب عن الوجه الفلسطيـني، عن الشركاء في صنع الســلام. وبالإمــكان أيضا التنبه إلى أن هذا الحجـاب لم يكن حجابا، إلا بسبــب الحَوَل، فياسر عرفات لم يتنازل أبداً عن دوره كصــلاح الدين الداعي إلى تخليص القدس من أيدي الصليـبيين الجدد. فـهو قـارن بين التوقيع على اتفاق أوسلـو وصــلح الحديبية الذي أقامــه محــمد مع قبائل مكة، بانتظار تغير موازين القوى... لقد انكشف الفلسطيني على حقيقته".
ـ الحل الثالث: "البحث عن سادات فلسطيني". أي المطلوب قائد فلسطيني عميلا بالتبني.

هذا هو الجــنرال الإسرائيلي، الذي دعــا إلى مؤتمر في باريس، لدعم المعارضة السورية. هذا هو ليفي، الذي سارع، «كمندوب سامٍ بصفة إنسانية» إلى أن يكون أول زائر إلى بنغازي، حاملاً معه رسالة من "بيبي" (نتانياهو). هذا هو الذي ينقض على كل شيء جميل، كالمفترس، لقد كان بعض أطراف المعارضة السورية فريسته. لكن العجيب، أن الضحية، التي حضرت المؤتمر في باريس، كانت مسرورة جداً، بسفك سمعتها، التي تسيء إلى شرفاء المعارضة في سوريا، وإلى شرف الموقف المقاوم، الذي تبنته سوريا في تاريخها، منذ اندلاع فلسطين كقضية وطنية وقومية وإنسانية.

III ـ إسرائيل بيتي والإسرائيليون أهلي

أما الحاخام برنار كوشنير، اللاعب الماهـر بالقضايا الإنسانية، فليس يبتعد عن أستاذه ليفـي كثيراً. وبالمناسبــة، كوشنــير يعترف بتأثير ليفي عليه، ويعتبره مدربــه الدائم، في حلبـات الرقص حول الضحية... فحيثما تكن الضحية، يحضر كوشنير، لبيع جلدها.

كتاب بيير بييان، «العالم كما يراه كوشنير» (ترجمة محمود التبر ـ بيسان) يصف بدقة كيف قفز كوشنير من «أطباء بلا حدود» إلى «عساكر بلا حدود»، وفق تعبير ايمانويل تود، في مقالة نشرها في باريس عام 2007.

انتهازي من الدرجة الممتازة. لكن هذا ليس موضوعنا. فكوشنير من العائلة الإسرائيلية. فقد أعلن إبان زيارته "دولته الأم" إسرائيل بما يلي: "تسيبي ليفني صديقتي، والإسرائيليون أهلي، وأنا لا أريد أكثر من مساعدتهم".

واضح! واضح جداً هذا الإسرائيلي الأعظم، يدعم "المعارضة السورية"، لإسقاط سوريا الممانعة والمقاومة. آخر همـه، الديموقراطية. صياد الجثث هذا، يقتني بندقية صيد، لا تصيب إلا القضايا العادلة في مقاتلها. كل ذلك، لأنه مواطن اسرائيلي برتبة "حاخام إنساني".

وبما أن مكان إقامة مؤتـمر دعم المعارضة الــسورية هو باريس، وبما أن كوشنـير هو الأب الروحــي الثاني للمؤتمـر، من المفــيد معرفة علاقته بإسرائيل، من خلال موقــف إسرائيل منــه. فور تسلمه منصبه في وزارة الخارجية، قيل عنه ما يلي: "قليل جداً من الناس يعرفون ما يلي: احتفــلت الجامعة العــبرية في القدس بمرور ثمانين سنة على إنشائها، وبالذكرى المئة لتلك السنة الإعجازية التي ولد فيها ألبرت إينشتاين. جرت الاحتفالات وتلقى كوشنير بهذه المناسبة الدكــتوراه الفخــرية من الجامعـة العبرية في القدس...". لقد نزل نبأ تسلــم كوشنـير وزارة الخارجـية في قلوب الإسرائيليين برداً وسلاماً. كانوا يخشون أن يصدموا بهوبير فيدرين.

وفي زيارة قام بها الوزير كوشـنير لإسرائيل، سأله صحافي عن شكــوى تــقدمت بها سوريا ضد تل أبيــب إثر تعرضـها لهجوم شنه الطيران الإسرائيلي عليها قبل أيام. يروي مراسل وكالة اسوشيتد برس أنه رأى تسيبي ليفني وهي تكتب على ورقة ثم تسلمها إلى زميلـها الذي أجـاب بعد قــراءة الــورقة: "لا علم لي بهذه المسألة". لقد كذب كوشنير، بناء على "أوامر" صديقــته ليفني.

كل هذا الذي ورد أعلاه، لا يدعو إلى الاستغراب. لقد اعتدنا على وقاحة ونذالة مثقفين غربيين، يتبارون بمساحيق حقوق الإنسان، في كل مكان، وعندما يطلون على فلسطين، يرفعون حجة الإرهاب... كل هذا معروف ولا يصدمنا. أن نرى في الصفوف الأمامية من المؤتمر أعضاء يقفون إلى يمين باراك وشامير وشارون، مرتكبي مجازر في بيروت والقاهرة وسوريا وفلسطين، أمثال، غلوكسمان وبونياتوفسكي وفابيوس. ما صدمنا، أن يكونوا هؤلاء يتقدمون صفوف بعض "المعارضة السورية" في باريس، ومن بين الحاضرين، ممثل عن "الاخوان المسلمين".

IV ـ أين فلسطين؟

كنا، وكانت فلسطين معنا، من المحيط إلى الخليج. كنا، وكانت فلسطين قضيتنا. ولما اعتلى الاستبداد سدة السلطة، قبض على فلسطين وعلى الفلسطينيين. حدث ذلك في أكـثر من دولة عربية. كانت إسرائيل تطارد فلسطين في فلسـطين، وكانت أنظمة عربية تطرد فلسطين من الخريطة العربية، إلى أن وجدت لها حضنا في لبنان. لبنان الصغير هذا، صار أقوى دولة بسبب فلسطين. مقاومته الباسلة، وعمرها تقريباً نصف قرن، توجت نضالها بتحرير وصمود... ودعم. ولأن لبنان فلسطيني جداً بمقــاومته، صار أقــوى بلد عربي. لا ثاني له. كلام لا يمت إلى الشوفــينية والتعـصب. من ينطلق من عمق وجداني قومي، ويقِس المنجزات لا الكلمات، لا يُتــهم بالشوفينية. هذا واقع لبنان. ولم يستطع لبنان، بلوغ هـذه المرتبة، لولا فلسطينية سوريا كذلك. توأمان توحدا بفلسطين. دفعا أثماناً مجدية، وغير مجانية. فازا بتحرير وصمود وقوة وأفق مفتوح على مستقبل.

فلسطين التي في فلسطين، المنقسمة بين من يقاوم ومن يفاوض، ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل مسؤولية كل فلسطيني بالانتماء والالتزام والسياسة. ولقد كانت سوريا كذلك، شعباً وأنظمة وقيادات.

إنما... بعد باريس، من حق المؤمنين بالتغيير والحرية والديموقراطية، من حق من يقف مع المعارضة لإقامة نظام ديموقراطي يعيد للسوري كرامته وحيويته ويزيل عنه الخوف، أن يسألوا: أين فلسطين في سوريا الغد؟
مخيف جداً، أن يكون منطق "الاخواني الباريسي" ملهم الدروبي الذي برر حضوره، بأن هناك منبراً، وعلينا أن نستفيد منه لشرح قضيتنا. برافو... السادات في القدس، فعلها. وقف على منبر الكنيست، وإلى يساره غولدا مائير...
وسقطت مصر بالضربة القاضية.

مخيف جداً، أن تكون فلسطين في سياسة "الاخوان المسلمين" على هذه الشاكلة الرخيصة. هل نتوقع توضيحاً، بل استنكاراً، بل تبرؤاً علنياً؟ هل نتوقع إدانة مجلجلة؟

مخيف جدا، أن لا يصدر عن المعارضة السورية بتشكيلاتها كافة، إدانة مسبقة ولاحقة لهذا المؤتمر الصهيوني الباريسي.
لم نسمع بعد كلاماً حاسماً وفاصلا عن فلسطين الفلسطينية، وعن فلسطين اللبنانية، المقيمة في التخوم، وعلى فوهات البنادق المقاومة، والصواريخ الملقمة.

من حقنا أن نعرف... إننا خائفون. بددوا خوفنا. فمنا من لا يخاف الديموقراطية ولا الحرية. بل منا من كانت جزءا من ثقافته وحياته ونضالاته. لكننا نخاف ديموقراطية، تنبت فيها نزعات سلفية ومذهبية وطائفية وأقوامية؛ نخاف ديموقراطية، لها أنياب دولية، أشد فتكاً من الدكتاتورية المقيمة.

"السفير"
 

التعليقات