10/07/2011 - 16:10

الثورة المصرية تدخل طوراً جديداً/ د. حسن نافعة

بخروج الشعب المصري إلى الشوارع والميادين يوم الجمعة الماضي ٨/٧/٢٠١١، للتعبير عن احتجاجه على طريقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، تدخل ثورة ٢٥ يناير المصرية مرحلة نوعية جديدة.

الثورة المصرية تدخل طوراً جديداً/ د. حسن نافعة

بخروج الشعب المصري إلى الشوارع والميادين يوم الجمعة الماضي ٨/٧/٢٠١١، للتعبير عن احتجاجه على طريقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، تدخل ثورة ٢٥ يناير المصرية مرحلة نوعية جديدة.

وكانت المرحلة السابقة، التي بدأت مع نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام القديم يوم ١١ فبراير الماضي، قد أعادت تشكيل الخريطة السياسية في مصر وأسفرت عن بروز ثلاث قوى رئيسية على الساحة:

الأولى: تشكلت من الفئات والجماعات صاحبة المصلحة في التغيير والراغبة في إسقاط النظام القديم برمته وتأسيس نظام جديد أكثر عدالة وشفافية.

والثانية: تشكلت من الفئات والجماعات المستفيدة من نظام قديم أسقطت الثورة رأسه، لكن جسده لايزال قوياً ومتجذراً في المجتمع، وتسعى جاهدة لاستعادة نفوذها ومنع الثورة من تحقيق أهدافها وغاياتها النهائية. 

والثالثة: يمثلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي آلت إليه سلطة لم يسع إليها ويدعي أنه لا يريد الاحتفاظ بها. ولأن تحولات جذرية طرأت على هذه القوى الثلاث خلال الشهور الخمسة الأخيرة، فمن المتوقع أن تسفر المرحلة الجديدة، التي بدأت يوم الجمعة الماضي، عن إعادة تشكيل هذه الخريطة مرة أخرى بما يتناسب مع المهام المستجدة في ضوء ما أسفرت عنه الممارسة منذ سقوط رأس النظام حتى الآن.

فالقوى صاحبة المصلحة في التغيير، والتي كان فساد واستبداد النظام السابق قد وحّدها، سرعان ما تفرقت حول شكل ومضمون النظام الجديد، وسبل وآليات تشييده، وهو ما جسده الخلاف الذي دب في صفوفها حول «الانتخابات أم الدستور أولا»، وأدى إلى بروز حالة من الانشقاق ومن الاستقطاب الخطير بين فريقين تبنى كل منهما موقفا مختلفا من هذه القضية.

أما القوى المعادية للتغيير، التي كانت قد فقدت توازنها عقب سقوط رأس النظام، فسرعان ما استعادت تماسكها وانتقلت تدريجيا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وراحت تسعى بكل ما تملك من وسائل القوة والنفوذ لاستعادة زمام المبادرة.

أما المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يفترض أن يستمد سلطته من شرعية الثورة، فقد اتخذ موقفا بدا محايداً في البداية، لكنه ما لبث أن كشف تدريجيا عن مواقفه المنحازة بوضوح لمصالح القوى المعادية للثورة أو على الأقل لمصالح القوى الراغبة فى تحجيم طموحات التغيير إلى أدنى حد ممكن.

والواقع أن الفحص المدقق للطريقة التى تصرف بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة يظهر بوضوح أنه لعب دوراً مزدوجاً لحماية الثورة والنظام في آن واحد. فحمايته للثورة تجلت بوضوح من خلال موقفين رئيسيين، الأول: حين رفض أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، والثاني: حين أجبر الرئيس السابق على التخلي عن السلطة.

لكن علينا أن ندرك أن المجلس قام بهذا الدور من أجل حماية النظام، وليس لإسقاطه كما تصور البعض في البداية، بعد أن أدرك أن التضحية برأس النظام هي الوسيلة الوحيدة لحمايته، خاصة بعد أن ظهر بوضوح عناد الرئيس السابق وإصراره حتى النهاية على فرض مشروع توريث السلطة. أما حمايته للنظام فقد تجلت بوضوح من خلال:

 ١- اعتماد المجلس الأعلى نهجاً إصلاحياً في إدارته للمرحلة الانتقالية كان هو في الواقع النهج نفسه الذي تبناه الرئيس السابق في أيامه الأخيرة، حين قام بتشكيل لجنة لتعديل الدستور، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق أحمد شفيق، مما تسبب في تعقيدات لا حصر لها وساهم في انقسام القوى صاحبة المصلحة في التغيير.

 ٢- التباطؤ في القبض على رموز النظام السابق، وعدم إظهار أي نوع من الجدية في محاكمتهم، بل وتدليلهم إلى الدرجة التي راحت تستفز مشاعر الشعب وتجعله يتساءل عن حقيقة العلاقة بينه وبين النظام السابق.

 ٣- عدم اتخاذ أي إجراءات جادة وفعالة، سواء لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، أو لإعادة بناء أجهزة الأمن على أسس جديدة، أو لمعالجة قضايا الحدود الدنيا والقصوى للأجور والرواتب.

٤- الإصرار على استمرار تعيين رجال العهد السابق في المناصب القيادية الجديدة، ورفض الاستجابة لطلب رئيس الوزراء بتغيير الوزراء الذين ينتمون للنظام السابق في الحكومة.

 ٥- عدم الاستجابة للمطالب الرامية لحرمان من تسببوا في إفساد الحياة السياسية إبان العهد الماضي من مباشرة حقوقهم السياسية لبعض الوقت.

٦- إدخال الحوار الوطني في متاهات لا معنى لها بهدف استنزاف القوى وتعميق الفرقة بينها.

 ٧- التردد وعدم الحسم في معظم قضايا السياسة الخارجية، خصوصاً قضية بيع الغاز لإسرائيل. لذا لم يكن غريبا أن تنفجر المشاعر الشعبية عقب صدور أحكام بالبراءة لصالح عدد من كبار رموز النظام المتهمين بالفساد.

لو كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة متحمساً للثورة، وراغباً حقاً في تبني مطالبها، لتصرف بطريقة مختلفة تماماً ولشرع على الفور في تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد، وتعيين حكومة مستقلة تتبنى مطالب الثوار، ولأمر على الفور بإجراء انتخابات للمجالس المحلية دون انتظار لحكم يصدر من المحكمة الإدارية العليا... إلخ.

ولا يمكن تفسير تصرفات المجلس على هذا النحو إلا بأحد احتمالين، الأول: عدم معرفة دقيقة بخريطة القوى وبمتطلبات الحياة السياسية المصرية، الثاني: أنه يعتبر نفسه جزءاً من النظام القديم وامتداداً له، وبالتالي فالمطلوب إصلاحه وليس إسقاطه. وأياً كان الأمر، فقد أدت الطريقة التي أدار بها المجلس المرحلة الانتقالية حتى الآن إلى إثارة الفرقة والانقسامات داخل القوى صاحبة المصلحة في التغيير وفتحت الطريق أمام القوى المرتبطة بالنظام القديم لضم صفوفها ولاستعادة تماسكها.

غير أن التطورات اللاحقة أثبتت حدود فاعلية هذه الطريقة وما تنطوي عليه من أوجه قصور ومن خلل بنيوي، وهذا هو الدرس الذى يتعين استخلاصه من حكم البراءة الذي صدر لصالح بعض رموز الفساد الكبار في النظام السابق. فقد كان هذا الحكم كاشفا مدى استحالة إدارة المرحلة الانتقالية بنقس قوانين وسياسات مرحلة ما قبل سقوط النظام!

ومن الواضح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان يراهن على انقسام النخبة كي يتمكن من استبدال مشروع التغيير الثوري بمشروع إصلاحي يقتصر على الحدود الدنيا والشكلية. غير أنه نسي، وربما تناسى، أن القوى السياسية كانت جميعها متحدة حول المطالب الخاصة بإسقاط النظام القديم، رغم اختلافها حول شكل ومضمون النظام الجديد. لذا ما إن تبين لها عدم جدية المجلس الأعلى في إزالة ركام النظام القديم، وأن هذا الركام سيظل يشكل عقبة كأداء أمام إمكانية قيام نظام ديمقراطي بديل، حتى عادت للالتئام من جديد وتناست خلافاتها القديمة حول الدستور أم الانتخابات أولاً.

خروج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين في مختلف أنحاء مصر يقطع بأن الثورة مستمرة، وبأن الشعب المصري مصمم على تمكينها من تحقيق أهدافها النهائية. 

لكن الخروج هذه المرة له دلالات مختلفة تماما ًعن المرات السابقة لأنه يشكل وللمرة الأولى احتجاجاً واضحاً وصريحاً على طريقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي يتعين أن يعاد النظر فيها برمتها. وأتوقع أن يستمر الاعتصام في ميدان التحرير، كنواة احتجاجية يمكن البناء عليها ويستطيع الشعب أن يلتحم بها كل يوم جمعة، إلى أن تتم الاستجابة لمطالبه في التغيير، كما أتوقع أن يقوم الشعب في الوقت نفسه بعملية فرز جديدة للقوى السياسية حسب موقفها من قضية استمرار الثورة من عدمه، وبالتالي لن يكون من الضروري أو الحتمي أن تستكمل الثورة مسيرتها بنفس الفئات والجماعات التي انخرطت فيها منذ البداية.

كانت ثورة ٢٥ يناير قد فاجأت الجميع. لذا لم يكن ممكناً، وربما لم يكن ضرورياً، أن تحظى في طورها الأول برأس يقودها، أو بهيكل تنظيمي يؤطرها، أو برؤية أيديولوجية تنير لها الطريق. وربما كان هذا أحد مظاهر وأسرار قوتها وضعفها في الوقت نفسه. أما الآن فالحاجة تبدو ماسة لتشكيل إطار تنظيمي يتحدث باسم الثورة ويتفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتوصل إلى طريقة لإدارة مشتركة لما تبقى من المرحلة الانتقالية والاتفاق على برنامج زمني لنقل السلطة في نهاية تلك المرحلة، على أن يتضمن هذا البرنامج مواعيد محددة لسلسلة من الانتخابات، تبدأ بالنقابات المهنية والمجالس المحلية وتنتهي بالانتخابات الرئاسية.

وربما يكون من الأفضل تأجيل وضع دستور دائم إلى ما بعد انتقال السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة والاكتفاء حالياً بإدخال التعديلات اللازمة على «الإعلان الدستوري» على نحو يضمن التنفيذ الكامل لبرنامج الانتخابات المتفق عليه وإدارة سلسة للفترة الرئاسية الأولى، التي يمكن النظر إليها حينئذ باعتبارها الفترة الانتقالية الثانية والحقيقية للتأسيس للنظام الجديد المأمول. ويا حبذا لو تم النص على أن الرئيس القادم لمصر هو رئيس لفترة واحدة ولا يحق له أن يرشح نفسه في الانتخابات المقبلة لنضمن عدم تدخله في صياغة الدستور الجديد.

(عن "المصري اليوم")

التعليقات