12/07/2011 - 18:07

قانون منع المقاطعة والرد الجماهري المطلوب../ محمد زيدان*

المستوطنات تشكل وفق القانون الدولي جريمة حرب ومخالفة لاتفاقيات جنيف، التي تمنع المحتل من نقل السكان إلى منطقة الاحتلال وتغيير الديموغرافيا السكانية للمنطقة المحتلة، وهو عمليا جوهر مشروع الاستيطان الإسرائيلي. أي أن القانون الذي أقر بالأمس جاء لإضفاء الحماية على هذه الجريمة والمخالفة البشعة للقانون الدولي، ولتوفير غطاء قانوني يمنع انتقاد هذه الجريمة أو الدعوة لمقاطعتها. هو حماية للجريمة بقدر ما هو جريمة بحد ذاتها بحق أصحاب الأرض الذين يُجَرّم القانون حقهم بمقاطعة المستوطنات التي أقيمت على أراضيهم!

قانون منع المقاطعة والرد الجماهري المطلوب../ محمد زيدان*
تستمر إسرائيل في وضع سلسلة قوانين تهدف لإعادة رسم حدود الحريات السياسية المتاحة أمام أي قوة تعارض سياساتها وتوجهاتها الرسمية، خاصة بما يتعلق بمفهوم يهودية الدولة وتحديد حيز الحريات الدمقراطية فيها بالمفهوم المدني، وتبعاته السياسية والقانونية والاجتماعية، علاوة على نظامها الاقتصادي والاجتماعي.
 
وضمن هذه السلسلة أقرت الكنيست بالأمس قانوناً يحظر الدعوة لمقاطعة إسرائيل، بما في ذلك الدعوة لمقاطعة المستوطنات ثقافيا واقتصاديا ومقاطعة منتجاتها. ويفتح القانون الجديد الباب لاتخاذ إجراءات مدنية ومالية كالمطالبة بالتعويض من الجهات الداعية، دون الحجة لإثبات الضرر الحاصل من هذه الدعوة!
 
يشكل هذا القانون من حيث الجوهر رسماً جديداً لحدود حرية التعبير بما يتماشى مع رغبة الغالبية اليهودية (والصهيونية بالطبع)، وهو بالتالي تراجع إضافي لحرية التعبير التي تشكل عصب الحريات الديمقراطية ونخاعها الشوكي!
 
 والخطر في هذه الممارسة لا يقع جراء هذا التحديد والمنع فحسب، بل كونه يشكل مقدمة أو نموذجاً قد يحتذى به في المستقبل لتجريم مواقف سياسية لا يرضى عنها الإجماع الصهيوني، أو الغالبية اليهودية في البرلمان الإسرائيلي! ويجوز وفق هذا التوجه والمنطق مثلاً أن تقوم الغالبية بمنع أي تصريح أو دعوة لإنهاء الإحتلال مستقبلاً! أو حتى تجريم أي مواقف تناقض البرامج السياسية للأحزاب الحاكمة!
 
 إذا، من الناحية النظرية الصرف فإن هذا القانون هو استمرار لعملية الحفر تحت "الأسس الديمقراطية" المهتزّة أصلاً في الحيز الإسرائيلي العام.
 
من الجهة الأخرى فإن المستوطنات تشكل وفق القانون الدولي جريمة حرب ومخالفة لاتفاقيات جنيف، التي تمنع المحتل من نقل السكان إلى منطقة الاحتلال وتغيير الديموغرافيا السكانية للمنطقة المحتلة، وهو عمليا جوهر مشروع الاستيطان الإسرائيلي. أي أن القانون الذي أقر بالأمس جاء لإضفاء الحماية على هذه الجريمة والمخالفة البشعة للقانون الدولي، ولتوفير غطاء قانوني يمنع انتقاد هذه الجريمة أو الدعوة لمقاطعتها. هو حماية للجريمة بقدر ما هو جريمة بحد ذاتها بحق أصحاب الأرض الذين يُجَرّم القانون حقهم بمقاطعة المستوطنات التي أقيمت على أراضيهم!
 
من الجانب الفلسطيني العام فإن إسرائيل ستقوم حتماً بإستعمال هذا القانون في مقارعاتها السياسية، كأن تقول إن دعوة الحكومة الفلسطينية لمقاطعة منتجات المستوطنات – التي أصبحت جريمة وفق هذا القانون - سبب لمعاقبتها من خلال تشريع سرقة الضرائب التي تُجبى في إسرائيل، وأن تمتنع عن تمريرها للسلطة، كما حدث بالماضي عدة مرات، ولكن هذه المرة ستكون إسرائيل مسلحة بقانون يشرع خطوتها.
 
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين في الداخل، فإن مقاومة هذا القانون- المخالف لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، يجب أن تأخذ عدة أبعاد ووسائل بحسبانها:
 
أولاً: البعد القضائي- واعتقد أنه البعد الأسهل الذي يعني التوجه للمحكمة العليا الإسرائيلية، بهدف إلغاء القانون بإعتباره "ليس دستورياً"، ولا يتماشى مع القوانين الأساسية، خاصة بما يتعلق بالحريات المدنية وحرية التعبير. أي أن هذا التوجه سيركز على الجوانب المتعلقة "بديمقراطية إسرائيل" كما يجب أن تكون! وأعتقد أنه أسهل الاحتمالات وأقلها جدوى على مستوى التأثير السياسي طويل المدى المرغوب، بالرغم من سهولة تنفيذه وسرعة نتائجه كونه يقتصر على وسيلة قضائية لا تستلزم التجنيد للجمهور الواسع صاحب الشأن الأول بهذه القضية.
 
ثانيا: العمل الدولي.. هذا القانون يضع تحديات واضحة وصريحة أمام دول مثل دول الاتحاد الأوروبي، التي تقاطع منتجات المستوطنات، وتقوم بمنع استيرادها لأسواقها منذ عدة أعوام. إذاً فإنه بموجب هذا القانون أصبح بإمكان المستوطنين التوجه للقضاء ضد أي مؤسسة حقوقية تقدم المعلومات لدول الاتحاد الأوروبي! بغض النظر عن تأثير تلك المعلومات على المقاطعة الفعلية لدول الاتحاد لمنتجات المستوطنات! أو الضرر الناتج عنها.
 
 والمطلوب منا هو استغلال هذه القضية واستثارة الرأي العام الدولي والأوروبي خاصة، الذي أظهر علامات مشجعة لدعم فكرة BDS - المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات - من أجل دفع الحكومات للتحرك من أجل حماية مؤسسات حقوق الإنسان المحلية، وحمايتها أمام هذا الإجراء والقانون. كما يتوجب على منظمات المجتمع المدني استعمال النقاش المثار حول هذا القانون كمحفز لترسيخ الدعوة للمقاطعة وإعطائها زخماً دولياً شعبياً ورسمياً يفضح زيف الادعاءات بدمقراطية إسرائيل.
 
ثالثا وهو العامل الأهم – النضال الجماهيري: يجب أن يتم التعامل مع إقرار هذا القانون على المستوى الشعبي المحلي - الفلسطيني في البلاد، بطريقة مغايرة عن طريقة التعامل مع القوانين العنصرية والمخالفة لحقوق الإنسان التي أقرت حتى الآن، وأن يتم إستعماله كمحفز لتوجيه الطاقات الجماهيرية السلمية بطريقة إيجابية وخلاّقة، وعليه يجب مثلاً الدعوة لتبني موقف موحد تجمع عليه لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والأحزاب العربية، والمؤسسات الأهلية والجماهيرية والاجتماعية، إضافة لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بشكل خاص، لإصدار موقف موحد يوجه للمجتمع الدولي ويطالبه بمقاطعة المستوطنات ويدعم موقف المقاطعة بشكل صريح وعلني لا يقبل التأويل، على أن يوقع عليه عشرات الآلاف من الشخصيات الأكاديمية والاعتبارية والتمثيلية، والهيئات المجتمعية بكل أطيافها وتضع التحدي أمام إسرائيل، حكومة وقضاء بشكل سلمي واعٍ ديمقراطي وجماعي، وتوصل رسالة واضحة مفادها: أن هذا القانون قد وُجد لكي يتم مخالفته... وأننا كجمهور معني لن نقبل اللعب وفق قوانين اللعبة السياسية كما تضعها الغالبية الإسرائيلية الممثلة في الكنيست الإسرائيلي، وأن هناك قضايا وقيما أساسية هي أكبر وأهم مما تقرره هذه الغالبية خدمة لمصالحها وأجندتها السياسية العنصرية، كما أن هذا الموقف والتحدي يشكل رافعة لإعادة فكرة التجنيد الشعبي للنضالات السياسية والتحديات التي تواجه مجتمعنا باستمرار.
 
والموقف الجماعي الموحد من شأنه أن يشكل تحدياً واضحاً لتبعات هذا القانون الجائر وعقبة أمام إمكانية تفعيل العقوبات ضد مخالفته، حيث لن تتمكن الدولة من تقديم شكاوى ضد عشرات الآلاف من المدنيين بسبب توقيعهم على بيان وموقف.. وإن فعلت، فإن باب النضال الجماهيري يكون قد اتسعت أبوابه... ولكل حادثة حديث.

التعليقات