14/07/2011 - 13:33

الخطاب السوري في مواجهة الأزمة../ فايز سارة

مضى قرابة أربعة أشهر على بدء حركة الاحتجاج والتظاهر السورية، وطوال تلك الفترة، قوبلت الحركة برد عنيف من جانب السلطات، شملت عمليات إطلاق النار، وهجوما على المتظاهرين وتفريقهم بالقوة، ما تسبب بقتل نحو ألفين منهم وجرح آلاف آخرين، صار بعضهم معوقين، كما اعتقل نحو خمسة عشر ألفاً، وهناك عشرات الآلاف صاروا في عداد المطلوبين بسبب مشاركتهم في حركة التظاهر والاحتجاج وتداعياتها

الخطاب السوري في مواجهة الأزمة../ فايز سارة

مضى قرابة أربعة أشهر على بدء حركة الاحتجاج والتظاهر السورية، وطوال تلك الفترة، قوبلت الحركة برد عنيف من جانب السلطات، شملت عمليات إطلاق النار، وهجوما على المتظاهرين وتفريقهم بالقوة، ما تسبب بقتل نحو ألفين منهم وجرح آلاف آخرين، صار بعضهم معوقين، كما اعتقل نحو خمسة عشر ألفاً، وهناك عشرات الآلاف صاروا في عداد المطلوبين بسبب مشاركتهم في حركة التظاهر والاحتجاج وتداعياتها.

ووسط تفاعلات حركة الاحتجاج والتظاهر الشعبي مع عمليات القمع الواسع الذي تتابعه السلطات، برز خطاب سوري رسمي وشبه رسمي، كان في الأهم من وجوهه جزء من حركة الاشتباك بين المتظاهرين والنظام، بل هو تتمة لحالة الاشتباك في جانبيها الدعاوي – التعبوي.

ويتوزع الخطاب السوري إلى مستويين، مستواه الأول، هو خطاب رسمي عبرت عنه أقوال كبار المسؤولين السوريين وبيانات رسمية، والمستوى الثاني يمثله الأداء الإعلامي عبر ما تداولته الوسائل الإعلامية، ولاسيما محطات التلفزة، من رسمية وخاصة، سعت في مباريات مكشوفة لتجسيد الخطاب الرسمي، وهو أمر شارك في القيام به بعض من إعلاميين وأساتذة جامعات، جعلوا أنفسهم ناطقين غير رسميين باسم السلطة للتعبير عن مواقفها ودعماً لهذه المواقف عبر شبكة من وسائل الإعلام العربية، بما فيها محطات وصفها الخطاب الرسمي بأشد الصفات بشاعة.

لقد ركز الخطاب الرسمي بصورة إجمالية على مواجهة حركة الاحتجاج والتظاهر من زوايا مختلفة، فهو وإن اعترف بأحقية بعض مطالبها وضرورة الاستجابة لها، فقد ركز على عدم مشروعية التظاهرات وخاصة لعدم حصولها على الترخيص من جانب وزارة الداخلية، وأضاف إلى ذلك تحميلها مسؤولية "تخريب" الأملاك العامة والخاصة، ومسؤولية قيام مسلحين بالاندساس داخل التظاهرات، الأمر الذي يعني ضمناً تحميل المتظاهرين مسؤولية قتل وجرح عناصر الأمن والجيش الذين سقطوا في الأحداث أو بعضهم على الأقل، وجرى التركيز على تحميل "العصابات المسلحة" و"الجماعات السلفية" مسؤولية أعمال القتل التي تتم للمتظاهرين وعناصر الأمن والجيش، ولو أن الخطاب الرسمي، اعترف في مرات قليلة بمسؤولية أفراد من الأمن عن قتل متظاهرين ومحتجين.

وامتدح الخطاب الرسمي في جانب آخر سياسات النظام الخارجية والداخلية، مبرزاً في الجانب الداخلي من تلك السياسة فكرة تعرض البلاد لمؤامرة أساسها خارجي، وجدت لها أدوات في الداخل، وقد أشير مرات إلى أطراف المؤامرة الخارجية، فكان بينهم دول وشخصيات عربية، وأطراف إقليمية ودولية، وجرى تقديم بعض حيثيات وتفاصيل تتصل بموضوع المؤامرة التي تتعرض لها سوريا. ومقابل الحديث عن المؤامرة الخارجية وأدواتها المحلية، ركز الخطاب على تواصل السلطة وموقع الرئاسة فيها على التواصل مع فئات المجتمع ولاسيما الشباب، والتفاعل مع المتطلبات المعبر عنها، بالتزامن مع الإعلان عن خطوات إجرائية تتصل بالحياة اليومية للسوريين، مثل إصدار عفو متكرر عن سجناء بأحكام جنائية وجزائية، ورفع حالة الطوارئ المعلنة منذ عام 1963، إضافة للحديث عن إصلاحات في الأطر الدستورية والسياسية، الأمر الذي يعد بتغييرات مهمة في الحياة السورية لاحقاً، لكن مع تأكيد أن هذه التغييرات ستتم في إطار النظام القائم، وليست بعيدة عنه.

غير أنه لا بد من تأكيد يتصل بالخطاب الرسمي، بدا كأنه جزء منه، وهو تأخره وعدم انتظامه في إعلان مواقفه من الأحداث والتطورات، رغم أهمية الظروف التي كانت تتطلب موقفاً رسمياً، يمكن أن يؤثر على الحدث في لحظته. وأدى تأخر الموقف الرسمي إلى تجاوز التطورات، والانتقال إلى وقائع جديدة، كما أن بطء تفاعل الخطاب مع الأحداث والتطورات الجارية، ترك آثاراً سلبية في اتجاهات متعددة وخاصة على سلوكيات ومواقف النظام والجمهور والمعارضة جميعا.

وإذا كان الخطاب الرسمي رسم الملامح الأساسية في مساره ومحيطه، فقد تكفل الإعلام بوسائله المختلفة وخاصة الإعلام الفضائي بإعطاء الخطاب تفاصيله مع مسحة أكثر تشداً وتطرفاً، الأمر الذي جعل أغلب مواده تأخذ طابع التحشيد والتجييش، وتعميق الانقسام بين السوريين إلى مؤيدين ومعارضين هم في حالة اشتباك عنيف وسط تركيز على فضائل الأولين وارتكابات الآخرين، بل ومسؤوليتهم عن كل ما يتم ارتكابه، وفي هذا يمكن القول، إن الإعلام السوري في مقاربته الخطاب الرسمي، ذهب في كثير من المراحل خارج ذلك الخطاب، مختلقاً معطيات ووقائع بعيدة عن الحقيقة، وبالإجمال فقد أساء إلى ذلك الخطاب، بأن حمله مسؤوليات ومواقف لم يتقدم الخطاب الرسمي لتحملها وخاصة في الموقف من قوى المعارضة السورية، التي ابتعد الخطاب الرسمي عن التشهير بها.

وقد أضاف بعض من إعلاميين وأساتذة جامعات، بصماتهم إلى الخطاب السوري، بعد أن نصبوا أنفسهم ناطقين غير رسميين باسم السلطة بهدف التعبير عن مواقفها ودعماً لهذه المواقف، وجل ما فعلوه أن حملوا الخطاب أعباء فوق أعبائه، وهم ذهبوا في هذا أبعد مما ذهبت الأجهزة الإعلامية، فقدموا خطاباً مليئا بالشتائم والأكاذيب وتزوير الوقائع والمعطيات، مما أساء إلى الخطاب الرسمي ووسع دائرة خصومه في مستويات مختلفة، وألقى عليه أثقالاً تضاف إلى مشاكله في المضامين وضعف مسؤوليته وتأخره الزمني وارتباكه في الأداء.
"السفير"
 

التعليقات