17/07/2011 - 11:23

السودان سودانان... فماذا بعد؟ (1/3)../ عبد اللطيف مهنا

أخيراً، وفي المسألة السودانية، آلت الأمور إلى أن يحقق طرفان في الصراع الشمالي الجنوبي هدفهما الذي تعاضدا وحاربا لعقود اجتهاداً من أجل إنجازه، إلا وهو فصل جنوب السودان عن شماله. حيث تم إعلان قيام جمهورية جنوب السودان المستقلة، وكان أول من اعترف بقيامها، وحتى قبل إعلانه رسمياً، هي الخرطوم، بل شارك الرئيس السوداني على رأس وفد شمالي في احتفالية هذا الإعلان، وخاطب حشده بلغة ودودة متصالحة ومتسامحة لم يقابلها رئيس مستجد هذه الدولة "الأفريقانية" التوجه حتى العظم بمثلها، فاستحض رصاحبها، فيما هو أقرب إلى الخروج عن اللياقة، مشكلات شمالية شمالية من المفترض أنها لا تهمه بعد اليوم، من مثل جنوب كردفان، ودارفور، والنيل الأزرق، وبالطبع دون أن ينسى أبيي...

السودان سودانان... فماذا بعد؟ (1/3)../ عبد اللطيف مهنا
أخيراً، وفي المسألة السودانية، آلت الأمور إلى أن يحقق طرفان في الصراع الشمالي الجنوبي هدفهما الذي تعاضدا وحاربا لعقود اجتهاداً من أجل إنجازه، إلا وهو فصل جنوب السودان عن شماله. حيث تم إعلان قيام جمهورية جنوب السودان المستقلة، وكان أول من اعترف بقيامها، وحتى قبل إعلانه رسمياً، هي الخرطوم، بل شارك الرئيس السوداني على رأس وفد شمالي في احتفالية هذا الإعلان، وخاطب حشده بلغة ودودة متصالحة ومتسامحة لم يقابلها رئيس مستجد هذه الدولة "الأفريقانية" التوجه حتى العظم بمثلها، فاستحض رصاحبها، فيما هو أقرب إلى الخروج عن اللياقة، مشكلات شمالية شمالية من المفترض أنها لا تهمه بعد اليوم، من مثل جنوب كردفان، ودارفور، والنيل الأزرق، وبالطبع دون أن ينسى أبيي...
 
 الطرفان المحتفلان بما فازا به، وخاطبا العالم بلغة المنتصر هما، الغرب وإسرائيله من جهة، والانفصاليون الجنوبيون، الذين تمردوا وحاربوا السودان الواحد منذ إعلان استقلاله وحتى البارحة، ومعهم بأقوى الإيمان تارة وأضعفه أخرى كل "أفريقانيي" شرق إفريقيا، من البحيرات العظمى وحتى المحيط الهندي، وبعض وسطها، وكثير من الجوار السوداني، أو كل هؤلاء الذين لم يكن من شأنهم يوماً كتمان مشاعرهم العنصرية ضد العرب، تلك التي زرعها وغذاها استعمار الأمس المباشر، تاركاً للإرسالات وما يعرف بالهيئات الإنسانية، إلى جانب تجليات هذا الاستعمار المحدثة غير المباشرة، أو امتداداته العصرية، وما يوصف بالخبراء والمستثمرين الصهاينة، مهمة رعايتها ومواصلة تغذيتها.
 
 وعليه، يمكن هنا تفسير ما قوبل به هذا الحدث السوداني التقسيمي من حماسة دولية منقطعة النظير، لم تشهد القارة السوداء لها مثيلاً في تاريخها، اللهم إعلان سقوط نظام "الأبارتهيد" في جنوب إفريقيا وقيام جنوب إفريقيا المانديلية.
 
بدا الغرب في احتفالية جوبا، وقبلها وبعدها في عواصمه البعيدة، يهنئ نفسه على نجاح سياسة تليدة اتبعها، ولم تن إسرائيله، المبتهجة لبتر جزء من جسد هذه الخارطة العربية المثخنة بجراحها، عن إبداء، عبر إتصال هاتفي من نتنياهو بسيلفا كير ميارديت، نخوة واستعداد لعون هذا المستجد المبتور المنفصل وشد أزره، وسارعت الأمم المتحدة "الغربية" الراهن لإرسال قواتها لحفظ سلامه مما قد يتهدده، وقد بدا ذلك رداً منها على طلب الخرطوم إنهاء مهمة القوات الدولية المتواجدة بناءً على اتفاقية سلام مشاكوس بعد أن استوفت شروط بقائها بانتهائه الذي حددته هذه الاتفاقية، أو إثر هذا الانفصال، ثم لم تتوان في جلسة احتفالية بإعلان قبولها عضوية الدولة المستجدة بعد خمسة أيام فقط من إعلان قيامها.
 
وكانت حتى تلك الأطراف الدولية الأخرى، التي كانت ولزمن، لأسبابها البراغماتية، مع وحدة السودان، لم تن في المسارعة لمزاحمة الغرب في بهجته الاحتفالية بالمولود الجديد، ولدواع لا تخفى على أحد وفي مقدمتها حرصها على الفوز بنصيبها من نفطه وثرواته الدفينة الأخرى، وكعكة بناء بناه التحتية شبه المعدومة الآن. كما لم يشذ حتى العرب عن ما كان من كل هؤلاء، حيث خفوا فرادى، وجامعتهم مجتمعة، والتي عرضت ضم الوليد إلى عديد عتاق الجامعة التي جمعت ولم تجمع عربها، لمشاركة المحتلفين احتفاليتهم، ملوّحين للوليد الإفريقي الجديد بإخراج أيديهم من جيوبهم الملأى بما يشتهي، كما غطت بعض فضائياتهم فرحة قدومه الميمون بكرمها الإعلامي الحاتمي.
 
 انتهىت الاحتفالية وانفض المحتفون، وتوالت عودة وفود المهنئين من حيث أتت، تاركة وراءها أكداساً من الوعود تبشر الجنوبيين بغد مشرق عزيز، لعل جلّها، على الأقل، وعود لا تختلف حظوظ ترجمتها عن شبيهتها التي درج الغرب تحديداً على قطعها بسخاء في هكذا مناسبات، لا سيما تلك الاقتصادية منها، أو تلك التي كان الهدف منها الحث على الانفصال، والتي سوف تتبخر بأسرع مما تفعل مياه المستنقعات الاستوائية في مواسم جفاف القارة.
 
...فماذا بعد؟ أو ماذا بعد ذهاب السكرة، أو نشوة الانفصال؟ لعله سرعان ما جاءت الفكرة، أو هذا السؤال الكبير المطروح على السودانيين شمالاً وجنوباً، وهو: أحقاً أن السلام المنشود قد تحقق؟ أو هذا المتعلل به، شمالاً وجنوباً، وشمالاً أكثر، لسبب التوقف عن مواصلة حروب ما ينوف عن نصف قرن، ولو بتقسيم الوطن، و ما مهدت له اتفاقية نيفاشا، التي عقدت برعاية من غرب المحتفين اليوم بيوم الانفصال وفوز أفريقانييه؟!هل انتهت إلى غير رجعة حروب الطرفين وكوارثها وأحقادها، بحيث يسفر الأمر الواقع الجديد عن دولتين جارتين تحافظا على روح الروابط العديدة التي نسجها تاريخ السودان الواحد قبل انشطاره، رغم أن هذه الروابط التي لم تشفع لوحدته ولم تحمها، ومع هذا نسمعهما تتغنيان بها وتتحدثان قولاً معسولاً عن المصالح المشتركة المتشابكة ومفترض التكاتف الذي تستدعيه مثل هذه الروابط وهذه المصالح؟!
 
للإجابة غير السهلة على هذه الأسئلة، يمكننا القول ودونما تردد، أنه بالإمكان تعداد ما ينوف عن ستة عشر مشكلة نيفاشوية التركة لا زالت مؤجلة، أي لم تحل بعد، الأمر الذي لا يبشر، بل وفيه ما ينم عن مبيت نوايا سيئة، وفيه ما لا يخفى من انعدام ثقة متبادلة ليس هناك ما يستر سطوتها... كما يؤشر على تليد أحقاد دفينة لدى الجنوبيين تحديداً... إذن، والحالة هذه، ما الذي أنجز حتى الآن من بنود اتفاقية السلام العتيدة سوى واقع الانفصال؟ وهذا السؤال يستدعى آخر، وهو، السودانان، شمالاً وجنوباً، إلى أين؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقالنا القادم...

التعليقات