28/07/2011 - 10:17

قراءة في الموقف الإسرائيلي من إعلان دولة جنوب السودان../ ماجد عزام*

تعاطت إسرائيل مع إعلان دولة جنوب السودان بما يشبه الاحتفاء، مع تعمّد إبداء تحفّظ رسمي، وحرص على عدم الظهور العلني في الصورة قدر الإمكان، وحتى تأخير الاعتراف الرسمي بالدولة الوليدة إلى ما بعد الاعتراف الأمريكي والأوروبي بها. أما إعلامياً، فلم يتمّ إخفاء الرضى تجاه الحدث، مع قراءات واجتهادات لاستخلاص العِبَر وإسقاطها على الصراع العربي- الإسرائيلي، كما فعل يوسي بيلين ودوري غولد. وعموماً، ليس ثمّة اختلاف جدّي وعميق بين القراءتين الرسمية والنخبوية

قراءة في الموقف الإسرائيلي من إعلان دولة جنوب السودان../ ماجد عزام*
تعاطت إسرائيل مع إعلان دولة جنوب السودان بما يشبه الاحتفاء، معتعمّد إبداء تحفّظ رسمي، وحرص على عدم الظهور العلني في الصورة قدر الإمكان، وحتى تأخير الاعتراف الرسمي بالدولة الوليدة إلى ما بعد الاعتراف الأمريكي والأوروبي بها. أما إعلامياً، فلم يتمّ إخفاء الرضى تجاه الحدث، مع قراءات واجتهادات لاستخلاص العِبَر وإسقاطها على الصراع العربي- الإسرائيلي، كما فعل يوسي بيلين ودوري غولد. وعموماً، ليس ثمّة اختلاف جدّي وعميق بين القراءتين الرسمية والنخبوية. ويمكن، بالتالي، عرض القواسم المشتركة بينهما على النحو الآتي:
 
- كما أسلفنا، حرصت إسرائيل الرسمية على النأي بنفسها عن الحدث، فلم ترسل مندوباً لحضور مراسيم الإعلان عن الدولة الجديدة، كما لم تبادر إلى الاعتراف السريع بها، وانتظرت إلى ما بعد قيام أمريكا والاتحاد الأوروبي بذلك. وحسب ما تسرّب، فإن تل أبيب سعت كي لا تظهر في الصورة، وكي لا يتمّ تحميلها أو اتهامها بالمسؤولية عن تقسيم أكبر دولة عربية، من حيث المساحة، أو التدخّل الفجّ والعلني في الشؤون العربية في هذه المرحلة الحساسة. علماً أن الحقيقة عكس ذلك، كما اعترف القيادي الجنوبي جوزيف لاغو الذي قال لـ"هآرتس" إن تل أبيب فتحت قناة اتصالات مع الجنوبيين منذ عقود طويلة، خمسة على الأقل. وجاء ذلك، كما عقّبت الصحيفة، ضمن تصوّر بن غوريون لضرورة إقامة تحالف أو علاقات راسخة مع الدول المؤثّرة المحيطة بالعالم العربي، مثل: تركيا وإيران وأثيوبيا. وكان التعاطي مع المتمردين الجنوبيين سابقاً، وحتى مع شخصيات شمالية، ضمن هذا السياق.
 
- مع ذلك، حاولت إسرائيل إسقاط الحدث السوداني على الصراع في فلسطين، واعتبرت أنه يساعدها في الجدال مع السلطة والمجتمع الدولي حول استحقاق أيلول، ونيّة الأولى التوجّه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة المستقلة ضمن حدود حزيران/ يونيو 67. وتمّ التركيز على فكرة أن الدولة الوليدة لم تأت في سياق أحادي، إنما هي نتاج للتفاوض والتفاهم بين الأطراف المتنازعة. النموذج نفسه ينبغي اتباعه، إذن، تجاه الدولة الفلسطينية التي لا ترفضها إسرائيل من حيث المبدأ.
 
 -سبب مهم آخر للرضى الإسرائيلي عن إعلان الدولة الجديدة يتمثّل بملف اللاجئين السودانيين والأفارقة في إسرائيل، والذين اعتبرهم نتن ياهو بمثابة تهديد إستراتيجي ووجودي ليهودية إسرائيل؛ كونها الوحيدة من دول العالم الأول التي يمكن الوصول إليها من دول العالم الثالث سيراً على الأقدام. علماً أن ثلثي اللاجئين السودانيين-يتراوح عددهم بين ثمانية وعشرة آلاف- هم من جنوب السودان. وقد شرعت إسرائيل في العمل على الفور، وستحمل أول رحلة مباشرة من تل أبيب إلى جوبا في منتصف أيلول/سبتمبر القادم على متنها، إضافة إلى عدد من أعضاء الكنيست، مجموعة من اللاجئين بتذكرة سفر باتجاه واحد، مع مساعدة مالية ، ووعد بتوفير فرصة عمل في الفترة القادمة. علماً أن منظمة "عون" الإسرائيلية غير الرسمية ستتولى الإشراف، بالتعاون مع منظمات خيرية يهودية عالمية، على تقديم المساعدة للضعفاء والمشردين فى الدولة الجديدة التي تعتبر أفقر دول العالم على الإطلاق.
 
 - رغم التحفّظ والاعتراف المتأخر نسبياً، إلا أن إسرائيل قرّرت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع دولة جنوب السودان، ويفترض أن يتمّ الأمر خلال الفترة القادمة، وإن بشكل غير متعجّل، وهذا ما وقف، برأيي، خلف تصريحات الوزير جدعون عيزرا ونائب الوزير داني ايلون اللذين أشارا إلى فوائد استراتيجية لإسرائيل، من قيام الدولة الجديدة والتواجد الإسرائيلي العلني فيها عبر بعثة ديبلوماسية وجمعيات شبه رسمية و أهلية تشرف على تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية فيها.
 
 وعوضاً عن الفائدة السياسية، وحتى الأخلاقية والإنسانية من مساعدة الفقراء وإعادة توطين اللاجئين، لا يمكن تجاهل الفائدة الأمنية والإستراتيجية من التواجد في هذه المنطقة الحساسة، التي يمكن لإسرائيل عبرها مراقبة والتأثير على ما يجري ليس فقط في السودان،روإنما في القرن الأفريقي بأكمله، بما في ذلك البحر الأحمر وحتى مصر أيضاً، على اعتبار أن البوابة الجنوبية للأمن القومي لها تبدأ من جنوب السودان ومنابع النيل بالقرب منها.
 
- رغم ذلك، فقد كان الخلاف التقليدي الإسرائيلي بين بقايا اليسار واليمين الصاعد والمهيمن والنافذ حاضراً أيضاً في المسألة السودانية، فالوزير السابق يوسى بيلين اعتبر إعلان الدولة الجديدة بمثابة نجاح للأمم المتحدة ينبغي الاستفادة منه في المفاوضات مع الفلسطينيين بدلاً من المنهج التقليدي القائم على إقصاء وتهميش المنظمة الدولية بوصفها مجرد قفر، حسب التعبير الشهير لبن غوريون، بينما لم ير السفير السابق فى المنظمة نفسها دوري غولد هذا الأمر، بل نظر إلى انفصال جنوب السودان بصفته جزءاً من سيرورة تقسيمية ستطال دولاً عديدة ومهمّة من العالم العربي. وبين السطور، تبنّى غولد نظرية نتن ياهو عن عبثية التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات أو تقديم التنازلات لكيانات هشّة في طور الانهيار والاضمحلال.
 
في الأخير، لا يمكن تجاهل أن ما جرى في السودان لجهة تقسيم البلد إلى دولتين يصبّ في النهاية في المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية، وحتى لو لم يكن ذلك دائماً نتيجة للعبقرية اليهودية، وحسب عبارة شارون الشهيرة والساخرة "لا ينبغي أن تقف تلك العبقرية وراء كل الإنجازات التي يمكن تحقيق بعضها بغباء و أخطاء الآخرين".

التعليقات