04/08/2011 - 09:56

العربية لغة الأرض والشعب../ جوني منصور

يزداد يومًا بعد يوم عدد السياسيين الفنانين في ابتداع واختراع قوانين عنصرية للحد من وجود وتحرك وتطور وثقافة العرب الفلسطينيين في إسرائيل. وما زالت آلة العنصرية تعمل بكثافة قوية وبوتيرة متصاعدة من خلال تشريع قوانين عنصرية لم تعرفها أي دولة في العالم لا حاليا ولا ماضيا. ويعتقد عدد من المراقبين أن هذه القوانين ترقى في عدد منها إلى درجة العرقية والابارتهايد

العربية لغة الأرض والشعب../ جوني منصور
 
·        آلة العنصرية في اسرائيل
يزداد يومًا بعد يوم عدد السياسيين الفنانين في ابتداع واختراع قوانين عنصرية للحد من وجود وتحرك وتطور وثقافة العرب الفلسطينيين في إسرائيل. وما زالت آلة العنصرية تعمل بكثافة قوية وبوتيرة متصاعدة من خلال تشريع قوانين عنصرية لم تعرفها أي دولة في العالم لا حاليا ولا ماضيا. ويعتقد عدد من المراقبين أن هذه القوانين ترقى في عدد منها إلى درجة العرقية والابارتهايد.
 
·        طرح مشروع إلغاء شرعية العربية
 
وطلع مؤخرًا نائب برلماني في الكنيست الاسرائيلي آفي ديختير بمشروع قانون إلغاء كون اللغة العربية رسمية في إسرائيل، وخلق معايير أخرى للحد من التعامل مع هذه اللغة والتعامل بها من قبل مواطني اسرائيل العرب. هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها قوانين أو مقترحات لقوانين للحد من حركة وتحرك الأقلية القومية.
 
·        لفهم أفضل للمشروع
ونطرح في هذه المقالة مجموعة من الأفكار والطروحات والتحليلات لفهم ما وراء هذا القانون وما يتوجب علينا كمجتمع عربي فلسطيني القيام به إزاءه من تصد ومواجهة، والعمل على نشر استعمال اللغة العربية داخل مجتمعنا تحصينا له وحماية لموروثه الحضاري والثقافي والإنساني.
 
·        اللغة أداة تفكير وتعبير ومقاومة
 
واللغة في أساسها ليست أداة لفظية للتعبير المادي إنما هي أداة تفكير وتعبير عن مجموع الأفكار والتوجهات والرؤى لشعب ما أو شريحة أو مجموعة. وينبع عن اللغة تكوين وتطوير أدب إنساني. وفي الحالة التي نحن فيها يتكون بواسطة اللغة ومن خلال اللغة أدب المقاومة الداعي إلى التمسك بالقومية. وهذه النزعة هي عبارة عن فكر وتوجه وآلة لتعريف الذات وتأكيدها، وعنصرًا من عناصر المقاومة لما يهدف إلى إلحاق الضرر بها أو طمسها وإخفائها.
 
وتجسد هذه النزعة القلق الاجتماعي إزاء الهيمنة الإسرائيلية وفرض اليهواسرائيلية على الأقليات الأصلانية، وبالتالي تراجع اللغة العربية واختفاؤها من المشهد العام واقتصارها في مرافق ومنشآت محددة فقط.
 
·        إفلاس أخلاقي إسرائيلي
 
 وتوجه ديختر في هذه الحالة هو عبارة عن السعي الإسرائيلي إلى استخدام الثقافة كأداة هيمنة وهو دليل على إفلاس السلطة وفشلها في إسكات الأصوات المهشمة، وفي هذه الحالة الأصوات العربية الفلسطينية في إسرائيل. 
 
·        شرائح مجتمعية عربية تتماهى مع الاسرالة
 
 ولا يقتصر أمر تحديد التعامل مع العربية كلغة على توجهات عنصرية إسرائيلية إنما هناك بعض شرائح المجتمع العربي في إسرائيل والمستفيدة مباشرة من علاقات اقتصادية واجتماعية مع أفراد وشركات ومؤسسات إسرائيلية تدعو إلى نبذ العربية وقبول العبرية والنظام الحياتي الإسرائيلي كثقافة حداثوية مستنيرة. وهذا ما تعمل عليه المؤسسة الإسرائيلية في سبيل تفتيت الثقافة العربية بواسطة تفكيك مركباتها، واللغة هي أحد هذه المركبات المركزية، حيث أنها ليست لغة للخطاب إنما للتفكير ولتأكيد الوجود والحضور. 
 
·        تعميق القوانين العنصرية وانزياح المجتمع في إسرائيل إلى اليمين
 
إن محاولة/عملية نزع الشرعية عن العربية لغة تنساق ضمن مسار مشاريع القوانين العنصرية التي تميز بها الكنيست الإسرائيلي في دورته الحالية وقبلها.
 
 وهذه العملية تؤكد نزعة اليمين المتطرف في إسرائيل والمتمثل بكافة الأحزاب الصهيونية في الكنيست بما فيها ما يسمى بـ"أحزاب المركز والوسط".
 
جنوح هذه الأحزاب هو مرآة لجنوح المجتمع الإسرائيلي عامةً نحو اليمين المشبع بالتطرف والعنف ونبذ وجود العرب، بل الدعوة إلى التخلص منهم ومن ثقافتهم ولغتهم.
 
الخطورة في نزع الشرعية عن العربية في تكوين شريحة واسعة من العرب في إسرائيل بالعربية دون الانتماء للهوية العربية.
 
إنّ طرح مشروع نفي ونزع شرعية اللغة العربية يندمج أيضًا في عملية تأسيس مركزية جديدة مضادة رافضة المشاركة في معابر ثقافية بين الإسرائيليين والعرب.
 
وإن التمسك بفكرة القومية هو من العوامل المقاومة للاستعمار الثقافي الذي تحاول المؤسسة الإسرائيلية عبر العقود الستة ونيف منذ إقامة إسرائيل فرضه، لذلك فإن هذه الفكرة في حد ذاتها عنصر وقائي لحماية الأمة من الطمس الثقافي والحضاري.
 
·        ماذا وراء مشروع ديختر؟
 
لذا فإن نزع الشرعية عن اللغة العربية كما يطرحه ديختر يؤكد ما يلي:
أولا: الخوف الشديد الذي يعتري المؤسسة الإسرائيلية بكافة دوائرها من ازدياد الوعي القومي العربي للفلسطينيين في إسرائيل، وهذا معناه تمكين الوعي اللغوي وأهمية اللغة كأداة تفكير ومقاومة. (وديختر أشغل منصب رئيس الشاباك سابقًا والعارف بتفاصيل كثيرة حتى في هذا السياق).
 
ثانيًا: فرض الهيمنة الكولونيالية على الأقلية الأصلانية في إسرائيل كجزء من لعبة جعل إسرائيل يهودية صرفة.
 
ثالثًا: تطويع العرب في إسرائيل وسلخهم عن حضارتهم ومحيطهم. وبالتالي تكوين شخصية عربية فاقدة لغتها وحضورها التاريخي والحضاري.
 
رابعًا: رد واضح من طرف المؤسسة الإسرائيلية على كشف الأخطاء اللغوية والمضامينية في مناهج وكتب التدريس. وحتى هذه اللحظة ما زالت المؤسسة الإسرائيلية رافضة الاعتراف إلى الآن بهذه الأخطاء الرهيبة.
 
خامسًا: نزع شرعية اللغة العربية بقانون برلماني سيؤدي إلى إعادة إنتاج هوية ثقافية للعربي في إسرائيل تتناغم مع سياسات وتوجهات المؤسسة الإسرائيلية. هذا ما أدركته هذه المؤسسة في أن العرب الفلسطينيين في إسرائيل هم الورقة الأصعب واللاعب الأشد في غمار الصراع الإسرائيلي العربي.
 
وبناء عليه ندرك تمامًا أن التوجه ليس محصورًا في الانزياح الفكري السياسي والاجتماعي في إسرائيل نحو اليمين فحسب، بل الشروع في تفكيك الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل والتي تشكل حجر عثرة أمام إتمام وإنجاز المشروع الصهيوإسرائيلي بجعل إسرائيل يهودية خالصة.
 
ويدرك ديختر وغيره من أعضاء الكنيست وهم يمثلون قطاعات واسعة من الجمهور في إسرائيل أن اللغة هي أداة تكوينية للمتحدث بها وهي شخصيته الإنسانية وحضوره التاريخي والوجودي، وان استمرار الاعتراف بها رسميًا أو اعتبارها لغة رسمية معناه فقدان مشروع يهودية إسرائيل لمكوناته الأساسية.
 
·        إلغاء شرعية العربية تمهيدا لإلغاء شرعية الفلسطينيين في وطنهم
 
 من جهة أخرى، فإن عدم نجاح المؤسسة الإسرائيلية عبر حكوماتها المتعاقبة في ترحيل من بقي من الشعب العربي الفلسطيني على أرضه، هو مُحرّك لخلق آليات بديلة للترحيل بلوغًا الترحيل ذاته في يوم من الأيام. ومن بين هذه الآليات تشريع القوانين وتضييق الخناق على البلدات العربية بمنع توسيع مسطحاتها العمرانية ومنع تطوير اقتصادها والإبقاء على العرب الفلسطينيين كقوة عمل سوداء لن يُسمح لها ببلوغ مستوى الشراكة واتخاذ القرارات المصيرية، واعتبار العربي الفلسطيني مواطنا ناقصا.
 
·        دور المؤسسات والقيادات العربية في مواجهة هذا المشروع
 
ومن هنا ينبغي على القيادات السياسية والاجتماعية والتربوية وجموع المثقفين العرب الفلسطينيين في إسرائيل التصدي لهذا المشروع ومنع تنفيذه، لأن شرعية اللغة العربية ليست مستقاة من اسرائيل، هي سابقة لإسرائيل بالمفهوم الزمني والوجودي والحضاري والتاريخي، وهي لغة هذه الوطن الأصلية والمحيط القريب منه.
 
وبناء عليه يتوجب حالًا ودون أي تأخير رص الصفوف وجمع القوى لتدارس الرد على هذا المشروع. ومن جهة أخرى، يجب العمل على تعميق حضور اللغة العربية في مؤسساتنا الخدمية على مختلف أنواعها، وأن تكون هذه اللغة حاضرة في مراسلاتنا الرسمية وفي المشهد العام في قرانا ومدننا. وبالتالي ندعو كل أبناء شعبنا إلى الاهتمام بهذا الأمر وعدم تركه جانبًا وكأنه نزوة سياسية عابرة.
 
علمتنا الأيام الخوالي أن المجتمع الإسرائيلي شعبًا وقيادة قد انزاح نحو التطرف والعنصرية، وهذا دليل على ضعف في التعاطي مع الواقع والوقائع. ونحن بالمقابل يجب أن نرد على المشروع برفضه كليًا، وان نعمل على جعل اللغة العربية محور حياتنا فكرًا وممارسة.      

التعليقات