10/08/2011 - 10:03

في صدد الاحتجاج الإسرائيلي: نحن شعب وليس اتحاد عمال../ إمطانس شحادة

بمعنى آخر، تغيير المكانة السياسية والقانونية هو شرط ضروري لتغيير المكانة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينين في الداخل لا العكس. وهذا يمكن أن يتحقق من خلال عمل جماعي تحت سقف جسم تمثيلي للفلسطينيين في الداخل، يضع مطالبنا الجماعية المتفق عليها ويطرحها على المجتع الإسرائيلي، واذا قبل بها كسقف أدنى لحراك نضالي مشترك، فليكن. من جهة أخرى، علينا الاستفادة من روح الثورات العربية وتعلم عبرها. أهمها أن تغيير النظام يبدأ بتغيير الذات، وتغيير أساليب النضال، والتحرر من القيود والمخاوف (وهمية أم حقيقية)، والتصرف كمجموعة قومية ذات مصالح وأهداف مشتركة، وأن نتخذ قرارات ومطالب جماعية. علينا أن نتصرف كشعب لا كاتحاد عمال

في صدد الاحتجاج الإسرائيلي: نحن شعب وليس اتحاد عمال../ إمطانس شحادة
تشهد المدن الإسرائيلية في الشهر الأخير حالات احتجاج غير مألوفة وغير مسبوقة في حجمها ونوعية مطالبها. ويندرج هذا الحراك تحت تعريف العمل السياسي الجماهيري غير الممأسس المباشر، أي أنه لم يبدأ من خلال أحزاب أو مؤسسات رسمية، بل بادرت إليه مجموعات سكانية من الطبقات الوسطى.
 
 تتمحور عناوين هذا الاحتجاح حول تحسين الحالة المعيشية للطبقات الوسطى والفقيرة، وخاصة تخفيض سعر المنازل. تطالب حركة الاحتجاج الحالية بإجراء إصلاحات في بنية السياسة الاقتصادية دون تغير النظام الاقتصادي أو السياسي القائم. كما أنها لا تعترض على أهداف المشروع الصهيوني، ولا تربط، على سبيل المثال لا الحصر، بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية وبين سياسات الاستيطان في الأراضي المحتلة أو في الجليل والنقب، ورصد مليارات الدولارات لإغراء العائلات اليهودية الانتقال الى تلك المناطق.
 
وقد حصل هذا بالتوازي مع سياسات تقليص حجم القطاع العام، والتراجع عن تزويد خدمات عامة وتحويلها إلى القطاع الخاص، أو إلى القطاع الثالث، بغية التوفير وتقليص العجز في الميزانية، وضبط الإنفاق العام.
 
ويرى كثيرون أن السياسة الاقتصادية الحالية أخلت بتوازنات ضرورية داخل المشروع الصهيوني كالتوازن بين الحاجة إلى اقتصاد حر والحاجة الى تكافل وتضامن اجتماعي داخل الجماعة اليهودية. المبالغة في سياسات الاقتصاد الحر من جهة والعمل على تشويه حركة السوق بغية تحقيق أهداف قومية من جهة أخرى، أديا إلى خلل في حركة الاقتصاد وتوسيع الفجوات الاقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلي، وتنامي عدم الرضا لدى الطبقات الوسطى.
 
في ظل اتساع الحراك والاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي، بدأت تتعالى أصوات تنادي بمشاركة فعالة للمجتمع الفلسطيني في الداخل في موجة الاحتجاج هذه. وهناك من انضم فعلا ورفع راية تمثيل مطالب المواطنين العرب.
 
 بعض الأطراف السياسية العربية انبهرت من هذا الحراك لدرجة النشوة، وتقوم بحملة صيانة لمشروع متهالك، لإقناع الرأي العام الفلسطيني أن هناك بقعة ضوء في نهاية نفق المجتمع الإسرائيلي يجب التشبث بها واستغلالها لأبعد الحدود. وفي هذا التصرف محاولة لتطبيع ظاهرة غير طبيعية، تعكس خللا عميقا في قراءة وفهم مضامين الاعتصام والاحتجاج الاجتماعي الحاليين في المجتمع الإسرائيلي. فقد قرر هؤلاء، وبسبب تأجج شعلة التفاؤل الثوري الماركسي القفز "للحفلة" لمجرد سماع الموسيقى، والتغاضي عن الكلمات أو عن نشاز اللحن. فالمهم أن هناك موسيقى تعزف.
 
ثمة حاجة لتوضيح الفرق بين حالة المجتمع الفلسطيني ونوعية مطالبه، وبين الاحتجاج داخل المجتمع الإسرائيلي، حتى نموضع نضالنا الاقتصادي-الاجتماعي في سياقه الصحيح. فالاحتجاج الحالي شرعي وفقا لمفاهيم الجماعة الصهيونية ووفقا لقواعد اللعبة المتفق عليها في الجهاز السياسي الإسرائيلي. تتراوح حدود الاحتجاج الحالي بين ترويض النظام الرأس المالي وإخضاعة أكثر إلى مفاهيم العدل الاجتماعي، وما بين استعمال أدوات اقتصادية لبيبرالية لتفكيك احتكارات ما زالت قائمة في الاقتصاد الإسرائيلي.
 
 ربما سيكون هناك استعمال لجهاز الضرائب، بغية تقسيم أكثر عدلا للثروات، تحسين أحوال الطبقات الوسطى والضعيفة وتصحيح التشويه القائم في الدخل، أو تخفيض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات. وفي جميع الحالات لا يتعامل أحد بجدية مع فكرة العودة إلى اقتصاد اشتراكي مركزي تحت سيطرة الدولة، أو تأميم مرافق.
 
من الطبيعي، بل البديهي أن يكون لدينا موقف من هذه الاحتجاجات وأن تكون لدينا مطالبنا. لكن يجب أن تكون المطالب والاحتجاجات ذات صلة مع النضال القومي ومع مطالب جماعية للمجتمع الفلسطيني، دون تجزئة، وأن تربط مباشرًا مع المكانة السياسية والمدنية للفلسطينيين في إسرائيل.
 
 لكي تتغير المكانة الاقتصادية للفلسطينيين يجب أن نطالب، على سبيل المثال لا الحصر، بإيقاف سياسات تهويد الجليل والنقب؛ إبطال قانون منع العرب من السكن في البلدات الجماهيرية الصغيرة؛ إعادة الأراضي المصادرة الى السلطات المحلية العربية والمواطنين العرب؛ إشراكنا في كافة هيئات البناء والتخطيط كممثلي جماعة قومية؛ إلغاء صندوق أراضي إسرائيل؛ إقامة بلدات عربية جديدة؛ إيقاف التعامل مع المواطنين العرب كأعداء؛ إلغاء قانون منع إحياء ذكرى النكبة؛ إلغاء قانون تجريم مقاطعة المستوطنات.
 
وإذا كنا سنخوض نضالا مشتركا، كما يحلو للبعض أن يروج، فيجب أن لا نفرط بالهوية القومية، وأن لا نتنازل عن المطالب القومية. علينا أن نضع السقف الأدنى للنضال المشترك لا أن نبحث عن قاعدة مشتركة في الحد الأدنى لكي تكون مقبولة على الإجماع الصهيوني. أما الاندفاع والتوسل إلى الشراكة والمشاركة بسبب الانبهار بحركة الاحتجاج الحالية، والتنازل عن المطالب السياسية والقومية لكي نقبل في حركة الاحتجاج، فهو أمر معيب.
 
هذا لا يلغي إمكانية نضال مشترك بين المجتمع العربي وأجزاء من المجتمع الإسرائيلي تنطلق من الحاجة إلى تغير النظام القائم لا الاكتفاء بإدخال تعديلات شكلية على بعض السياسيات الاقتصادية الاجتماعة. ومن يطرح مبدأ "خذ وطالب" و"التقدم خطوة خطوة" كتكتيك، فذلك لن يجدي، لأنه حين نصل إلى المواضيع السياسية القومية تنغلق الجماعة الصهيونية على ذاتها وتلتف حول شعلة القبيلة.
 
كذلك يجب على أي حراك سياسي اقتصادي أن يرتكز على قاعدة مواقف وطنية قومية جمعية تطالب المجتمع الإسرائيلي القبول بها كحد أدنى للعمل المشترك. فقد تعلمنا من تجارب الماضي أن أي مطلب ونضال لا يغير المكانة السياسية والقانونية للفلسطينيين هو شكلي فقط. وأن التجاوب مع مطالب اقتصادية اجتماعية للفلسطينيين في الداخل عادة ما تكون مرهونة بمواقف سياسية، وتطبيقها مؤقت ومتعلق برضا الحكومات.
 
 بمعنى آخر، تغيير المكانة السياسية والقانونية هو شرط ضروري لتغيير المكانة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينين في الداخل لا العكس. وهذا يمكن أن يتحقق من خلال عمل جماعي تحت سقف جسم تمثيلي للفلسطينيين في الداخل، يضع مطالبنا الجماعية المتفق عليها ويطرحها على المجتع الإسرائيلي، واذا قبل بها كسقف أدنى لحراك نضالي مشترك، فليكن. من جهة أخرى، علينا الاستفادة من روح الثورات العربية وتعلم عبرها. أهمها أن تغيير النظام يبدأ بتغيير الذات، وتغيير أساليب النضال، والتحرر من القيود والمخاوف (وهمية أم حقيقية)، والتصرف كمجموعة قومية ذات مصالح وأهداف مشتركة، وأن نتخذ قرارات ومطالب جماعية. علينا أن نتصرف كشعب لا كاتحاد عمال.

التعليقات