26/08/2011 - 11:51

المشكلة ليست في خيام تل أبيب/ حنين زعبي

رغم النقاش الحقيقي في بعض الأحيان والمفتعل في كثير من الأحيان فإن هنالك عدة أسباب تجعل التعاطي الجدي مع حركة الاحتجاج الإسرائيلية، وعدم إدارة الظهر لها، أمراً لا جدال فيه، وأهم هذه الأسباب هي:

المشكلة ليست في خيام تل أبيب/ حنين زعبي

رغم النقاش الحقيقي في بعض الأحيان والمفتعل في كثير من الأحيان فإن هنالك عدة أسباب تجعل التعاطي الجدي مع حركة الاحتجاج الإسرائيلية، وعدم إدارة الظهر لها، أمراً لا جدال فيه، وأهم هذه الأسباب هي:

تقاطع بعض مطالب هذه الحركة مع بعض من مطالب المجتمع العربي في البلاد، سرعة واتساع رقعة انتشار هذه الحركة، وجدية تعامل مؤسسات الدولة معها، كل هذه عوامل تتطلب منا أن نتعامل معها كفرصة وكمنبر لطرح مطالبنا وإسماع صوتنا.   

لكن التعاطي الجدي لا يكفل بالضرورة تعاطي منسجم مع مكانتنا القومية والسياسية. والموقف القائل إن علينا أن "نبلور ونطرح مطالبنا"، هو موقف يحظى بإجماع، لكنه لا  يجيب على المقاطع الصعبة من العلاقة مع "روتشيلد"، من حيث مدى تماهينا وإعجابنا بما يحدث. 

قضية كيف نتماهى ونعجب بـ"ثورية" هذه الحركة، وليس كيف نستثمرها سياسيا، هي محور الخلاف الأساسي ليس فقط  داخل الساحة السياسية لدينا، بل حتى في الساحة الداخلية للرأي العام الإسرائيلي، وتحديداً أوساط الشرقيين من اليهود العرب.

الفرق لا يكمن في التعامل السياسي المباشر مع موجة الاحتجاج المتمثل  ببلورة مطالبنا، طرح مطالبنا على القيادة القطرية لحركة الاحتجاج، محاولة التأثير والدفع لأن تتبنى القيادة القطرية لحركة الاحتجاج مطالبنا، وكان ذلك عبر قرار رسمي صدر عن المتابعة في إحدى اجتماعاتها، وتم نقل هذا المطلب في اجتماع آخر مع قيادات الخيمات العربية، التعاون وطرح أوراق أمام اللجنة الاستشارية لقيادة الاحتجاج، إسماع صوتنا للشارع الإسرائيلي وللإعلام الإسرائيلي. 

الفرق يكمن في أربعة مواقع مهمة أخرى: الأول، التعامل مع أهمية تنظيم أنفسنا كأقلية قومية، وأهمية إقامة لجاننا الشعبية وإقامة الخيم كآلية لحشد وتعبئة الجمهور العربي، الثاني، مدى التماهي السياسي وحتى الأخلاقي الكامل مع المحتجين، الثالث: كيفية الربط بين إستراتيجية الحشد والتعبئة النضالية في الشارع العربي وبين مدى الاستجابة لمطالبنا، والرابع: الحرص على تغليب الخلاف على الإجماع، ومحاولة تمويه مواقع الاختلاف السابقة، والتعامل معها وكأنها خلاف على مبدأ "أهمية أن نستثمر الاحتجاج وأن نطرح مطالبنا". 

وفي هذه المواقع الأربعة، كان الاختلاف واضحا، فهنالك من يرى في تطوير حركة احتجاج قوية في الشارع العربي وتعبئة الجمهور العربي وتنظيمه تفصيلا من ضمن "تفاصيل الخصوصية" وكأننا لون من ألوان الطيف الإسرائيلي، ولا يتعامل مع هذا الأمر كإستراتيجية نضال مركزية نابعة من كوننا ضحية مشروع كولنيالي واهل البلاد الأصليين. بينما لا يمكن الفصل بين "طرح مطالبنا" على الشارع الإسرائيلي، وبين تنظيم أنفسنا وتعزيز وإقامة لجان شعبية تحشد الشارع العربي، لأنه في النهاية "طرح المطالب" ليس الهدف، بل قبول المطالب هو الهدف، وقبول مطالبنا حتى من قبل قادة حركة الاحتجاج أنفسهم ومن قبل الحكومة لن يكون دالة للصحوة الأخلاقية للشارع والحكومة الإسرائيليتين، بقدر ما هي دالة لاحتساب المد الجماهيري الذي يكمن وراء هذه المطالب.

لقد كان العامل الوحيد وراء رضوخ حكومة نتانياهو لحركة الاحتجاج، هو قوتها وانتشارها وتوسعها، وهو سيكون أيضا العامل الوحيد لمدى رضوخ الحكومة وحركة الاحتجاج نفسها لمطالبنا كعرب. تنظيم العرب، عبر لجان شعبية موحدة وفاعلة وقاطعة للأحزاب، هو عامل أساسي في هذه الحالة لنجاح المد الشعبي في الشارع العربي.           

أما فيما يتعلق بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في تل -أبيب، فهي تحتاج إلى ما هو أكثر من "طرح المطالب" و"إستثمار حركة الاحتجاج"، و"مخاطبة الآخر"، وإلى ما هو أكثر من الخطوات التي نفذت حتى الآن، ومنها، الاتصال بقيادة حركة الاحتجاج وعرض مطالبنا، والاتصال باللجنة الاستشارية، وتمرير أوراق عمل مهنية من قبل اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية، ومن قبل عدة جمعيات منها، جمعية  الجليل، ومركز التخطيط البديل، وممثلي بعض الخيمات العربية.

الاندماج في "روتشيلد" يتطلب ليس فقط الاتفاق على المطالب العينية، بل يتطلب أيضا الاتفاق على المنطلقات والتصورات والمفاهيم والأخلاقيات التي تحكم هذه المظاهرات ومن يشارك بها. تحتاج هذه المشاركة، في هذه الحالة العينية، حيث ينزل الرأي العام الإسرائيلي بإجماع صلب وشبه كامل، وحيث ينزل محتفلا بوحدته وقوته ومعجبا بعدالته، إلى فعل تماهي أخلاقي حقيقي وكامل مع الشارع الإسرائيلي، كما وتحتاج في هذه الحالة العينية إلى اتفاق مع المنطلقات الأساسية لتعريف "العدالة الاجتماعية" بالمفهوم الذي يطرحه الشارع اليهودي.

فهل يستطيع شعب الخيام أن يتماهى مع شارع الخيام؟ هل نستطيع أن نتماهى مع حركة احتجاج تود إعادة رسم "المجتمع الصهيوني النموذجي"؟ المشكلة ليست خيام "اليهود"، كما قال أحدهم بل المظلة الصهيونية، وإذا أزيحت المظلة يمكن عندها وعندها فقط أن يكون حوار جدي ومثمر مع الشارع الإسرائيلي. 

لا جدال حول استثمار الفرصة، وطرح مطالبنا. ولن يتردد من خرج في يوم الأرض ودفع حياته ثمنا لذلك، أن يطالب ويرفع صوته. لن يتردد من سبق ونصب خيامه في العراقيب واللد والروحة، أن يرفع صوته في نفس الوقت الذي تنصب فيه خيام روتشيلد صوتها، لكنه لا يستطيع أن ينام هناك ويصحو هناك، وكأنه تفصيل من مشهد عام، هو منسجم معه تماما. ونحن لسنا "خصوصية" وجزء من كل، نحن "كل" يتفق مع "كل" آخر، لكن على بعض المطالب فقط، لا أكثر. وبيننا خيام أخرى كثيرة.

فنقاشنا ليس مع حكومة نتانياهو فقط. نقاشنا مع المواقف المهيمنة لمجتمع نتانياهو، حتى في لحظة احتجاج هذا الشعب، لأنه يحتج (فيما يحتج عليه) ليس لأنه يسكن على أرض مصادرة، بل هو يحتج لأن هذه الأرض لا تقدم له بشروط سهلة. وهذا ليس تفصيلا في المشهد.     

حين نتبنى بعض مطالب الاحتجاج، نفعل ذلك ليس من منطق وأخلاقيات حركة الاحتجاج الصهيونية الطابع، التي تنزل بهدف رسم  "ملامح مجتمع صهيوني عادل"، وبهدف "عدالة اجتماعية" أحضر فيها كفلسطينية بالمدى الذي لا تهدد فيه عدالتي  "المجتمع الصهيوني".

هذا النقاش ليس بجديد، بل هو يرقى إلى أن يكون أحد الخلافات الأساسية (وليس الاختلافات) بين من ينظر ويسعى لأن يكون نضالنا جزء من نضال اليسار الصهيوني، ويعتبر نضاله كذلك، وبين من يعتبر نضاله جزءا من النضال الفلسطيني، ويعتبر تنسيقه وتعاونه مع هذا اليسار، مطلبي ومؤقت وليس استراتيجيا وبنيويا. الجماهير الفلسطينية في الداخل ليست لاعب احتياط في فريق اليسار الصهيوني، أنها لاعب أساسي وكل الألعاب تجري في ملعبها هي.

فهل يحل الإندماج في خيام روتشيلد ويحرم اندماج الجبهة في خيمة الناصرة الموحدة؟ 

وهل يحل أن نقوي صوت قيادة المتظاهرين في تل –أبيب ويحرم تقوية صوت موحد لنا عبر لجنة المتابعة وعبر خيام موحدة؟  

وهل يحل وقف مظاهرات روتشيلد لصالح مظاهرات "بيريفيريا" بئر السبع، ويحرم أن نطالب بوقف مظاهرات روتشيلد لصالح "بيريفيريا" الناصرة، وليأت متظاهرو روتشيلد للتظاهر في الناصرة؟  

هل يحل أن يقرر الشارع اليهودي أنه "إذا كانت الحكومة ضد الشعب فإن الشعب ضد الحكومة"، ويحرم أن يقرر الشارع العربي أنه "إذا كان الشارع اليهودي ضد مطالب الشارع العربي، ويصر على العيش على حسابه، فإن الشارع العربي ضد أن يمثله الشارع اليهودي"؟

إن استغلال حملة الاحتجاجات لإبراز مطالبنا، هو محل إجماع. كما أن مطالبنا ببعدها السياسي وببعدها الاقتصادي الاجتماعي أيضا هي محل إجماع، ما هو خارج الإجماع هو المشروع السياسي الأبعد الذي نحمله، واستراتيجيات النضال. بيد أن الخلاف على مشروعنا السياسي العام دون وجود لجنة متابعة وطنية عليا تحيد الخلاف (أو بالأحرى تحجم أضراره السياسية والمعنوية على نفسية شعبنا وهمة نضاله)، هو أمر لم يعد السكوت عليه ممكنا.  

التعليقات