27/08/2011 - 10:25

استحقاق أيلول جزء من الأزمة أم الحل بالنسبة للسلطة؟../ ماجد عزام

على عكس ما يتصوّر كثيرون، لا يمثّل استحقاق أيلول جزءاً من الحل بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وإنما هو تعبير عن الأزمة وشكل من أشكال الهروب إلى الأمام، وطريق التفافي غير مأمون النتائج والعواقب بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وباتت عملية التسوية ميتة سريرياً. ويحتاج الأمر، برأيي، إلى إرادة سياسية وشجاعة شخصية للإعلان الرسمي عن ذلك

استحقاق أيلول جزء من الأزمة أم الحل بالنسبة للسلطة؟../ ماجد عزام
على عكس ما يتصوّر كثيرون، لا يمثّل استحقاق أيلول جزءاً من الحل بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وإنما هو تعبير عن الأزمة وشكل من أشكال الهروب إلى الأمام، وطريق التفافي غير مأمون النتائج والعواقب بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وباتت عملية التسوية ميتة سريرياً. ويحتاج الأمر، برأيي، إلى إرادة سياسية وشجاعة شخصية للإعلان الرسمي عن ذلك.
 
يعني مصطلح "استحقاق أيلول" أن تذهب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة كاملة العضوية ضمن حدود حزيران يونيو 1967 ، وهو ما يفترض حكماً المرور بمجلس الأمن حيث الفيتو الأمريكي المنتظر، أو بدولة غير عضوعلى غرار الفاتيكان وهو الأمر الذي يمكن الحصول عليه عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
 
لم يخف الرئيس عباس يوماً انحيازه إلى خيار التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض، باعتباره الخيار الأمثل لاسترجاع الحقوق الفلسطينية ولو بحدّها الأدنى. وعلى هذا الأساس، خاض الانتخابات الرئاسية الماضية التي نال عبرها الشرعية الديموقراطية المطلوبة والضرورية. وعندما اتضح أن هذا الخيار لم ولن يؤدي إلى أي نتيجة (ما زال الرئيس يحتاج إلى تصريح للخروج من رام الله، وأنا الى تصريح مماثل للخروج من أريحا/ حسب التصريح الشهير لصائب عريقات). لم يتم التوقف ومصارحة الجمهور بالحقيقة واستخلاص العِبر الشخصية والسياسية الملائمة. وبدلاً من ذلك، جرى الهروب إلى الأمام واعتبار استحقاق أيلول غير متناقض مع الخيار التفاوضي، رغم أن الرئيس نفسه كان قد وضعه ضمن الخيارات الست البديلة للتفاوض. وليس من الصعوبة بمكان استنتاج أنه يأتي في مسار منفصل ومناقض تماماً.
 
وحتى عندما تمّ تبنّي فكرة أو خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، لم يجر نقاش مرتّب ومنظّم حوله في أي من مؤسسات "السلطة والمنظمة ". وكل ماجرى بهذا الخصوص كان متأخراً جداً وأقرب إلى النقاش الشخصي بين الرئيس عباس و المعارضين البارزين له، وهما السيدان سلام فياض الذي يرى أن الواقع الحالي لا ينتج سوى" دولة كرتونية" يسمّيها دولة "ميكي ماوس"، وناصر القدوة الذي تمّ التنكيل به عندما جاهر في وقت مبكر برأيه المعارض للخيارات التجريبية، حيث لا يجوز التجريب، لدرجة أن الوكالة الفلسطينية الرسمية "وفا" كتبت افتتاحية حادة وشخصية جداً ضد القدوة ورأيه السالف الذكر.
 
مع كل التحفظات والمعطيات السابقة، وبعدما تمّ فرض الاستحقاق بشكل يكاد يكون جبرياً وقهرياً، ولا يجري التعاطي مع الجمهور الفلسطيني بشكل شفاف ونزيه ولا يتمّ شرح الأمور بصدق وصراحة، فلا أحد يقول مثلاً إن من المستحيل الحصول على دولة كاملة العضوية في ظل التهديد الأمريكي باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، وأن ما سيتمّ غالبا ًهوالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة غير عضو بموافقة ثلتي أعضائها أي مائة وثلاثين دولة ، بينما تعترف الآن بالدولة الفلسطينية مائة وعشر دول تقريباً. والأهمّ من ذلك كله، لا أحد يتحدّث عن صباح اليوم التالي، وأن لا شيء سيتغيّر على الأرض، بل على العكس، قد يزداد الإحباط واليأس، وتبدأ سيرورة تنتهي بانهيار السلطة نفسها وأيضاً دون نقاش مرتب ومنهجي للفكرة، واستعداد وتحسّب لتداعياتها السلبية السياسية والاقتصادية والأمنية على الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني بشكل عام.
 
للأسف، دونما نقاش واستعداد كما ينبغي، بات استحقاق أيلول حقيقة واقعة. ورغم أن الوقت بات متأخراً، إلا أن ما زال بالإمكان سدّ بعض الثغرات؛ عبر بناء أوسع توافق سياسي فلسطيني ممكن. وهذا مرتبط حكماً بالمضي قدماً في عملية المصالحة وإنجاز ما تيسّر من بنودها ومصارحة الشعب بأهداف وآفاق الاستحقاق والاستعداد كما ينبغى لصباح اليوم التالي، مع عدم غضّ الطرف عن ضرورة، بل وحتمية الإجابة عن أسئلة السلطة المنظمة والمقاومة، وعدم الخجل من حقيقة أن السيرورة السياسية القائمة منذ أوسلو حتى الآن، كما البيئة الإقليمية والدولية الناتجة عن الربيع العربي لا تترك مجالاً لأكثر من مقاومة جماهيرية شعبية سلمية (نموذج بلعين والانتفاضة الأولى) انتظاراً او استعداداً لتغيّر موازين القوى الإقليمية بشكل يسمح بتبنّي مقاربات مختلفة للصراع وكيفية إدارته وصولاً إلى حله بشكل نهائي.

التعليقات