12/09/2011 - 13:09

تركيا: توازن القوة../ عمرو الشوبكي

علينا أن نستلهم (ولا نقول ننقل) الخبرة التركية في البناء الداخلي أولاً ونحن ندير صراعنا مع إسرائيل، فتركيا امتلكت الجرأة في اتخاذ قرار حقيقي له ثمن وتبعات مثل طرد السفير، ولكنها لم تقتحم السفارة ولم تلق أوراقها في الشارع، وعلينا أن نفكر فيما هو جاد لصالح كرامة مصر وما هو عبثي وضار

تركيا: توازن القوة../ عمرو الشوبكي
اتخذت تركيا مواقف حاسمة من البلطجة الإسرائيلية بعد قيامها بالاعتداء على سفينة الحرية التركية في المياه الدولية، أثناء ذهابها إلى قطاع غزة المحاصر، وأسفر الهجوم عن سقوط 9 شهداء أتراك. ومنذ ذلك التاريخ دخلت تركيا في مواجهة دبلوماسية وقانونية ضد الدولة العبرية، متهمة إياها بممارسة إرهاب الدولة، وحاولت أن تأخذ حقها عن طريق الأمم المتحدة، إلا أن تقرير الأخيرة جاء كما هي العادة لا يدين بشكل واضح الاعتداء الإسرائيلي، إنما تحفظ على استخدامها القوة المفرطة، فما كان من الجانب التركي إلا أن قرر طرد السفير الإسرائيلي وتجميد العلاقات التجارية والعسكرية بين البلدين.
 
والحقيقة أن الموقف التركي هو محصلة تطور هائل شهدته تركيا على مدار ما يقرب من عقد من الزمان حكم فيها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوجان، ونجح في تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية كبرى (تصدر تركيا في شهر ما تصدره مصر في عام)، واستطاع أن يحل جانباً كبيراً من المشكلات التي تعاني منها معظم البلاد العربية كدور الجيش في الحكم والعملية السياسية، وإحداث دمج آمن للتيارات الإسلامية في العملية الديمقراطية.
 
وقد أصبح حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ ما يقرب من 10 سنوات نموذجاً بارزاً لنجاح حزب محافظ من الناحية الثقافية والدينية ولكنه فعال من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وتحققت في عهده أهم إصلاحات سياسية شهدتها تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1924.
 
لم يهتم أردوجان بتكفير العلمانيين المتشددين في تركيا ولا بتصفية الحسابات مع الجمهورية التركية التي استبعدتهم بقسوة لعقود طويلة عن العمل الشرعي، وسجنته هو نفسه لسنوات لأنه قال قصيدة شعر دينية في مؤتمر سياسي، ولم يمنع الرجل ولا حزبه السياحة، ولم يدع السيدات الأتراك إلى ارتداء الحجاب، أسوة بزوجته السيدة الأولى، إنما دعاهن للعمل والإنتاج والكرامة فكان نجاح تركيا كبيرا في كل المجالات.
 
إن نجاح تركيا في الداخل هو الذي جعلها ظاهرة غير صوتية مثل كل النظم العربية الفاشلة (معتدلة وممانعة) وجعلها أيضا قادرة على التفاعل النقدي مع المنظومة العالمية، فعضويتها في حلف الناتو وقيامها ببناء حائط مضاد للصواريخ على أراضيها، كجزء من المنظومة الدفاعية لحلف الأطلنطي، لم يحل دون قيامها بطرد السفير الإسرائيلي ومواجهة السياسات العدوانية الإسرائيلية.
 
إن قدرة أى دولة على إدارة صراع نقدي مع أي دولة كبرى أو فوق القانون (مثل إسرائيل) في العالم ـ دون أن يؤدي ذلك إلى عزلتها الدولية أو شيطنتها كما جرى مع دول وتنظيمات أخرى ـ هو دليل نجاح لهذه الدولة، وإن "توازن القوة" الذي فرضته تركيا مكان توازن الضعف الذي فرضته النظم العربية هو الفرق بين الدول التي تنجز حقيقة على أرض الواقع، وتلك التي تأتي "في التافهة وتتصدر" على طريقة نظام مبارك، أو التي احترفت رفع شعارات المقاومة والممانعة، ولم تطلق طلقة طائشة على إسرائيل مثل النظام السوري.
 
 علينا أن نستلهم (ولا نقول ننقل) الخبرة التركية في البناء الداخلي أولاً ونحن ندير صراعنا مع إسرائيل، فتركيا امتلكت الجرأة في اتخاذ قرار حقيقي له ثمن وتبعات مثل طرد السفير، ولكنها لم تقتحم السفارة ولم تلق أوراقها في الشارع، وعلينا أن نفكر فيما هو جاد لصالح كرامة مصر وما هو عبثي وضار.
"المصري اليوم"

التعليقات