25/09/2011 - 11:08

أوباما الصهيوني.. وساركوزي الفلسطيني!../ عبد اللطيف مهنا

ما الذي سيكونه سوى "دولة ساركوزي" المراقبة التي لن تساوي سوى رمزيتها ولن تبدّل من الحالة الفلسطينية التي أنتجها الجنوح التسووي شيئاً، اللهم إلا بعضا من تحسين لشروط التفاوض الكارثي ذاته

أوباما الصهيوني.. وساركوزي الفلسطيني!../ عبد اللطيف مهنا
لا يمكنك أن تدلي بدلوك في راهن المعمعة المثارة هذه الأيام في أروقة الأمم المتحدة حول طلب قبول عضوية فلسطينً فيها، دون أن يتوجب عليك الانطلاق من المسلمات البدهية والموضوعية التالية:
 
أولاها، أنه لا دول بلا أوطان، ولا أوطان بلا أرض يتحقق فيها الاستقلال الوطني وتكون عليها السيادة الوطنية. في الحالة الفلسطينية، فلسطين التاريخية كلها محتلة من نهرها إلى بحرها، ونصف شعبها مشرد في المنافي، والنصف الباقي داخل معتقلات كبرى مسيّجة بالموت ومحاصرة بنوايا الإبادة ومهددة باستراتيجية الترانسفير. وعليه، الطلب في مثل هكذا حالة مهما كان محقاً كان لا بد وأن يوازيه على الأرض فعل مقاومة وفق استراتيجية تحرير ونهج إدامة اشتباك ومواصلة صراع حتى استعادتها التي لا تعني سوى تحريرها.
 
وثانيها، أن الملجوء إليها طلباً لاعترافها، هي من أنشأت دولة الاغتصاب الاستعمارية في فلسطين عندما شاركت الصهاينة عدوانهم حين قسّمتها بين الغزاة وشعبها، وبذا شرّعت وجود كيان الغزاة على 78% منها بعيد نكبتها، كما وأنها كانت وهي اليوم في ظل الموازين الدولية القائمة ليست سوى أمم الغرب المتحدة المختطفة لصالح السياسات الأميركية التي يصعب حتى على المنجمين التفريق بينها وبين السياسات الإسرائيلية في كل ما يتعلق بقضايا العرب. وهل ننسى متراكم القرارات التي اتخذت منذ النكبة، والتي إن لم تكن في صالح الفلسطينييين تماماً إلا أنها ليست في صالح الإسرائيليين، ولم يُنفّذ واحد منها؟! البارحة فحسب أبلغ رئيس الولايات المتحدة أممه، التي جاءها شاهراً سيف الفيتو سلفاً، بأنها ليست المكان الذي يجب أن يلبى فيه مثل هذا الطلب!
 
وثالثها، أن الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية أيام انتهاجها الكفاح المسلح كانت أكثر عدداً من تلك التي كانت تعترف بإسرائيل. وإن الدولة المستقلة كانت قد أعلنت منذ ثمانينيات القرن الماضي في مؤتمر قصر الصنوبر في الجزائر، وظل هذا الإستقلال وقبله الاعتراف حبراً على ورق، وازداد طين التصفية بلة بعد الجنوح نحو تغريبه أوسلو التفريطية، والمؤكد اليوم أنه وبفضل من الفيتو الأميركي المشرّع لصالح إسرائيل دائماً سوف لن يقبل الطلب في مجلس الأمن، وعليه، فإن جل ما قد يكون المتحقق المحتمل هو ما لوّح به ساركوزي باسم الغرب، وليس خروجاً أوروبياً على بيت الطاعة الأميركي كما يتصور البعض، هو "دولة بصفة مراقب" في الهيئة الدولية لا أكثر.
 
إذن، لماذا استنفر الغرب قواه وشن حملة ضغوطاته محاولاً منع الطلب من الوصول إلى مجلس الأمن؟! الجواب جاءنا من عند ساركوزي، إنه لخشيته من عقابيل استخدام الفيتو الأميركي في مثل المرحلة التي استيقظ فيها المارد الشعبي العربي الذي لايخشى الغرب، ولا يحسب لغيره حساباً... وعليه، فالمعمعة في أروقة الأمم المتحدة تدورالآن لإغماد سيف هذا الفيتو المسلول بغية عدم الاضطرار إلى استخدامه، ذلك بصرف الطلب باتجاه الجمعية العامة حيث العرض أو المقترح الساركوزي ...
 
 والآن وقد قدم أبومازن الطلب ألى السكريتير العام للمنظمة الدولية، وألقى كلمته المؤثرة التي حظيت بتعاطف أغلب الحضور، ومثل هذا التعاطف مع عدالة القضية كان دائماً متوفراً لكنه في السياسة الدولية وحساباتها لا يعني بالضرورة تأييداً عملياً، نأتي إلى رابع ما بدأنا بها من نقاط اعتبرناها في حكم المسلمات، وهي أن سلطة رام الله ذهبت كل هذا المذهب ضمن إستراتيجية تفاوضية لا تحريرية، وهي لا تخفى ذلك، وهذا ما أكده ابومازن في خطابه، وعليه فالمساومات ليست الواردة فحسب بل وبدأت مؤشراتها تٌلمّح من الآن إلى خفاياها، مثلاً، مقترحات ساركوزي لا يمكن إغفال ربطها بما قاله نبيل أبو ردينة، من أن ساروكوزي قد أطلع أبو مازن سلفاً على مقترحاته خلال اجتماعهما قبل أيام، وأن الأخير قد وعده بدراستها، ويكتمل مثل هذا الربط بما صرّح به نبيل شعث من أن الأخير"سيعطي وقتاً لمجلس الأمن لبحث طلب الأنضمام الكامل قبل الذهاب إلى الجمعية العامة"، وهنا لا يمكن تجاهل ما رجّحه آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا، من أن تقديم الطلب لا يعني التصويت علية في مجلس الأمن قبل أسابيع ... أسابيع، إذن لتبدأ المساومات حتى حينها، وإن هي بدأت، فهدفها ما قاله ياسر عبد ربه: "نحن هنا في الأمم المتحدة من أجل الدعوة إلى تدخل دولي فاعل بما فيه أميركا لوضع الأسس التي تفتقرها المفاوضات الجادة"!
 
من الآن يمكن القطع سلفاً بما سيكون عليه مآل التغريبة الاعترافية الفلسطينية إلى رحاب الأمم المتحدة، وما الذي سيكونه سوى "دولة ساركوزي" المراقبة التي لن تساوي سوى رمزيتها ولن تبدّل من الحالة الفلسطينية التي أنتجها الجنوح التسووي شيئاً، اللهم إلا بعضا من تحسين لشروط التفاوض الكارثي ذاته... وأخطر ما فيها، إلى جانب التنازل عن المحتل من فلسطين في العام 1948، في ظل استراتيجية التفاوض والتفاوض لاغير، هو أن تنازلاتها المتوقعة، وأهمها ما ينتظر حق العودة، سوف تتم من قبل دولة لدولة... هل هذه هى مهمة "دولة ساركوزي" ؟!!
 
قد يكون لمعمعة الأمم المتحدة بعض من عبرة لأولئك الواهمين من العرب والفلسطينين ممن يعلقون مستحب أوهامهم، أو تبعيتهم، على عدالة أمم الغرب المتحدة وأريحية أوباما، عبرة في إطلالة الأخير من على المنبر الدولي متحدثاً باسهاب ذكرنا بعتاة الصهاينة من الآباء المؤسسين لدولة الاغتصاب في فلسطين عن "المعاناة اليهودية"، و"الشعب اليهودي"، الذي "يحمل ثقل قرون من النفي والاضطهاد"، وعن التهديدات المستمرة "لدولته المسكينة" المحاطة بجيران شنوا حروباً متكررة ضدها... لمحوها عن الخريطة"، مع إعادة التأكيد على ذات اللازمة الأمريكية إياها، الالتزام بأمن إسرائيل وضمان إستمرارية وجودها العدواني الذي "لا يهتز".... أوباما المستهين بالعقل والذاكرة العربية بإشادته نفاقاً بالحالة العربية الشعبية الثورية السائدة التي يتآمر عليها، تناسى ما فعلته بلاده في العراق والسودان وتفعله في اليمن وتحاول فعله في سوريا، وما فعلته وما تفعله وستفعله مع أطلسييها بليبيا، وتجاهل بالطبع المعاناة الفلسطينية المستمرة التي بلاده شريكة في صناعتها وضامنة لاستمراريتها ... كان أوباما صهيونياً جداً، لدرجة أن نتنياهو خاطبه قائلا: "أن الأمر يشرّفك وأنا أشكرك"، وأن تمنحه الصحافة الإسرائيلية لقب "سفير إسرائيل"، فماذا ترك اوباما لأبي مازن ليشكره عليه ؟!

التعليقات