08/10/2011 - 09:41

حين تتحول المحاكم إلى ختم مطاطي

"المحاكم المركزية الإسرائيلية التي يتوجب عليها النظر بالالتماس، تجد نفسها أداة لتطبيق سياسات حكومة إسرائيل غير المقوننة"

حين تتحول المحاكم إلى  ختم مطاطي
حين تنظر المحاكم المركزية الإسرائيلية في التماسات الأسرى العرب والفلسطينيين، تبدل معاييرها وتطوع قوانينها لانتهاك حقوقهم، وتتحول لأداة قمع واضطهاد، ولختم مطاطي لممارسات مصلحة السجون. وعوضا عن البحث عن أسباب تمكنها من قبول الالتماس، كما هو متبع بالوضع الطبيعي، تتشبث بأي سبب أو مبرر لشرعنة الانتهاك ورفض الالتماس، ضاربة بعرض الحائط كافة الشرائع والقوانين والمواثيق، وواضعة حقوق الأسير بين أنياب وحش يضمر له العداوة.
 
لذلك ومن هذا الباب تحديدا، باب حقوق الأسرى، تتحول هذه المحاكم لقناع "ديموقراطيكي" لوجه المؤسسة الإسرائيلية بسياساتها الصهيونية غير الأخلاقية.
 
هذه المحاكم بقضاتها تتجرد من المنطق الإنساني المعتدل والقانوني "العادل" حين تنظر بقضية أسير، المسمى وفق قوانينها " أسيرا أمنيا" ، وذلك عكس ما يفعلونه تماما عندما ينظرون بقضية سجين "غير أمني"، فعندما يقدِم الالتماس سجين "مدني" جنائي، مغتصبا كان أو سارقا أو تاجر مخدرات أو قاتلا، فالأمر يتغير، وتتحول هذه المحاكم بحكامها للمكان المتفهم، الإنساني، محاولين البحث عن سبب أو ثغرة لقبول الالتماس، آخذين بعين الاعتبار الآثار النفسية والعائلية والاجتماعية، مرورا بالحقوق الأساسية للإنسان، وصولا إلى تفاصيل التفاصيل حول أسس الدولة الديمقراطية التي تتسم بمدى منحها حقوق لسجنائها، فتجدهم يطلبون من مصلحة السجون تقارير نفسية وطبية، وتقارير العامل الاجتماعي وبرامج التأهيل وما إلى ذلك من تقارير، مركزين على أهمية تأهيل السجين المدني وعدم السماح لمصلحة السجون بالمس به والتعدي على حريته، معتبرين أنه بالرغم من حرمانه من حرية التحرك فهذا لا يعني أن تحرمه من حريتة الشخصية وحقوقه الأساسية بالعيش الكريم .
 
هذا الاهتمام وهذه الإنسانية ممحوة من قاموس الحاكم والمحاكم حينما يدور الحديث عن الأسير "الأمني".
 
لذلك فإن المحاكم المركزية الإسرائيلية التي يتوجب عليها النظر بالالتماس وفقا للقانون ( قانون مصلحة السجون)، تجد نفسها من حيث تدري أو لا تدري (أجزم بأنها تدري)، أداة لتطبيق سياسات حكومة إسرائيل غير المقوننة – بمعنى أن قراراتها حين تنظر بقضايا الأسرى الفلسطينيين، تتغير وتتماشى مع سياسات الحكومة بقضايا العرب عامة والأسرى السياسيين الفلسطينيين خاصةً.
 
للمفارقة عندما نحاول التصدي للغبن الواقع على الأسير "الأمني" من مديرية السجون، من خلال المحاكم، نجد أن هذه المحاكم آلية مكملة لنهج مصلحة السجون والسياسات الإسرائيلية. فمصلحة السجون وبدلا من أن تطبق وتتعامل مع الأسرى وفق القانون، كونها مؤسسة حكومية غير خاضعة للسياسات وإنما للقانون وتعمل وفقا له وبحسب تعليماته، فبدلا من ذلك نجد أن مصلحة السجون تقوم بتطبيق القرارات السياسية غير المقوننة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، خطاب نتانياهو رئيس حكومة إسرائيل بشهر حزيران/ يونيو الماضي حين وعد وتوعد بتضييق الخناق على الأسرى "الأمنيين" وحرمانهم من حقوقهم كالتعليم وغيره، فوجدنا أن مصلحة السجون وبعد هذا الخطاب قامت بتجميد تعليمهم الجامعي ومنعهم استكماله.
 
بحسب القانون الإسرائيلي وقرارات المحكمة العليا فإن تطبيق سياسات غير مقوننة يعتبر تدخلا غريبا وغير شرعي، وتجاوزا للصلاحيات، بحيث يتوجب على المحاكم إلغاء هكذا أوامر وقرارات لأنها غير قانونية.
 
لكن ما يحصل فعليا هو أن المحاكم المركزية تقوم بالتفتيش عن ذرائع بسيطة وغير منطقية لكي تدعم وتساند قرارات مصلحة السجون بانتهاكاتها واضطهادها للأسرى الأمر الذي يشير إلى أن هذه المحاكم بحكامها غير قادرين على فصل نفسيتهم عن سياسة دولتهم حتى وإن كانت غير منطقية ومنتهكة لأبسط الحقوق، منجرين وراء الفكر الصهيوني التلمودي الذي يلغي الآخر ولا يحترم حقوقه وينظر إليه بدونية، محاولا تجريده من إنسانيته واحتياجاته البسيطة كاحتضان طفله أو رؤية والدته أو تعزية أقربائه أو إلتقاط صورة مع أخته أو قراءة كتاب يحبه، أو زياره من صديق عمره، أو الالتقاء بشقيقه الأسير أو زوجته الأسيرة أو والده الأسير أو تلقي العلاج البسيط والأمين.
 
من هذا المنطلق ووفقا لنهج هذه المحاكم أرى أنها أداة مكملة لمشروع مؤسساتي مترابط يقوم على اضطهاد حقوق الأسرى العرب والفلسطينيين بصيغة قضائية - ديموقراطيكية الأمر الذي يقتضي بالتعامل معها وفق إستراتيجية عمل شأنها تسليط الضوء والتركيز على تماهي هذه المحاكم مع سياسات المؤسسة من جهة، ومن جهة أخرى كيفية التصدي قانونيا عبر نقاط ضعفها هذه.

التعليقات