15/10/2011 - 11:01

سوريا وإيران وحزب الله../ د. حسن حنفي

كما لا تقوم العلاقات الاستراتيجية (التحالفات مع الخارج) على الاستبداد في الداخل، فالسياسة الخارجية ترجمة للسياسة الداخلية. ولا يقوم حق على باطل، فقوة النظام في الخارج تعبر عن مدى قوته في الداخل، وإن كان ضعيفا في الداخل سهل التآمر عليه وضياع سياسته في الخارج. وكان هذا أحد أسباب هزيمة 1967، عندما كان النظام السياسي على حق في مواجهته العدوان الإسرائيلي الأمريكي، لكن الجبهة الداخلية أضعف لمساندة هذه السياسة الخارجية. وبالتالي تخطئ إيران كما يخطئ حزب الله بمساندة النظام السوري ضد الثورة الشعبية المنادية بالحرية والكرامة "الموت ولا المذلة".

سوريا وإيران وحزب الله../ د. حسن حنفي
إن العلاقات الاستراتيجية بين الدول ليست بين نظم سياسية، فهي علاقات دائمة وثابتة وتاريخية، في حين أن العلاقات بين النظم السياسية متغيرة وقتية وطارئة. الجغرافيا السياسية هي التي تحتم على الدول خياراتها السياسية، في حين أن المصالح الشخصية العائلية أو الطائفية أو الاقتصادية هي التي تفرض سياسات النظم. ولو أعادت النظم السياسية الأوضاع الاستراتيجية لما بقيت حتى لو استعملت كل أجهزة الأمن العلنية والسرية، وكل قوى الشرطة والجيش. فقد قامت الثورة الإسلامية في إيران والشاه بيده كل قوى الأمن. وقامت الثورة في تونس ومصر وليبيا، وهي الآن تدور في اليمن وسوريا والنظام السياسي بيده كل قوى الأمن والجيش ويستعمل كل أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية. ولا يمكن لنظام سياسي في مصر أن يختار سياسات تقوم على التحالف مع إسرائيل وأمريكا، وعزلة مصر عن محيطها العربى (الأفريقي والآسيوي)، لأنها معارضة للوضع الاستراتيجى لمصر.
 
كما لا تقوم العلاقات الاستراتيجية (التحالفات مع الخارج) على الاستبداد في الداخل، فالسياسة الخارجية ترجمة للسياسة الداخلية. ولا يقوم حق على باطل، فقوة النظام في الخارج تعبر عن مدى قوته في الداخل، وإن كان ضعيفا في الداخل سهل التآمر عليه وضياع سياسته في الخارج. وكان هذا أحد أسباب هزيمة 1967، عندما كان النظام السياسي على حق في مواجهته العدوان الإسرائيلي الأمريكي، لكن الجبهة الداخلية أضعف لمساندة هذه السياسة الخارجية. وبالتالي تخطئ إيران كما يخطئ حزب الله بمساندة النظام السوري ضد الثورة الشعبية المنادية بالحرية والكرامة "الموت ولا المذلة".
 
سبعة أشهر والدماء تسيل في مواجهة الاستبداد ولا تنفع أساطير المؤامرة الخارجية التي تريد القضاء على النظام التقدمي في مواجهة إسرائيل والمخططات الأمريكية. فالنظام لم يطلق طلقة واحدة في الجولان منذ حرب 1973. والقنيطرة هي التي حررتها مصر بالاتفاق مع إسرائيل. والاستقرار في سوريا هو الذي يعطي الأمن لإسرائيل والمفاوضات مع أمريكا تستمر وتنقطع. ولاتزال أمريكا تدين سفك الدماء في سوريا بالقول دون أي إجراء عملي.
 
إن العلاقة بين سوريا وإيران وحزب الله علاقة استراتيجية. لا تتوقف على نظام سياسي دون غيره، إن سقط نظام وأتى غيره. فسوريا هي المعبر بين إيران وحزب الله في الإمداد بالسلاح، وفي تأييد المقاومة الفلسطينية. والعلاقة بين الثلاثة عمق استراتيجي في المنطقة ضد أي عدوان خارجي إسرائيلي أمريكي على أي منها. فالعلاقة بينهم ليست علاقة نظم بل امتداد جغرافي يحافظ على التوازن في المنطقة. إذا ما قررت أمريكا العدوان على إيران بمساعدة إسرائيل بدعوى الخطر النووي ودفاعا عنها كانت سوريا بجانبها كعمق استراتيجي. ووقف حزب الله بجانبها بقوته الصاروخية. وإذا ما قررت إسرائيل العدوان على جنوب لبنان بدعوى خطر حزب الله ورعاية المقاومة وقفت سوريا وإيران بجانبه حتى لا يبقى بمفرده في الميدان. فمحور إيران وسوريا وحزب الله قادر على مواجهة محور إسرائيل وأمريكا.
 
الخطورة أن تتحول هذه العلاقة الاستراتيجية إلى مصالح شخصية، ويضحى بالمصلحة الكبرى من أجل المصالح الصغرى. فتدافع إيران عن مصالحها الشخصية كدولة إقليمية لها امتداداتها في آسيا الوسطى، نظرا للقرب الجغرافي والتاريخ واللغة والثقافة، وفي المنطقة العربية، في الخليج والعراق، لوجود طائفة شيعية كبيرة بإثارة النعرة الطائفية وتغليبها على العاطفة الوطنية ومضحية بوحدة العراق ووحدة دول الخليج. هنا تتحول إيران من نظام ثوري إلى دولة قومية. لا تفكر في أيديولوجية سياسية بل في حدود قومية. ويتغلب المذهب على الوطن. في حين يدين عرب الأهواز بالولاء إلى إيران الوطن. كما تدين شيعة الخليج بالولاء إلى الأوطان، البحرين والإمارات وقطر والكويت.
 
والخطورة أن يتحول النظام في سوريا إلى ذريعة للاستبداد. فباسم المقاومة لإسرائيل وأمريكا ولمعاهدات السلام والتطبيع مع العدو المحتل، وباسم السياسة البديلة لـ"كامب ديفيد" يتم إيقاف الحراك الاجتماعي على مدى أربعة عقود وإعطاء الشرعية لتسلط الحزب الواحد، وتوريث السلطة، واستعمال كل وسائل القمع ضد المعارضة، وبقاء حكم الطائفة والعائلة والشلة. ويقترن الفساد بالاستبداد ما دامت لا توجد مساءلة ولا مراجعة ولا حرية إعلام. فكل هذه الطلقات كان الأولى أن تطلق في الجولان، وكل هذه الدماء التي تسيل "شهيدة" في المدن وفي المظاهرات كان الأولى أن تسيل في الأرض المحتلة.
 
الخطورة في لبنان ألا يعمل حزب الله داخل المقاومة اللبنانية والحركة الوطنية اللبنانية والدولة اللبنانية، وألا يصبح سلاح حزب الله جزءاً من سلاح المقاومة، وألا يصبح جنوب لبنان جزءا من لبنان، وإلا خرجت حركة مثل 14 آذار تنادي بنزع سلاح المقاومة، (حزب الله)، دفاعا عن سلطة الدولة. وتنقسم لبنان فريقين. وتضحي بوحدتها الوطنية.
 
الخطورة هي التضحية بهذه العلاقة الاستراتيجية في سبيل مصالح النظم السياسية. فتضحى إيران بحرية الشعب السوري دفاعا عن النظام. وتضحي بالثورة العربية التي قد تكون أكثر تأييدا للثورة الإسلامية في سبيل التحالف مع النظام. ويضحي حزب الله بالشعب السوري في سبيل التحالف مع النظام. وقد تكون الثورة العربية السورية أكثر تأييدا للمقاومة ولحزب الله أكثر من النظام السوري. فالثورة العربية السورية هي الرابط الأقوى بين الثورة الإسلامية في إيران والمقاومة في لبنان. فالشعوب تدرك مصالحها الاستراتيجية أفضل من النظم السياسية.
 
العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران وحزب الله قائمة حتى لو سقط النظام السوري أو النظام الإيراني. فهي علاقة دائمة يضمنها الشعب السوري والشعب الإيراني. المصالح العليا للشعوب تتجاوز المصالح الشخصية للنظم. سلاح حزب الله باق بصرف النظر عن النظام السوري الحالي أو المستقبلي، وبصرف النظر عن النظام الإيراني، محافظاً أو ليبرالياً.
 
العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسوريا وحزب الله ليست مقصورة فقط على هذه الأطراف الثلاثة، بل متسعة كي تشمل مصر وتركيا. فتركيا الآن أصبحت عربية أكثر من الدول العربية نفسها، دفاعا عن فلسطين ومعاداة لإسرائيل ونصرة للثورة العربية. وهي قوة عسكرية واقتصادية، وتجمع سكاني لا يستهان به. ولها في الجوار المشترك تاريخ وثقافة واحدة.
 
 ومصر هي قلب الوطن العربي، الوطن الأم أو الدولة القاعدة. فتجمع إيران وتركيا ومصر وسوريا وحزب الله يملأ الفراغ السياسي في المنطقة الذي تحاول إسرائيل وأمريكا ملأه. ويصبح ظهيرا قويا لفلسطين. وتحيط به دوائر أخرى في أفريقيا وآسيا خروجا على العالم ذي القطب الواحد ونهاية عصر الاستقطاب. وهو تجمع لشعوب حرة أقل أو أكثر. الأقل حرية يزداد حرية، والأكثر حرية تكون له الثقة بالنفس، ويشجع الأقل حرية على التحرر. وتوضع استراتيجية طويلة الأمد تنهي عصر "سايكس بيكو" الأول الذي تجزأ فيه العرب تحت الاستعمار الأوروبي، ومخاطر عصر سايكس بيكو الثاني الذي بدأت تظهر آثاره في العراق والسودان.
 
حرية الشعب العربي السوري أولا. فتتحول إيران من حليف إلى ظهير، ومن دولة تمد حدودها خارجها في العراق وفي الخليج إلى شعب يعانق شعوبا في مصر وسوريا والخليج. وتتحول لبنان من مقاومة حزب الله وحده إلى مقاومة لبنانية في إطار مقاومة عربية شاملة. كل ذاك بفضل حرية الشعب العربي، تونس ومصر، وسوريا واليمن، شامنا ويمننا.
"المصري اليوم"

التعليقات