01/11/2011 - 13:35

الشيزوفرينيا الفلسطينية: حل السلطة أم تكريسها؟../ هاني المصري

بعد الإنجازات الفلسطينية المتمثلة بالتوجه إلى الأمم المتحدة والخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس أبو مازن، وبإتمام صفقة تبادل الأسرى؛ نشهد في الأيام الأخيرة نوعًا من الشيزوفرينيا الفلسطينية من خلال حالة من الارتباك وإرسال الرسائل المتناقضة

الشيزوفرينيا الفلسطينية: حل السلطة أم تكريسها؟../ هاني المصري
بعد الإنجازات الفلسطينية المتمثلة بالتوجه إلى الأمم المتحدة والخطاب التاريخيا لذي ألقاه الرئيس أبو مازن، وبإتمام صفقة تبادل الأسرى؛ نشهد في الأيام الأخيرة نوعًا من الشيزوفرينيا الفلسطينية من خلال حالة من الارتباك وإرسال الرسائل المتناقضة.
 
تتجلى هذه الحالة في مظاهر عدة، نبدأ في المفاوضات التي تم وقفها في نفس الوقت الذي يتم التأكيد فيه على أنها الخيار الوحيد، ولم نعد نعرف الجواب علىسؤال: هل سنفاوض أم لا؟ فالجواب: لعم، أي نعم ولا. سنفاوض لكن بشروط، فلن نفاوض من دون وقف الاستيطان، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نتعاطى إيجابيًا مع تحركات اللجنة الرباعية التي تدعو إلى مفاوضات دون شروط مسبقة، أي وفقًا للشروط الإسرائيلية، ولماذا نقبل فعليًا رويدًا رويدًا وليس رسميًا عقد مفاوضات غير مباشرة (تقريبية) عن طريق اللقاءات المتكررة بمبعوثي اللجنة الرباعية، التي تبحث في شروط استئناف المفاوضات وفي قضايا التفاوض، ولماذا الموافقة على تقديم تصور فلسطيني حول الحدود والأمن كما قال ناطق باسم اللجنة الرباعية، أو مجرد موافقة على عقد لقاء ثانٍ دون الالتزام بتقديم تصور كما قال صائب عريقات؟

المفاوضات التقريبية الجديدة إذا تواصلت ستشكل عودة من النافذة إلى مسار المفاوضات الثنائية العقيمة، وهذا يذكرنا بالمفاوضات التقريبية التي سبقت استئناف المفاوضات في الأول من أيلول من العام الماضي، التي سرعان ما توقفت وتحطمت على صخرة التعنت الإسرائيلية، مثلما سيحدث للمفاوضات الجديدة إذا استؤنفت، لأنها لا تملك أي فرصة للنجاح، فالذي حال ويحول دون نجاح المفاوضات أن الفلسطينيين خاضوها دون أوراق قوة في أيديهم تفرض إنجاز تسوية في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى على الأرض، ودون تغييرها لا يمكن دحر الاحتلال ولا إقامة دولة فلسطينية حرة، حتى لو وافقت الحكومة الإسرائيلية على الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات.

وإذا تركنا المفاوضات جانبا وانتقلنا إلى السلطة، نجد الشيزوفرينيا في ذروتها، فهناك مسؤول فلسطيني يقول إن القيادة ستحل السلطة الوهمية حارسة الاحتلال. وآخر يتفلسف بالحديث عن الفرق بين انهيار السلطة وبين حلها، مع الحديث في نفس الوقت عن خطة تدريجية لتسليم السلطة للاحتلال تبدأ بالصحة والتعليم.. إلخ، وتنتهي بالأمن، مع أن المطلوب إذا كنا نريد حل السلطة أن نبدأ بوقف التنسيق الأمني وليس تأجيله حتى لا تصبح الأجهزة الأمنية الفلسطينية حارسة لضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية الذين سيتولون إدارة الصحة والتعليم ..إلخ. ومسؤول ثالث ينفي كل ما تقدم، مؤكدًا أن التصريحات التي لا تنسب إلى أسماء واضحة لا تعني شيئًا. على الرغم من النفي الرسمي إلا أنه لا يمكن أن يخفي التعارض الصارخ في التصريحات الرسمية، وما يعكسه ذلك من أزمة وتخبط شديدين.
 
هناك معلومات مؤكدة من مصادر عدة بأن القيادة أرسلت رسائل إلى دول عدة تفيد بأن هناك توجهًا سينفذ مع نهاية العام الحالي بإعادة الأوضاع في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى ما كانت عليه قبل قيام السلطة عام 1994، أي تسليم شؤون إدارة الضفة إلى إدارة الاحتلال، ما يعني ذلك بغض النظر عن التسميات و"الفذلكات" حلّ السلطة، وإذا كان ذلك صحيحًا وجديًا، لماذا لا يُصَارَح الشعب بذلك ويبقى أمرًا مكتومًا يلوح به تارة وينفى تارة أخرى، ولماذا لا يتم الاستعداد لعواقبه والخيارات البديلة المتاحة لتقليل الأضرار وتعظيم الفوائد، أم أن الأمرمجرد تهديد يستهدف الضغط من أجل استئناف المفاوضات؟

يضاف إلى ذلك، قول الرئيس لصحيفة الشرق الأوسط: إنه لا وجود لسلطة وطنية فعلية، وإنه لن يقبل القيام بأعمال رئيس بلدية، ودعوته في الاجتماع الأخير للمجلس الثوري لحركة فتح إلى البحث في مستقبل السلطة، وأن هذا سيكون أحد المواضيع التي سيناقشها مع خالد مشعل عندما يلتقي به في الشهر القادم. في نفس الوقت الذي كرر فيه الرئيس بإلحاح أكبر من السابق دعوته إلى التبكير بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل أيار الموعد المتفق عليه في اتفاق المصالحة، بحيث تجري في شهر كانون الثاني القادم أو شباط، وما يعنيه ذلك من ترسيخ للسلطة لمدة أربعة أعوام أخرى. فمن يريد حل السلطة لماذا يريد الانتخابات أصلا التي تجدد شرعيتها وتمدها بحياة جديدة؟ إذن، قيادة السلطة محتارة وحيرتنا معها، فهل ستحلها أو ستنهار أو ستتعزز بإجراء الانتخابات واستئناف المفاوضات بشكل غير مباشر عن طريق اللجنة الرباعية؟

المهم، إن مثل هذه التصريحات والتصرفات المرتبكة، وإرسال رسائل متناقضة بخصوص قضايا مصيرية بهذا الشكل لا تجعل أحدًا يفهمما الهدف منها، وهل هناك توجه جاد فعلًا لحل السلطة أو استعداد لاحتمال انهيارها، أم أن الأمر كله أن السلطة في حالة أزمة شاملة مع غياب القرار بالخيار البديل عن المفاوضات وفقدان الأمل بقيام الدولة في القريب العاجل، وفي ظل الخشية من الربيع العربي وما يعطيه من فرص أقل ومخاطر ربما أكبر، وفي ظل الغضب المتصاعد من استمرارالتعنت الإسرائيلي والرفض الأميركي للطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وهذا ما جعل السلطة في حالة صدمة شديدة من فشل خيارها السياسي دون أن تعرف ماذا تفعل، هل تواصل انتظار الفرج باستئناف المفاوضات ووصولها إلى حل بالرغم من عدم وجود مؤشرات تدعو إلى التفاؤل بهذا الخصوص، أم تفتح الطريق أمام خيارات استراتيجية جديدة؟ فالسلطة لم تحسم أمرها، لذلك ترسل رسائل متناقضة تجعل تهديدها بحل السلطة وغيره من المبادرات تبدو مجرد تهديدات لفظية فارغة، أو ردود أفعال ومحاولات لكسب الوقت وحرف الأنظار، والإيحاء بأنها تدرس مستقبل السلطة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. يمكن أن تتحول هذه التهديدات أو بعضها مثل حل السلطة إلى أفعال بسبب تداعيات المأزق الشامل وغياب الخيار الواضح، الأمر الذي يدفع الوضع إلى الفوضى والضياع والمجهول.
 
لا يمكن أن تكون السلطة جنين الدولة الفلسطينية القادمة حينًا، وحارسة للاحتلال حينًا آخر، فإما هذا أو ذاك. إن تغيير الاستراتيجية الفلسطينية سيقود إلى مجابهة شاملة مع الاحتلال قد تنهار السلطة الحالية في مجراها، وشتان ما بين حل السلطة كضربة يأس، أو دعوة لـ"مجيء جودو" الذي لن يأتي وحده، وبين تغيير وظائفها والتزاماتها أو انهيارها في مجرى المواجهة، الذي سيقود في هذه الحالة إلى نشوء سلطة مقاومة بدلًا عنها.
 
وما ينطبق على المفاوضات والسلطة يتكرر أيضًا في المصالحة والتوجه إلى الأمم المتحدة والمقاومة. فالمقاومة شعار نتغنى به، ويتم اللجوء حتى إلى المقاومة الشعبية بشكل ثانوي ومحلي وموسمي، بالرغم من أن المقاومة هي وحدها القادرة على الزرع حتى يتمكن العمل السياسي من الحصاد. كما أن اتفاق المصالحة وقع ولم ينفذ، مع أنها المدخل الوحيد المتاح لإعادة تجميع أوراق القوة والضغط الفلسطينية. وكذلك، فإن التوجه إلى الأمم المتحدة معرض للهزيمة إذا لم نحصل على الأصوات التسعة، أو للضياع في دهاليز الخبراء واللجان تحت وطأة المماطلة والتسويف جرّاء المحاولات الأميركية لإماتته وتجميده حتى لا تضطر إدارة أوباما إلى استخدام الفيتو في حال أصر الجانب الفلسطيني على التصويت إذا حصل على الأصوات المطلوبة، التي سيصبح الحصول عليها أصعب إذا لم يجر التصويت حتى بداية العام القادم، حيث ستدخل خمسة بلدان جديدة إلى مجلس الأمن، هي: أذربيجان، وتوغو، وغواتيمالا، والمغرب، وباكستان، وهي في معظمها غير مضمونة مثل البلدان الصديقة التي ستخرج، وستصوت لصالح الطلب، وهي: لبنان، والبرازيل، ونيجيريا، والغابون.
 
على الفلسطينيين أن يأخذوا زمام المبادرة بأيديهم مرة وإلى الأبد، ويحسموا أمرهم بأن طريق المفاوضات الثنائية والبحث عن تسوية متوازية في ظل موازين القوى القائمة حاليًا فشل ومحكوم عليه بالفشل.
 
المطلوب إعطاء الأولوية الحاسمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني وشراكة حقيقية وعلى أسس ديموقراطية تضمن إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني.

التعليقات