24/11/2011 - 11:47

جريمة البعض الفلسطيني بحق الوطن والشعب../ د. فايز رشيد

صدقت المقولة الماركسية بأن "الرأسمال لا وطن له"، فموطنه يتجسد في مصالحه ورأسماله، الذي هو لدى الكثيرين من الرأسماليين الأهم، والرأسماليون واذا ما جرى تقديم عطاء لبناء مقصلة لشنقهم، لتنافسوا على من يفوز بالعطاء

جريمة البعض الفلسطيني بحق الوطن والشعب../ د. فايز رشيد
صدقت المقولة الماركسية بأن "الرأسمال لا وطن له"، فموطنه يتجسد في مصالحه ورأسماله، الذي هو لدى الكثيرين من الرأسماليين الأهم، والرأسماليون واذا ما جرى تقديم عطاء لبناء مقصلة لشنقهم، لتنافسوا على من يفوز بالعطاء.
 
 لقد نشرت الكاتبة التقدمية اليسارية الإسرائيلية عميرة هاس مقالاً في صحيفة هآرتس (18 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي)، عن رأسمال فلسطيني يستثمر في إسرائيل والمستوطنات.
 
المعلومات استقتها من رسالة ماجستير في الاقتصاد، قام بها الفلسطيني عيسى سميرات من بيت لحم، وتقدّم بها إلى جامعة القدس. للعلم فإن هاس ونتيجة رفضها للعنصرية الصهيونية وسياسات دولتها، أقامت بين الفلسطينيين في غزة، وبعد حصاره، انتقلت إلى رام الله التي تقيم فيها منذ أربع سنوات. بالطبع ليس من مصلحة هاس ولا الباحث الاقتصادي تزوير الحقائق والقيام باتهامات باطلة للبعض الفلسطيني، وأمام لغة الأرقام تنهزم الأباطيل والأضاليل.
 
نقول ذلك نتيجة أيضاً لما تردد من أنباء عن سمسار اقتصادي كبير لإسرائيل تسلم منصب وزير في الحكومة الفلسطينية الأولى، وما يتردد من أنباء عن توريد الإسمنت لبناء المستوطنات، من قبل مسؤول فلسطيني.
 
على العموم، فإن الدراسة تقول في بعض مما جاء فيها: إن حجم الاستثمار الفلسطيني الخاص في إسرائيل بلغ حتى العام 2010 ما قيمته 2.5 مليار دولار، بينما حجم الاستثمار الفلسطيني الخاص داخل الضفة الغربية بلغ حتى العام 2011 ما قيمته 1.58 مليار دولار.
 
ووفقاً للدراسة ذاتها: فإن 16 ألف رأسمالي ورجل أعمال فلسطيني من الضفة الغربية، الحاصلين على تصاريح دخول دائمة إلى إسرائيل، أسسوا فيها، وفي المناطق الصناعية من المستوطنات، شركات ومصانع في فروع مختلفة، ويدفعون ضرائبها لوزارة مالية إسرائيل.
 
ووفقاً للباحث سميرات، وفي حديث معه لصحيفة هآرتس قال إنه "في أعقاب بحثه أوضحت وزارة الاقتصاد الوطني في السلطة، والتي وقفت على رأس مقاطعة منتجات المستوطنات، بأن اتفاق باريس لا يحظر الاستثمار في إسرائيل، وفي المستوطنات.
 
أيضاً ووفقاً للدراسة: فإن معظم الاستثمارات تذهب في الصناعات والبناء. أما عن الشراكة فتقول الدراسة: إن 16.3% في المائة من المستثمرين يشتركون مع يهود إسرائيليين، وأن 16.6% يشتركون مع مواطنين فلسطينيين من مواطني إسرائيل، وأن 8.8% أفادوا: بأن الشريك اليهودي هو مجرد غطاء ويتلقى عمولة على أساس دائم أو لمرة واحدة، وأن 20% هم مقاولون فرعيون لشركات إسرائيلية.
 
وفي البحث عن أسباب ذلك، يخلص الباحث إلى نتيجة مؤداها: بأن المستثمرين الفلسطينيين يهربون من القيود الفلسطينية المفروضة على الاستثمار في الضفة الغربية إلى الفضاء الإسرائيلي الرحب، فإسرائيل أيضاً تكبّل كل المستثمرين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بقيود سياسية واقتصادية احتلالية. الدراسة طويلة والمقالة أيضاً طويلة، أجملنا أهم ما جاء فيها.
 
هذا الذي يحصل مع البعض الفلسطيني هو: جريمة أخلاقية وطنية بحق القضية والشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، وهؤلاء لا يمثلون الشعب الفلسطيني لا من قريب أو بعيد، أعمتهم مصالحهم الأنانية وتضخيم أرصدتهم في البنوك عن كل ما هو وطني فلسطيني، هؤلاء ليسوا نموذجاً لشعبنا، الذي انطبع في الأذهان بنضالاته وتضحياته في سبيل قضيته الوطنية منذ قرن زمني ولا يزال. فعل هؤلاء هو خيانة وطنية بكل المعاني والمقاييس. الرأسمال وحسابات البنوك والحالة هذه مغمسة بدماء الشهداء، الذين سقطوا وما يزالون في سبيل تحرير فلسطين. هؤلاء يخونون قضية المعتقلين، فوفقاً للإحصائيات فإن ما يزيد على 3 أرباع مليون فلسطيني مرّوا(وما زال بعضهم) في تجربة الاعتقال من قبل العدو الصهيوني. بالطبع في كل شعب من يخونون قضيته بطرق مختلفة، بعضهم من خلال العمالة المباشرة، والبعض الآخر يخون بطريقة غير مباشرة، لكن فعل الخيانة واحد سواء تم بهذه الطريقة أو تلك. هؤلاء لا يمثلون الشعب أي شعب. الذي يمثل الشعب هم القاعدة العريضة له، وشعبنا في معظمه مقاوم للاحتلال ومخططاته، يقاوم بجسده وبكل ما يمتلك في سبيل قضيته الوطنية.
 
نقول ذلك للإضاءة فقط، ففي الوقت الذي كان فيه بعض الخونة السوفيات يمتطون الدبابات النازية مع أسيادهم، في الحرب العالمية الثانية، وأثناء احتلال مناطق كثيرة في الاتحاد السوفياتي من قبل القوات الألمانية المعتدية، كان الأنصار(الفدائيون) يذيقون الغزاة مرّ اعتدائهم، وكانت امرأة بسيطة من ليننغراد (أثناء حصارها)، تقوم بجمع البيض صباح كل يوم من جاراتها في الحي الذي تسكنه، حتى لا يهنأ الجنود الغزاة بأكل البيض الطازج في المدينة المحاصرة. نماذج شعبنا وعلى مدى تاريخه وحتى اللحظة تمتلئ بالبطولات التي تفوق بطولات الشعوب الأخرى.
 
هؤلاء البعض وفي قسمٍ كبيرٍ منهم يتبعون السلطة الفلسطينية، التي وعلى هامشها نمت شرائح  برجوازية طفيلية كبيرة، كومبرادورية، لا تتذكر بأن وطنها محتل، ولها قضية، وشعبها محتل، وآخرون يعيشون في الشتات، وحياة هؤلاء وأولئك هي معاناة طويلة وشقاء كبير. ألا يدرك هؤلاء أنهم وبجرائمهم هذه يعملون على تكريس الاحتلال. الجشع هو القاعدة العريضة في عقول هؤلاء البعض، وهم في حقيقتهم متواطئون مع الاحتلال.
 
نحن بحاجة إلى لجان شعبية وطنية فلسطينية تحقق في هذه القضية، وتنشر قوائم بأسمائهم أيّاً كانوا وأيّاً كانت المراكز التي يحتلونها، ففي الوقت الذي ترتفع فيه رايات المقاطعة للبضائع الإسرائيلية ولمنتجات المستوطنات وللمؤسسات الأكاديمية في دولة الاحتلال ( ونسوق على سبيل المثال وليس الحصر: مقاطعة المنتجات في المستوطنات من دول أوروبية عديدة، ومقاطعة الأكاديميات البريطانية والجنوب إفريقية للجامعات الإسرائيلية والأكاديميين الإسرائيليين)، يأتي هذا البعض الفلسطيني ليستثمر أمواله في إسرائيل وفي المستوطنات! نحن في زمن العجائب، واللي استحوا ماتوا!!

التعليقات