27/11/2011 - 14:13

الصراع على مصر... جبهة محمد محمود!../ عبد اللطيف مهنا

معارك الأمة العربية، لا تتجزأ. تماماً مثلما هو الحال بالنسبة لقضاياها. نعني كل قضاياها، وهذه صغُرت أم كبُرت، أقطرية كانت أم قومية، بمعنى المحلية أم المركزية

الصراع على مصر... جبهة محمد محمود!../ عبد اللطيف مهنا
معارك الأمة العربية، لا تتجزأ. تماماً مثلما هو الحال بالنسبة لقضاياها. نعني كل قضاياها، وهذه صغُرت أم كبُرت، أقطرية كانت أم قومية، بمعنى المحلية أم المركزية. وكذا الأمر بالنسبة لجبهاتها المفتوحة جميعاً، فهي تظل المتصلة لا المنفصلة، وتبقى المتواصلة التي ترفد تأثيراتها بعضها بعضاً، إن سلباً أو إيجاباً، انتصاراً أم انكساراً. أو هي، مجازاً، في موقع من ينطبق عليه جملة وتفصيلاً قانون الأواني المستطرقة.
 
هذا القول أبعد ما يكون عن التنظير، فالمرحلة في خطورتها ومصيريَّتها لاتحتمل تنظيراً، وإنما تستدعى من الجميع أعمالاً أوأفعالاً، وكل قدر مستطاعه، لكنما بما يتعدى مستوى أضعف الإيمان ليرتقي إلى مستوى خطورتها ومصيريتها... ليس تنظيراً، وإنما هو خلاصة لتجارب مريرة تراكمت في رزنامة أمة مقهورة تكتوي بأتون متوالية معاركها التي لا تنتهي مع جبهة أعدائها، المعارك الدائرة فيها وعليها لحفنة من القرون الأخيرة التي غشتها، والتي لعل راهنها هو أخطرها... خلاصة لتجارب بدا أن عامتنا تدركها بعفويتها بما هوالأفضل من إدراك خاصتنا المشوَّه لها.
 
...إنه قول تقتضيه، والآن تحديداً، زاوية الرؤية الصحيحة المفترضة لما يجري الآن في مصر العرب، بما عنته وتعنيه مصر لعربها، إن في أمسها أو راهنهاً أومستقبلها... قول تقتضيه مثل هذه الحرب، ونقول الحرب، ونقصد المعنى الكامل لمفهوم هذه الكلمة، في توصيفنا لهذه الدائرة الآن في مصر وعلى مصر، بأشكالها المموهة والملتبسة والغامضة، والمعلن وتلك التي لم يتم بعد إشهارها.
 
في مصرنا الآن، المصريون، يخوضون حرب عبورهم الثانية. الأولى كانت عبوراً للتحرير، وهذه المرة إلى الحرية. عبور الراهن ساحته الآن يرمز إليها بشارع محمد محمود... وجبهة محمد محمود هذه، وإن عُقدت حتى الآن هدنة منشودة تحقن دماءا زكيةً في معركة يواجه فيها الحق الشعبي عاري الصدر باطل القمع السلطوي المدجج بأسلحة القمع، جبهة لها طرفان لا ثالث لها واثناهما لهما من هم وراءهما. طرف هو الشعب المصري بقيادة ميدان التحرير ومن خلفه الأمة العربية، والثاني تختصره جبهة من سارقي الثورة والمنصَّبين أوصياء عليها والفلول التي خُلعت قبعتها فاعتمرت طاقية إخفائها ومكثت فلم تبرح مكانها، ومن ورائها مختلف متوفرالامتدادات الخارجية، وما يتقاطع موضوعياً معها، نخبوياً، وانتقالياً... والقيادة المركزية لهذه الجبهة هى في حالة انعقاد دائم في "ليمان طرة"!
 
الطرف الأول هو هؤلاء الشباب زينة مصر ومفخرة الأمة، الذين يواجهون بصدورهم العارية وحناجرهم المدوية رصاص جند السلطة المطاطي وغير المطاطي وغازات الثورة المضادة المسيّلة للدموع والسامة المزهقة للأرواح والمحرمة دولياً، التي يشنها الأوصياء مع الترصد وسبق الإصرارعلى ثورة 25 يناير تحت يافطة الداخلية التي خوى داخلها وانفرط عقدها فأفلتت جحافل بلطجياتها... في شارع محمد محمود كان على طرف منه هذه النسخة الثانية ل25 يناير في أنقى وأرقى وأنبل مظاهرها، وعلى الآخروقف شبح حسني مبارك وهو يبعث من جديد، طليقاً خارجاً من إسار قضبانه ودونما حاجة إلى الاستلقاء جاثماً في سريره المتنقل، وحيث جال مرتدياً بزته العسكرية رافعاً شعار السلطة في خدمة الثورة المضادة ومن حوله بدت سالف موقعة الجمل تتطور إلى لاحق موقعة غاز الأعصاب ويخشى أنها في سبيلها لأن تستبدل جمالها وبغالها بالطوافات والدبابات!
 
في ميدان التحرير، وعلى جبهة شارع محمد محمود، وبالمناسبة، التسمية عائدة إلى وزير داخلية سابق مشهود له بمآثر من تلك التي تنسب للعادلي استبدلها الثوار فأطلقوا عليه شارع الشهداء، في ميدان التحرير هاهي مصر تبدأ ثورتها من جديد، تستعيدها بالعودة بها إلى مربع 25 يناير الأول قبل أن تهل ذكرى اندلاعتها الأولى بشهرين. عادت لتهتف "امشي يعني امشي"... استعادت ميدان التحرير، وفي مصر ميدان التحرير هاهي إرادة التحوّل تواجه مشيئة تعليق التحوّل وتفل مبيَّت الالتفاف على أقداره المتفجّرة... فيه هاهو الإصرار الشعبي الهادر يواجه بدخان المناورات والأحابيل والتواطؤ ذاته الذي يرفده خذلان النخب وانتهازيتها وحساباتها الفئوية البائسة وأنانياتها الحزبية ونكوصها عن مواقفها وتهافتها لاقتناص ما تستطيع تلقفه من كعكة السلطة... هذه، ومن أسف، حال عامة يمكن تعميمها مع قليل من تفاوت... والدليل، لقاء النخب مع سامي عنان المشابه تماماً للقائها مع عمر سليمان، وحيث خطاب طنطاوي يكرر خطاب مبارك الأخير... وحيث نسمع أحد قادة شباب 25 يناير يقول، لقد خدعونا... ومن خلفه نسمع ٍهديراً، "امشي يعني امشي"... ومصر كلها تقول، وما لم يكن لينفع مبارك سوف لن ينفع من ينوبون عنه!
 
في مصر، في جبهة محمد محمود، حرب تختضر حروب مصر والعرب جميعاً. لها طرفاها ذاتهما، يتكرران على اختلاف الأزمنة والأمكنة في منكود حفنة القرون الأخيرة. المصريون والأمة، تقابلهما الثورة المضادة والغرب وصهاينته وصهاينتهما العرب... ودليلنا هو أنه وعلى الرغم من مسارعة وزير خارجية المرحلة الانتقالية ومدير استخباراتها ومستويات أخرى لتطمين الصهاينة على صحة وسلامة اتفاقية "كامب ديفيد"، وفق ما أعلنه الإسرائيليون، فقد سرب هولاء ما يلي: في لقاء استمر لساعات طويلة وتقرر مواصلته في اليوم التالي، بين الأجهزة الأمنية والحكومة الإسرائيلية، عرضت الأولى على الثانية "توقعاتها للسيناريوهات المتطرفة الممكنة في مصر"، وسائرالجبهات الأخرى، "الفلسطينية والأردنية والسورية والإيرانية "، وحيث استعرض رئيسا الأركان والاستخبارات العسكرية مع الحكومة "امكانية إلغاء كامب ديفيد"!
 
...في مصر النسخة الثانية لثورة 25 يناير لن تكون الأخيرة، قد تتبعها نسخة ثالثة، فالمشوار طويل، وفيما قد يلي من نسخ متوقعة، قد نسمع هتافاً له نكهةً أكثرقوميةً غابت حتى الآن عن الميدان... وربما نسمع : "مش حنمشي كامب ديفيد هيا اللي تمشي"!
... معارك الأمة وقضاياها لا تتجزأ...

التعليقات