02/12/2011 - 22:34

خمسة أسئلة عن الأزمة/ علاء الأسواني

لقد فرضت الظروف على الثورة المصرية أن تقاتل على جبهتين: لا بد من استمرار التظاهر السلمي والاعتصام حتى يستجيب المجلس لارادة الثورة ويقيل الجنزوري ويشكل حكومة مستقلة برئاسة شخصية تنتمي للثورة. لا يهمنا هنا الانتماء السياسي لرئيس الوزراء المقترح وانما الأهم مدى اخلاصه لمبادئ الثورة، سواء أكان الدكتور محمد البرادعي الليبرالي أم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الاسلامي أم أية شخصية تماثلهما في المصداقية، فان رئيس الوزراء الثوري وحده القادر على حماية الثورة وتصحيح مسارها. هذا هو المطلب الذي يجب أن نجتمع عليه ونضغط بكل قوتنا من أجل تحقيقه لكن مشاركتنا في الانتخابات أيضا ضرورية. ان واجب الثوريين في رأيي أن يشتركوا في الانتخابات بكل قوتهم. اذا أجريت الانتخابات بدون تزوير فسوف يدخل عدد من الثوريين الى البرلمان واذا تم تزوير الانتخابات فسيكون الثوريون شهودا على خيانة الأمانة، وسوف يتم الغاء الانتخابات المزورة بارادة الشعب.. ان الشعب الذي استطاع بشجاعته وتضحياته أن يجبر مبارك على التنحي لن يستطيع أحد أن يزور ارادته.

خمسة أسئلة عن الأزمة/ علاء الأسواني

 

- علاء الأسواني-

السؤال الأول: ما هي الشرعية التي يستند اليها المجلس العسكري في حكم مصر خلال الفترة الانتقالية؟
في يوم 11 فبراير، خرج عمر سليمان ليعلن للمصريين أن حسني مبارك تنحى عن الحكم وقام بنقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى المجلس العسكري. هنا نجد تناقضا غريبا. فالرئيس المخلوع لا يملك بعد خلعه أن يعطي سلطاته لأحد. الأمر هنا يشبه مديرا لاحدى الشركات تمت اقالته من منصبه وذهب الى بيته ثم وقع بعد ذلك قرارا بتعيين موظفين جدد في الشركة.. التعيين هنا غير شرعي لأن المدير الذي أقيل لا يملك أن يعين أحدا، وبالمثل فإن مبارك المخلوع لا يملك أن يعين المجلس العسكري لأنه نفسه فقد الشرعية وبالتالي لا يمكن أن يعطيها لسواه. أما من الناحية الدستورية فان دستور 1971 لا يسمح أبدا للمجلس العسكري بأن يحكم مصر اذ ينص في حالة عجز رئيس الدولة عن القيام بمهام منصبه، على أن يتولى السلطة رئيس المحكمة الدستورية العليا. لا الدستور ولا المخلوع مبارك يصلحان كي يشكلا مصدرا لشرعية المجلس العسكري. من أين اكتسب شرعيته اذاً؟ الشرعية الوحيدة للمجلس العسكري هي الثورة المصرية. في يوم 11 فبراير، كان هناك عشرون مليون ثائر مصري في الشوارع نجحوا في خلع مبارك ولو أنهم يومئذ رفضوا حكم المجلس العسكري لكان لهم حتما ما أرادوا. الثوار هم الذين وثقوا بالمجلس العسكري ومنحوه الشرعية وأوكلوا اليه تنفيذ أهداف الثورة. المجلس العسكري اكتسب شرعيته من الثورة، وهو عندما يفقد ثقة الثوار فانه يفقد معها السند الوحيد لشرعيته. من هنا نفهم لماذا يطالب المجلس العسكري باستفتاء كي يبقى في السلطة. انه يبحث عن شرعية جديدة بعيدا عن شرعية الثورة، وهو يستغل ثقة المصريين بالجيش من أجل الحصول على موافقتهم على استمراره كسلطة سياسية عرقلت مسار الثورة وعطلتها وأوصلتنا الى هذه الأزمة. هذه مغالطة لا بد من تصحيحها. ان الثوار الذين يريدون ابعاد المجلس العسكري عن دوره السياسي لا يقصدون اطلاقا استبعاد القوات المسلحة بل هم يحترمونها ويعتزون بها ويريدون لها أن تتفرغ لأداء مهامها الوطنية.
 
 
السؤال الثاني: هل قام المجلس العسكري بحماية الثورة المصرية؟
ـ لقد رفض المجلس العسكري اطلاق النار على المتظاهرين، وهذا موقف يحسب له لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ خلال تسعة أشهر لم يقم المجلس العسكري بحماية الثورة اطلاقا بل ان العكس صحيح. لقد اعتبر المجلس العسكري خلع مبارك ومحاكمته أقصى ما يمكن للثورة أن تحصل عليه، ثم احتفظ بنظام مبارك كما هو في السلطة، وهكذا بدلا من التغيير الشامل الذي قامت الثورة من أجله لم يتغير في مصر الا شخص الرئيس. ان نظام مبارك ما زال يحكم مصر، بدءا من مباحث أمن الدولة التي استأنفت نشاطها الاجرامي بكامل طاقتها، الى قيادات الشرطة من أتباع السفاح حبيب العادلي الذين يحكمون وزارة الداخلية ويستمرون في قتل المتظاهرين وانتهاك آدميتهم، الى النائب العام الذي اضطر الى مواءمات سياسية بلا حصر في عهد مبارك، الى القضاة الذين أشرفوا على تزوير الانتخابات الى رؤساء البنوك الذين عينهم جمال مبارك، الى الاعلاميين المنافقين عملاء أمن الدولة، الى كبار المسؤولين في كل هيئات الدولة. لقد صار المشهد في مصر فريدا من نوعه.. ثورة قامت من أجل اسقاط نظام مبارك لكن المجلس العسكري أنقذه واحتفظ به في السلطة. النتيجة مؤسفة ومتوقعة. قام نظام مبارك باحتواء الثورة واجهاضها عن طريق خطوات محسوبة بعناية: بدءا من الانفلات الأمني المقصود واطلاق البلطجية والسجناء الجنائيين لترويع المواطنين وتقاعس الشرطة عن أداء واجبها برضى المجلس العسكري، ثم ارتفاع الأسعار المتعمد والاضرابات الفئوية التي تتعمد السلطات تجاهلها حتى يندفع المتظاهرون الى الشغب وقطع الطرق، ثم الحملات الاعلامية المضللة لاقناع الناس بأن الثورة هي السبب في كل هذه الأزمات، ثم إحداث الفتن الطائفية التي تخصص في صنعها ضباط أمن الدولة واحراق الكنائس على مرأى من أفراد الأمن والشرطة العسكرية الذين يكتفون بالفرجة ولا يتدخلون. مع كل هذه الأزمات المفتعلة قامت حملة اعلامية ضخمة لتشويه صورة شباب الثورة (الذين يمثلون أنبل ما في مصر).
 
كان المقصود ترويع الشعب الذي ساند الثورة وانهاكه بالأزمات حتى يتخلى عن الثوار ويتركهم وحدهم.
 
عندئذ ينقض عليهم النظام القديم ويسحقهم فيكون قد قضى على الثورة نهائيا. الضربة النهائية ضد الثوريين كان موعدها يوم السبت 19 نوفمبر، قبل الانتخابات بأسبوع حتى تستبعدهم نهائيا من المشهد الانتخابي.
 
ان الانقضاض الوحشي من أجهزة الأمن على مصابي الثورة المعتصمين في التحرير كان مقصودا من أجل استدراج شباب الثورة الى معركة 
غير متكافئة يتم سحقهم فيها.
 
اعتدى أفراد الأمن والشرطة العسكرية على مصابي الثورة، ثم اعتدوا بشراسة على المتظاهرين الذين جاءوا للدفاع عنهم. وبعد أن تم اجلاء المتظاهرين عن الميدان قامت الشرطة العسكرية بفتحه من جديد حتى يندفع اليه الثوار مرة أخرى فيتم سحقهم مرة أخرى. كل ذلك كان مخططا بعناية مع افتعال أزمة في شارع محمد محمود (الذى لا يفضي الى وزارة الداخلية) من أجل اقناع الرأي العام بأن قتل المتظاهرين انما يتم دفاعا عن وزارة الداخلية من أجل منع اقتحامها بواسطة الثوار. على أن الشعب أفسد الخطة عندما نزل الى ميادين مصر كلها ليساند الثورة. أربكت هذه المفاجأة نظام مبارك فتورط في المزيد من الجرائم الوحشية ضد متظاهرين سلميين عزل. قام أفراد الأمن برعاية الشرطة العسكرية (بشهادة الطب الشرعي) بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي ووجهوا طلقات الخرطوش الى عيونهم ثم أطلقوا عليهم الغازات السامة.
 
وعندما أدرك النظام أن الثوار مصرون على الاعتصام مهما قدموا من تضحيات كان لا بد من تنازلات قليلة فأقيلت حكومة شرف وتم تشكيل 
حكومة الجنزوري ليؤكد المجلس العسكري تجاهله ارادة الثورة واصراره على احتكاره للسلطة ودفاعه عن نظام مبارك الى النهاية.
 
 
السؤال الثالث: لماذا لا نترك المجلس العسكري في السلطة حتى تسليم البلاد الى رئيس منتخب؟
لأن المجلس العسكري هو نظام مبارك بلا زيادة ولا نقصان. هل نتوقع من نظام مبارك ان يساعدنا على اسقاط نفسه؟ هل نتوقع من قيادات الداخلية الموالية لمبارك أن يساعدونا على استعادة الأمن حتى نتمكن من اقالتهم وتحويلهم الى المحاكمة؟ هل نتوقع من رؤساء البنوك الذين عينهم جمال مبارك أن يساهموا في انعاش الاقتصاد حتى تأتي حكومة منتخبة تقيلهم من مناصبهم وقد تحاكمهم بتهم الفساد؟ هناك فيديو يصور ضابط شرطة وهو يوجه طلقات الخرطوش الى عيني المتظاهر ثم يتلقى تهنئة زملائه على فقء عين انسان بريء. هذه الواقعة المسجلة بالصوت والصورة لها دلالة: هكذا يفعل نظام مبارك بالمصريين بعد الثورة كما كان يفعل بهم قبلها. لقد طلب النائب العام التحقيق مع الضابط فرفضت وزارة الداخلية تسليمه وثار زملاؤه تضامنا معه... طبعا.. لا يمكن أن ينفذ الضابط أوامر قائده بفقء عيون المتظاهرين ثم يحاكم لأنه نفذ الأوامر. ان استمرار المجلس العسكري كسلطة سياسية معناه القضاء على الثورة. الحل الوحيد لانقاذ الثورة هو أن يتم تشكيل حكومة ثورية توافقية تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية ولا تخضع للمجلس العسكري، حكومة تستطيع تطهير الشرطة والقضاء واستعادة الأمن واجراء محاكمات عادلة لكل من أجرم في حق المصريين. المجلس العسكري يعلم أن تشكيل حكومة مستقلة سيقضي على نظام مبارك الذي يدافع عنه باستماتة، ولذلك فهو يناور ويفاوض ويدعو لمناقشات لا تنتهي مع قوى سياسية، ويدعوهم الى تشكيل مجالس استشارية شكلية لن يستشيرها أحد. المجلس العسكري يريد أن يكسب الوقت حتى تبدأ الانتخابات وينشغل الناس بها فيتم فرض الجنزوري على الشعب المصري لتقضي حكومته على البقية الباقية من الثورة.
 
 
السؤال الرابع: لماذا يصر المجلس العسكري على اجراء الانتخابات بالرغم من تدهور الحالة الامنية وتخبط الأجهزة المسؤولة عنها وعشوائية المشهد؟
السبب أن المجلس العسكري قد ضاق بالثورة ومطالبها وهو يريد أن يعتبرها كأنها لم تكن. ولأن الثورة تشكل الشرعية الوحيدة للمجلس العسكري فهو يبحث عن شرعية جديدة سيقدمها له برلمان متعاون معه. لقد فعل المجلس العسكري كل ما يمكنه ليستبعد الثوريين من مجلس الشعب ورفض تطبيق العزل السياسي على أعضاء الحزب الوطني وسمح لهم بتشكيل عشرة أحزاب جديدة حتى يستعملوا أموالهم المنهوبة من الشعب في شراء الأصوات والدخول الى البرلمان. لقد تم التخطيط للانتخابات بهدف وحيد واضح تماما: تشكيل البرلمان القادم من الفلول والاخوان الذين وجد فيهم المجلس العسكري شريكا مضمونا مطيعا على استعداد لأن يفعل كل ما يطلب منه في مقابل مقاعد الحكم.
 
 
السؤال الخامس: ما العمل؟
لقد فرضت الظروف على الثورة المصرية أن تقاتل على جبهتين: لا بد من استمرار التظاهر السلمي والاعتصام حتى يستجيب المجلس لارادة الثورة ويقيل الجنزوري ويشكل حكومة مستقلة برئاسة شخصية تنتمي للثورة. لا يهمنا هنا الانتماء السياسي لرئيس الوزراء المقترح وانما الأهم مدى اخلاصه لمبادئ الثورة، سواء أكان الدكتور محمد البرادعي الليبرالي أم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الاسلامي أم أية شخصية تماثلهما في المصداقية، فان رئيس الوزراء الثوري وحده القادر على حماية الثورة وتصحيح مسارها. هذا هو المطلب الذي يجب أن نجتمع عليه ونضغط بكل قوتنا من أجل تحقيقه لكن مشاركتنا في الانتخابات أيضا ضرورية. ان واجب الثوريين في رأيي أن يشتركوا في الانتخابات بكل قوتهم. اذا أجريت الانتخابات بدون تزوير فسوف يدخل عدد من الثوريين الى البرلمان واذا تم تزوير الانتخابات فسيكون الثوريون شهودا على خيانة الأمانة، وسوف يتم الغاء الانتخابات المزورة بارادة الشعب.. ان الشعب الذي استطاع بشجاعته وتضحياته أن يجبر مبارك على التنحي لن يستطيع أحد أن يزور ارادته.
 
ان الثورة المصرية تمر بلحظة حرجة لأن المجلس العسكري احتفظ بنظام مبارك الذي استعاد قوته وهو يكيل الضربات للثورة من أجل اجهاضها، لكن الشعب الذي صنع الثورة هو الذي سيحميها حتى تنتصر بإذن الله .... الديموقراطية هي الحل. 

التعليقات