05/12/2011 - 13:53

غليون وإيران وحزب الله../ عبد الباري عطوان

الدكتور غليون وقع في مصيدة إعلامية جرى نصبها له بذكاء كبير من قبل صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي تمثل اليمين الأمريكي

غليون وإيران وحزب الله../ عبد الباري عطوان
هناك قاعدة سياسية تقول إن الأنظمة القوية تخلق معارضة على الدرجة نفسها من القوة، وإن العكس صحيح، ولا نعرف مدى دقة هذا التوصيف، ولكن ما ندركه ونعرفه، من خلال المتابعة وعلم القياس، أن هذه القاعدة لا تنطبق على سورية، ونحن نتحدث هنا عن المعارضة السورية الخارجية، وليس عن المعارضة الداخلية المتمثلة في الانتفاضة الشعبية التي قدمت، وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية ما يقرب من أربعة آلاف شهيد، معظمهم من المدنيين.
 
نقول هذا الكلام بمناسبة التصريحات التي أدلى بها الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني الانتقالي في سورية، وقال فيها إنه في حال توليه السلطة، بعد نجاح المجلس الذي يقوده بالإطاحة بالنظام السوري الحاكم سيبادر إلى قطع العلاقات المميزة مع إيران وحزب الله، بسبب دعمهما للنظام السوري وإقامة تحالف معه.
 
الدكتور غليون وقع في مصيدة إعلامية جرى نصبها له بذكاء كبير من قبل صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي تمثل اليمين الأمريكي، وتعتبر إحدى حلقات منظومة الملياردير الأسترالي ـ البريطاني روبرت مردوخ. فقد كان عليه أن يتنبه جيدا الى هذه المصيدة، وأن يتجنب الوقوع فيها، وأن يختار تصريحاته وأقواله بعناية فائقة، ولكنه لم يفعل هذه المرة.
 
الدرس الأول في علم السياسة، ونحن لا نحاضر هنا على البروفسور غليون أستاذ الفلسفة في جامعة السوربون، هو عدم الإجابة على أسئلة افتراضية، مثل السؤال الذي جرى طرحه عليه من قبل الصحيفة المذكورة ومحررها. والرد الأفضل في هذه الحالة هو الامتناع عن الإجابة، والقول إن هذا سؤال افتراضي يمكن الإجابة عليه في حينه، أي بعد أن يسقط النظام، وتتولى المعارضة الحكم، ويتم إجراء انتخابات حرة نزيهة، في إطار نظام برلماني تعددي، ثم بعد ذلك تقرر الحكومة المنتخبة سياساتها الخارجية، وطبيعة علاقاتها الدولية، وبالتالي مع من تقيم علاقات مميزة دولية، ومع من تقطعها (أي عندما نصل الى هذا الجسر نقطعه).
 
طريق الدكتور غليون والمجلس الوطني السوري للوصول إلى الحكم ما زال طويلا، لأن الأوضاع في سورية، وفي المنطقة تتغير بطريقة متسارعة، ولا يستطيع أي مراقب، مهما أوتي من القوة وبعد النظر، والدقة في التحليل أن يتوقع ماذا يمكن أن يحدث غدا في منطقة تعتبر من أكثرالمناطق تقلبا في العالم بأسره.
 
***
 
الدكتور غليون لا يملك بلورة سحرية، ولا نعتقد أنه خبير في قراءة الطالع أو الضرب في الرمل، وحاله هذا لا يختلف عن حال الكثيرين في المنطقة، زعماء كانوا أو مواطنين عاديين، لأن من يقرر معظم السياسات في المنطقة ليس دائما أبناؤها. وهناك قوى خارجية جاهزة دائما للتدخل عسكريا أو سياسيا خدمة لمصالحها ومخططاتها، مثلما حدث في العراق وليبيا وأفغانستان، وأكثر من مرة في لبنان.. طبعا هناك استثناءات عديدة، أبرزها الثورات العربية التي غيرت أنظمة ديكتاتورية قمعية حليفة للغرب، مثلما هو الحال في تونس ومصر واليمن، وإن كان هذا التغيير ما زال محفوفا بالمخاطر بسبب الثورة المضادة وفلول الأنظمة، والمؤامرات الخارجية، وما تحمله من مخططات لتركيعها وحرفها عن مساراتها الوطنية التي انطلقت لتحقيقها والسير على نهجها.
 
المنطقة العربية تقف الآن على مفترق طرق، وعملية تغيير من نوع مختلف، قد يكون عنوانها إجهاض الثورات الشعبية، وإعادة ضبط إيقاع الشارع العربي وفق المصالح الغربية في بقاء إسرائيل قوية نووية وعظمى، والاستمرار في التحكم بالنفط العربي واستمرار تدفقه وأسعاره وعوائده في اتجاه رئيسي وهو الغرب في معظم الأحوال.
 
العنوان الأبرز لهذا التغيير قد يكون الحرب، حرب على إيران لتدمير برامجها النووية وبناها التحتية الاقتصادية، وتغيير النظام فيها، أو تفتيت وحدتها الترابية وزرع بذور عدم الاستقرار فيها في أسوأ الأحوال. وهذه الحرب لو جرى إشعال فتيلها إسرائيليا، قد تتمخض عن مفاجآت عديدة، فإما أن تحقق أهدافها في تغيير النظام في طهران، وبالتالي في سورية وإنهاء أذرعتهما العسكرية المقاومة، مثل "حماس" وحزب الله، أو أن تواجه الفشل، وتكون إسرائيل وأمريكا، وبعض الحلفاء العرب، الداخلين في حلفها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الضحايا الأبرز.
 
بمعنى آخر قد تؤدي مفاجآت الأيام المقبلة إلى نتيجتين حتميتين، الأولى أنه إذا وصل الدكتور غليون والمجلس الوطني السوري إلى الحكم قد لا يجد إيران التي يريد قطع العلاقات المميزة معها موجودة على الخريطة، وأن وجدت فتحت لواء نظام آخر مختلف يعمل على تعزيز العلاقات معه، أو قد يجد النظام الحالي مستمرا في مكانه وأكثر قوة بعد امتصاص الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأولى، وبالتالي يستمر حلفاؤه في دمشق والضاحية الجنوبية لبيروت وقطاع غزة ولكن بصورة أقوى، والتفاف جماهيري أكبر.
 
***

المعارضة السورية الخارجية، ونصرّ على التمييز بينها وبين المعارضة الداخلية مثل التنسيقيات الشعبية، تحتاج إلى وقفة مراجعة كاملة، من حيث إعادة النظر بأدائها السياسي، وخريطة تحالفاتها، ونوعية خطابها، سواء الموجه منه إلى الداخل، أو ذلك المتعلق بالتعاطي مع الإعلام الخارجي. ولعل المهمة الأكبر التي تنتظرها قبل هذا وذاك هي كيفية حل الخلافات التي تنهش جسدها وتشوه صورتها أمام العالم، ولا نقول تقوض مصداقيتها.
 
حتى لا نتهم بالتعميم نشير إلى حادثة واحدة فقط وهي أن هذه المعارضة عندما دعيت للقاء ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في لندن قبل أسبوعين، عجزت عن توحيد صفوفها، ولقاء المسؤول البريطاني كوفد واحد، لأن قطبيها (برهان غليون وهيثم مناع) رفضا الجلوس مع بعضهما البعض، أو الدخول سويا كوفد موحد، واضطر رئيس الوزراء البريطاني إلى لقائهما كوفدين مستقلين.
 
ولا بد في هذه العجالة من الإشارة إلى الخلافات والاتهامات بالعمالة والتخوين التي يتبادلها أقطاب المعارضة في الخارج، ثم بين هؤلاء أو بعضهم، بأهل الداخل، مثل ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم، وفوق كل هذا وذاك الأسلوب غير الديمقراطي وغير الحضاري الذي تعاملوا من خلاله مع بعض معارضيهم، ومن الموالين للنظام، مثلما حصل مع وفد الفنانين الموالين في القاهرة، وهو أسلوب لا يعكس رغبة في القبول بالتعددية والقبول بالآخر والتعايش معه.
 
لا نختلف مطلقا حول ديكتاتورية النظام ودمويته، وتحمله المسؤولية الأكبر لقتل 4000 شخص بسبب إصراره على الحلول الأمنية، وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية طائفية، ولكن نرى من الواجب علينا في الوقت نفسه الحديث عن سلبيات المعارضة وأخطائها، فهي ليست منزهة عن النقد أيضا، فكما أن النظام يخطئ ولكن بطرق دموية، فهي أيضا تخطئ بصورة تسيء إلى الانتفاضة السورية، مع التذكير أنه لا النظام منتخب ولا المعارضة أيضا.
 
نتمنى على الدكتور غليون، وكل المعارضين الآخرين أن يتريثوا في المرات المقبلة قبل التهديد بقطع العلاقات مع هذا أو ذاك، يتريثوا حتى يصلوا إلى الحكم أولا، وعليهم أن يتذكروا أن هناك شارعا سوريا، ومن ثم عربيا يراقبهم، وأن مهمتهم الأبرز هي الوصل وليس القطع حاليا على الأقل.

التعليقات