09/12/2011 - 11:46

حين لا تفهم الدولة معنى المواطنة../ حنين زعبي

بالنسبة لنا هذه القوانين والمخططات التي تمرر اليوم، هي أكثر من عملية خرق لحقوقنا، فهي تصل إلى مستوى إعلان حرب على وجودنا، وإهانة لمكانتنا ولهويتنا الجمعية. على الدولة أن تدرك ذلك

حين لا تفهم الدولة معنى المواطنة../ حنين زعبي
اقتراح قانون داني- دانون، المطالب بأداء القسم وتعهد الولاء للدولة عند إصدار  بطاقة هوية، أو رخصة قيادة، أو جواز سفر، ينضم ليس لموجة قوانين فحسب، بل للجو السائد داخل الكنيست ولسياسة الهجمة على "المواطنين" الفلسطينيين داخل إسرائيل.
 
ينضم هذا القانون، إلى سلسلة قوانين، تستهدف أمرين؛ الأول: إعادة تأكيد، بل وتوسيع مفهوم غير ديمقراطي للمواطنة، أي تفريغ المواطنة من مواطنيتها، بوضع الدولة وليس المواطن في المركز، أي عمليا توسيع المفهوم الاستبدادي للدولة. ثانيا: التشريع للّامساواة بين المواطنين.
 
تندرج  سلسلة القوانين في صلب عمل الحكومة الحالية، فإذا ما قمنا بتحليل سلة قوانين صودق عليها خلال السنتين الأخيرتين، سنرى أن سياستين رئيسيتين يحرص عليهما نتانياهو: رهن المواطنة أو المساواة بالولاء للصهيونية من جهة، وتهويد القدس وفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات، من جهة أخرى. بكلمات أخرى، يكمن عماد عمل الكنيست في السنتين الأخيرتين بقوننة الصهيونية (أي قوننة اللامساواة) وقوننة الاحتلال.
  
تحّول هذه القوانين، الولاء للصهيونية، وليس المواطنة، لمصدر للحقوق. بالتالي هي نفسها تثبت أن المواطنة مشروطة، وأن من يحتاج لإثبات الولاء هو الدولة نفسها، غير الموالية للمواطنة المتساوية، ولوضع المواطن في المركز، مبدآن هما أساس المواطنة في أي دولة ديمقراطية.
 
إن مجرد التفكير في قوانين الولاء، وقوانين إعطاء الامتيازات لمسرحي الجيش، وقانون تغليب القيم الصهيونية أو اليهودية العلمانية – ما يسمى في القانون الإسرائيلي خطأ باليهودية-، هو مؤشر للكسر العميق وللتناقض المباشر بين المبنى القانوني الحالي في الدولة، وبين قيم الديمقراطية واستحقاقاتها.
 
بالعكس المطلوب الآن هو أن تعترف الدولة بعدم ولائها هي للديمقراطية، واقتراح قانون ديختر، الذي سحبه، وعدله، ولم يطرحه بعد، حول أولوية الصهيونية (ما يعرف بالقيم اليهودية) على الديمقراطية، هو إثبات على توجه سياسي مركزي في الثقافة الإسرائيلية، يتعدى المزاجية، أو انسياق وراء شعبوية سياسية يمينية، أو محاولة كسب تأييد قاعدة يمينة، إلى أن يكون تغييرا عمليا في قوانين وقواعد اللعبة السياسية. القوانين التي تسن أو تطرح لكسب تأييد قاعدة يمينية، تبني نظاما سياسيا مختلفا لتحولها لقواعد لعبة تتحكم بسياسات وتحركات غير اليمين في إسرائيل، أي أنها تسري على الجميع كقواعد عامة، وبالتالي تنتج ثقافة سياسية جديدة عليها سيتربي أيضا الجمهور غير اليميني في إسرائيل.
 
إذا الخطر الحقيقي، لا يكمن فقط في وجود مثل هذا اليمين، بل حقيقة أنه لا وجود لبديل حقيقي له، فجزء كبير من هذه القوانين موقع عليها بل وبادر لبعضها أعضاء من "كاديما"، مثل "لجان القبول"، وقانون "التشهير". فالحسم في الكنيست غير قاطع ما بين الائتلاف الحكومي –كمؤيد للقوانين- وما بين مركز المعارضة (كاديما)، كمعارض لها.  
 
والخطر الثاني، كما أسلفت، أننا لسنا بصدد طفرة مزاجية فقط، أو كسب هذا الجمهور أو ذاك، بل يتجسد في تحويل هذه الشعبوية إلى قواعد سياسية، إلى قواعد تتحكم بالسياسة، وتتحول إلى مصدر للشرعية السياسية. قواعد اللعبة ليست في الكنيست فحسب، بل الأهم في العلاقة ما بين الدولة والمواطن، حيث تتحول إلى درجة الإعلان الصريح عن الصهيونية (بمسمى قيم يهودية)، كمصدر للشرعية والمساواة، بدل المواطنة.
 
التحويل القانوني للصهيونية (بدل المواطنة) إلى منظومة قيم عليا، هي الوجه الآخر من تحويل دولة إلى حزب سياسي، أو إلى مشروع سياسي.
 
 يقدم التاريخ الحديث نماذج مروعة خاصة من أوروبا القرن العشرين على تحول أيديولوجيا الأغلبية، إلى مصدر المواطنة، واليوم ليس هناك أي دولة ديمقراطية من هذا الطراز. بالعكس المواطنة في الدول الديمقراطية، أي المساواة بين المواطنين هي فوق الأغلبية، أيا كانت عقيدتهم وعقائدهم وأيديولوجيتهم.
 
في إسرائيل الأغلبية الصهيونية، تتحول هي لمصدر الشرعية، بدل أن تكون محتكمة لها. ولذا فإن من يقوم بمخالفة تعريف إسرائيل كدولة ديمقراطية، هي الدولة نفسها، فهي في كل إجراء قانوني وفي كل مخطط سياسي تدوس وتخالف مبدأ الديمقراطية والمساواة، وليس المواطن.
 
وهنا علينا أن نشدد أننا لسنا بصدد تحول من حالة ديمقراطية كانت عليها الدولة سابقا، بل التحّول المذكور هو تحول الصهيونية من مصدر شرعية مبطن وموجود في سياسات وفي قوانين غير صريحة، لكنها مؤسسة للدولة وسياساتها، إلى مصدر شرعية علني يجّسد نفسه على شكل قيم عليا. 
 
بالنسبة لنا هذه القوانين والمخططات التي تمرر اليوم، هي أكثر من عملية خرق لحقوقنا، فهي تصل إلى مستوى إعلان حرب على وجودنا، وإهانة لمكانتنا ولهويتنا الجمعية. على الدولة أن تدرك ذلك.

التعليقات