11/12/2011 - 06:27

أن لا تكون عربيا في أيامنا.. إلى عزمي بشارة مع الاعتذار/ نزار السهلي

أن لا تكون عربيا في أيامنا، هو أن تفقد بوصلة الانتماء والتوجه في الواقع العربي الذي ظل مكللا بسياسة التماهي مع شعارات جوفاء تعرت تماما أمام ربيع العرب المحاصر من هجمات المتثقفين المسيسة بعباءة السلطات الحاكمة. هذه الظاهرة غير مرتبطة مع بلوغ ظاهرة بشارة لنقدها الواقع العربي فقط، إنما أسست في مرحلة التكوين الفكري في الداخل الفلسطيني حتى غدت عصبة من متثقفي الفصائل المنتمية لذات العباءة تمارس ذات الدور في الزحف على عقلها، فبالأمس القريب أسست ثقافة الفكر الوطني في الداخل محددات مجابهة الأسرلة لمجتمعها متجاوزةً حدودهُ الإقليمية ليغدو السؤال عن سبب الاهتمام بتلك الظاهرة لبشارة وإطلالته الإعلامية والفكرية على المشاهد والقارئ العربي، وتعني ملامستها للأزمة في حدوها الواسعة والضيقة، في حين كان يستحيل إبقاء ذات الحجر على أسس معرفته ومشاركته في صناعة الحاضر والمستقبل المرتبط بمقاومة أدوات حصار العقل، فعند كل مفصل مرتبط بحالة المقاومة والاشتباك مع المحتل كانت تبرز أهمية العلاقة بين أفكار بشارة وإشكالية ممارسة السلطة لدورها في تعهير وإزاحة الدور المؤثر في عبثية صنع القرار.

أن لا تكون عربيا في أيامنا.. إلى عزمي بشارة مع الاعتذار/ نزار السهلي

 

منذ اندلاع شرارة الربيع العربي، في تونس وانتشارها إلى مصر فاليمن فليبيا، كانت الأنظار تتجه دوما إلى إطلالة الدكتور عزمي بشارة ليدلو بدلوه فيما يجري تحليلا ونقاشا عن أزمة السلطات والشعوب العربية في واحدة من أهم وأعقد اللحظات المصيرية للعالم العربي. ولو أخذنا تلك التحليلات المقدمة وتلهف المشاهد والمتابع لها لأدركنا أهميتها وتأثيرها كونها غير محددة منذ بدء الربيع العربي.. لما شكلته تلك النظرة التحليلية للواقع الفلسطيني والعربي منذ أكثر من عقدين على القدرة في قراءة أسئلة الواقع والإجابة عنها.
 
إذ في الوقت الذي لا يجرؤ كبار ورموز مثقفي السلطات العربية على تجاوز حدهم، ليجدوا أنفسهم مضطرين لإعلان تعلقهم بالعروبة وبفلسطين كإعلان زائف متصل بزيف الادعاء الرسمي لأنظمة أنتجت رهطا كبيرا من مثقفيها المرتدين عن شعارات الانتماء لشعوبهم وقضاياهم العادلة، وتحليل هذه الظاهرة الغريبة المتمثلة في شريحة واسعة من المتثقفين والكتاب العرب الذين مارسوا عملية سياسية وثقافية معبرين عن ذهنية صحراوية، لا تريد الاعتراف بحلول الربيع العربي، ومصرة على وصف الصحراء والتغني ببدائية الأفكار.
 
فبشارة حصل على القدر الهام "كمثقف ومفكر"، ليس لأن هذا الاصطلاح طُرح من بعض وسائل الإعلام كما يشاع أو تم منحه تلك الألقاب من مؤسسات رسمية تتبع النظام الرسمي العربي، بل لأنه أُسس لهُ ضمن مسار النضال الوطني الفلسطيني في فهم ومناهضة الفكر الصهيوني وسياسة الأسرلة لمجتمع عرب 48 في الداخل الفلسطيني، بحيث صعد هذا الفكر كرأس حربة في وجه سياسة الابرتهايد، ليتسع من فضح الديمقراطية الصهيونية و"تنورها ورغبتها في السلام". وتقديم دولة الاحتلال عارية من كل أخلاق تدعيها إلى تقديم رؤية تنسجم وتطلعات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية.
 
غير أن هذا الفكر الذي طالما أخذ مكانته الرفيعة في الواقع العربي، سرعان ما وقف ضده تيار كان بالأمس القريب ينحني في "أوشفيتز احتراما لضحايا المحرقة اليهودية" ينطق اليوم كـ"المتثقفين" في مواجهة الثقافة الوطنية العربية لتجسيد أن لا تكون عربيا في أيامنا في انحناءة أمام ضحايا أوشفيتز ورفع الهامة أمام ضحايا الاستبداد العربي هجوما على ثقافة تقاوم المحتل والمستبد في حملة التحريض التي تفقد صوابها وبوصلتها.
 
أن لا تكون عربيا في أيامنا، هو أن تفقد بوصلة الانتماء والتوجه في الواقع العربي الذي ظل مكللا بسياسة التماهي مع شعارات جوفاء تعرت تماما أمام ربيع العرب المحاصر من هجمات المتثقفين المسيسة بعباءة السلطات الحاكمة. هذه الظاهرة غير مرتبطة مع بلوغ ظاهرة بشارة لنقدها الواقع العربي فقط، إنما أسست في مرحلة التكوين الفكري في الداخل الفلسطيني حتى غدت عصبة من متثقفي الفصائل المنتمية لذات العباءة تمارس ذات الدور في الزحف على عقلها، فبالأمس القريب أسست ثقافة الفكر الوطني في الداخل محددات مجابهة الأسرلة لمجتمعها متجاوزةً حدودهُ الإقليمية ليغدو السؤال عن سبب الاهتمام بتلك الظاهرة لبشارة وإطلالته الإعلامية والفكرية على المشاهد والقارئ العربي، وتعني ملامستها للأزمة في حدوها الواسعة والضيقة، في حين كان يستحيل إبقاء ذات الحجر على أسس معرفته ومشاركته في صناعة الحاضر والمستقبل المرتبط بمقاومة أدوات حصار العقل، فعند كل مفصل مرتبط بحالة المقاومة والاشتباك مع المحتل كانت تبرز أهمية العلاقة بين أفكار بشارة وإشكالية ممارسة السلطة لدورها في تعهير وإزاحة الدور المؤثر في عبثية صنع القرار.
 
أصبحت إسرائيل في مرحلة نهوض فكر الأحزاب العربية داخل فلسطين 48 تسمع كلاما مغايرا من أصحاب الأرض الأصليين على غير ما كانت تقدمهم الدعاية الصهيونية كأقلية تصنع منها جسر عبور للسلام المزعوم، وكأقلية تتمتع "بديمقراطية قل نظيرها" في العالم العربي. ومن خلال تعزيز الانتماء الوطني يزعزع هذا الفكر أركان الدولة التي تراها منهمكة في صياغة مجموعة القوانين العنصرية ضد كل مفردات الوجود والانتماء العربي لسكان البلاد الأصليين، غير أن أبرز من يتم ملاحقته وصوغ القوانين ضده هو ذات الفكر الذي أسس له بشارة وحزب التجمع ورموزهُ في الداخل.
 
ليس صهيونيا من يعتلي منبر "الكنيست" لمواجهة ليبرمان ونتنياهو وقبله شارون ليقول له "لا ولاء ولا انتماء والتواصل مع التاريخ الفلسطيني لا يمر عبركم، والتواصل مع الوطن العربي يجب أن يكون عربيا عربيا لا يمر عبركم، ولا بإذن منكم".
 
منطلق هذا التعبير بثقافة مديدة وراسخة في أدبيات الفكر العربي المقاوم، الذي أسس له عزمي بشارة، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني هو جزء من الأمة العربية وليس جزءا من السلطات الحاكمة لن تغيره بالطبع أسماء كبيرة تختفي خلف أقلام صغيرة وأصوات كبيرة تحتضنها حناجر صغيرة، وألسنة مؤجرة لعقول مأجورة متناسية تارة أن "سايكس بيكو" مزق الجغرافيا العربية، وتارة أخرى بتكريس القطرية الضيقة حول تدخل العربي بشأنه العربي كما يحلو تسميته بالتدخل في شأنك كي لا تكون عربيا في أيامنا، لتتدارك ألسنة المتثقفين وتُمسك رباط الحكم في عملية الربط بين مشروع الفكر الوطني المقاوم وبين انحلال وتحلل البعض بالعودة لقطرية ومناطقية مسقطة قراءة الواقع والتاريخ على حساب التقدم في استخدام معرفة ظاهرة الربيع العربي التي لخص فيها بشارة النهوض العربي غير الممكن من دون إذكاء روح مقاومة المحتل الأجنبي. لكن بشارة شدّد على أنّ أي تيار مقاوم في بلد عربي لا يخضع لاحتلال أجنبي وظيفته هي فضح أنظمته المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبالتالي أن تكون عروبيا في أيامنا فأنت تدعم المقاومة وتقاوم الاحتلال والاستبداد.
 
في ضوء هذا الإدراك، فإن سهولة وغزارة الهجوم على المفكر العربي عزمي بشارة من بعض "المتثقفين" والكتبة بما لهم من مصالح مرتبطة بعباءة السلطات الحاكمة ومن زاوية الأرباح الرخيصة يجب أن نضع في اعتبارنا أنه في اللحظة التي بدأ فيها الهجوم على بشارة من على المنابر السياسية في دولة الكيان الصهيوني ومن دوائرها الأمنية في أسطورة تسويق التهم الأمنية التي اتسعت، لتتطال حنين زعبي وجمال زحالقة وعوض عبد الفتاح، هي نتيجة لابتداع السياسة الصهيونية في إرهاب الشعب الفلسطيني، وهي أيضا نتاج عجز المؤسسة الصهيونية في فرض أسرلتها وسياستها القائمة على محو التاريخ العربي، وبالتالي لم يعد هناك من يصدق أو يقبل بتلك الأسطورة، ذلك لأنه لا غنى لنا إلا في فهم أسباب هذه الحملة على رموز الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج ممثلة بعزمي بشارة وكل أبناء جيله في التحليل لتفكيك البنية الصهيونية وما يشبهها في الاستبداد العربي.
 
وحتى لا نقع في مطب الخلط بين النتيجة والسبب بتغافل الدور الصهيوني الذي يشكل هوية الحملة المنظمة على دور عزمي بشارة وحزبه في الداخل الفلسطيني كسلاح أساسي يرفع في وجه طغيان "الدولة اليهودية" كانت ولم تزل قضية بشارة هي قضية فكر عربي قومي مؤمن بقدرة الشعب الذي يفخر بالانتماء له في زمن بضاعته الثقافية واللغوية تعبير شهير عن سقوط أيديولوجيا السلطات العربية، ونهوض فكر التغيير كأساس لممر إجباري نحو الديمقراطية كهوية عربية أصيلة.
 
أن لا تكون عربيا في أيامنا، هو أن تُعلي شأن الأيديولوجيات المتصارعة لاستغلال الإنسان واضطهاده، الأمر الذي يجعل من كل متثقفي "أوشفيتز" وبلاط السلاطين يخسرون إنسانيتهم بامتياز ليصل العقل المخصي للمتثقف إلى نتيجة أشد غرابة بصورته المقززة وسط مستنفع الاستبداد العربي الذي يعكس من هو مثقف أو متثقف والجواب معروف عن الشعب العربي في ميادين ثوراته.
 
أن لا تكون عربيا في أيامنا، في أن تصم أذنيك وتبتلع لسانك، في مشهد النفاق الإعلامي والفكري والسياسي في رحلة العناد والإنكار المستمر للواقع والتخلي المستمر عن الثوابت الإنسانية والوطنية التي في تحررها وديمقراطيتها تكون عربيا في كل الأيام وتعيش على أرضها القومية. 

التعليقات