24/12/2011 - 11:44

رامبو يعود إلى البيت../ رشاد أبوشاور

المقاومة حصدت ألوف الرامبوات، وأسقطت عشرات طائرات الأباتشي في سماء العراق.. واستنزفت المليارات.. فكانت الهزيمة المبكرة للبوشية، والمحافظين الجدد، وأمريكا الرامبوات منفوخي العضلات المغترين بأسلحتهم الفتّاكة!

رامبو يعود إلى البيت../ رشاد أبوشاور
رحّب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالجنود (العائدين) من العراق، باسمه، وباسم عائلاتهم، وباسم بلدهم أمريكا: مرحبا بكم في البيت.. أي في (الوطن)!
 
اختارفترة أعياد الميلاد العزيزة على قلوب الأمريكيين.. وعجّل في عودة ما تبقى من قوات الاحتلال الأمريكية في العراق. هو لا يعترف بأنها قوات احتلال، فهي عنده تركت وراءها عراقا مستقرا.. ويمكنه الاعتماد على نفسه!

سيقال، وقيل فورا: كسب أوباما نقطة إضافية في معركته الرئاسية، ونقاطه قليلة جدا، فهيلا تزيد عن نقطتين بحسب المحللين السياسيين، مع بدء اشتداد حملة انتخابات الرئاسية، بينه وبين من سيختاره الجمهوريون.

النقطة الأولى، هذا ما يقال، هي: قتل ـ هم هناك في أمريكا يحبون استخدام المفردة التي تدل على القوّة والانتقام، واليد الطويلة التي تصل في (نهاية) الأمر ـ الشيخ أسامة بن لادن!

نقطة قتل بن لادن ورمي جثته في البحر حتى لا يكون له في الثرى ضريح، ويتحوّل إلى مزار لمن يؤمنون بمسيرته، ومن (يكرهون) أمريكا، والنقطة الثانية: عودة الجنود الأمريكيين. هاتان هما النقطتان فقط!.. وعليهما سيحرص أوباما والديمقراطيون لتُشهرا في وجه أي مرشح جهوري منافس.

أمّا الاقتصاد المنهار.. والبطالة، وهما من نتائج حربين غير عادلتين على أفغانستان والعراق، فهما الفشل الذي يترصد أوباما وإدارته، وينتظر أي رئيس جمهوري في حال فوزه، مع عدم نسيان أن أوباما وإدارته ورثا المشاكل، وتكلفة الحربين مالاً وبشرا من سلفه سيء الصيت بوش الابن.

خاطب أوباما بصفته القائد الأعلى جنوده: مرحبا بكم في البيت.. والوقت أعياد الميلاد، وسيكون الجندي العائد سليما.. لم يمت، ولا لحقت به عاهة في العراق.. سعيدا بأنه نفد بجلده، وأسرته ستحتفي به بديك رومي سمين ـ أو (تركي) ـ تجتمع حوله العائلة بلهفة المطمئن، وليس بقلق مشغول البال الخائف على الابن، أو الزوج، أوالحبيب.. الغائص والتائه هناك تحت شمس العراق.. في أوحاله ورماله وأزقته، وهو لا يدري من أين ستأتيه رصاصة الموت، في بلد لا يعرف السبب الحقيقي لمحاربته أهله، وجدوى قتله اليومي لهم، وشكّه فيهم جميعا، هو الذي إصبعه على الزناد طيلة الوقت، وفي رأسه تدوي كلمتان: اقتلهم جميعا.. فيقتل مارة قادهم سوء حظهم أن يكونوا في مرمى نيران رامبو.. يقتلهم احتياطا حرصا على حياته، حتى لو لم يشكلوا خطرا على حياته!

الرئيس أوباما لم يهنىء جنودا (بالنصر).. عكس بوش الابن الذي قفز من جوف طائرة مقاتلة بملابس طيار عسكري، على سطح حاملة طائرات، وأعلن باحتفالية مسرحية هوليودية: المهمة أُنجزت.. انتهت الحرب.. لقد ربحنا!

يومها قلنا، وقلنا هنا بالجمع، لأن الذين قالوا آنذاك راهنوا جميعاعلى روح المقاومة لدى الشعب العراقي.. والتي تفجّرت بعد أيام فقط من احتلال الجيش الأمريكي لساحة الفردوس في قلب بغداد -قلنا: هزيمة أمريكا آتية لا ريب فيها.

المقاومة حصدت ألوف الرامبوات، وأسقطت عشرات طائرات الأباتشي في سماء العراق.. واستنزفت المليارات.. فكانت الهزيمة المبكرة للبوشية، والمحافظين الجدد، وأمريكا الرامبوات منفوخي العضلات المغترين بأسلحتهم الفتّاكة!

لم يجازف أوباما بتهنئة جنوده بالنصر، لأنه لو فعل لكانت تلك فضيحة.. فأمريكا هزمت، رغم كل محاولات إغراق العراق في فتنة الحرب الأهلية، وحرب التفجيرات التي حصدت أرواح ألوف الأبرياء.. تلك التفجيرات التي كثير منها ما زال لغزا، رغم وضوحه.. فمن يقتل العراقيين لا يمكن ان يكون إلاّ مع الاحتلال، وفي خدمة مخططاته مهما ادعّى!

باعتراف إدارة أوباما فإن خسائر جيش الاحتلال الأمريكي للعراق بلغت 4487 قتيلاً و30000 جريح، عدا ألوف الجنود الذين أغروا بالتطوع في الجيش الأمريكي للحرب في العراق، من الأمريكيين اللاتينيين الذين لا يحملون الجنسية الأمريكية، والذين وعدوا بها بعد عودتهم أحياء من العراق.. فكان أن ماتوا، وحملوا أرقاما، ولم تبلغ عائلاتهم بموتهم، فهم (بدون).. وليسوا أمريكيين.. وهكذا راحت عليهم.. وهذه هي الديمقراطية!

كم قتل جيش الاحتلال الأمريكي من العراقيين؟
كم اغتصب من نساء العراق.. من بنات العراق؟
وإلى كم من السنين سيمتد تأثير الأسلحة (المنضبة)، والكيماوية التي لوثت أرض العراق، ونشرت السرطان في أبدانهم، والتشوّه الخلقي في أجنتهم؟
هل ينسى العراقيون والعرب والمسلمون، وكل أبناء الشعوب المضطهدة جرائم الاحتلال الأمريكي التي ستتكشف خفاياها المرعبة في قادمات الأيام؟!

أيام فقط على اقتحام ساحة الفردوس، والمشهد الهوليودي.. وبدأت عمليات المقاومة.. وتصاعدت، وامتدت من أقصى العراق إلى أقصاه.

لاحق رصاص المقاومة الجسورة، ومتفجراتها الذكية.. جنود الاحتلال والقوات المتعددة، وفي مقدمتهم جنود أمريكا، وبريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا و.. كل جنود الدول المرتزقة التي شاركت في افتراس العراق، ظنا منها أن العراق وقع، وأنها ستنال حصة يتركها لها الوحش الأمريكي الشرس النهم!
 
المقاومة التي تآمرت عليها دول عربية، وقوى محلية خائنة باعت ضميرها، وقوى عالمية شريكة للاحتلال.. هي التي حمت دمشق وطهران من زحف الاحتلال الأمريكي الغربي، وهي صاحبة الفضل في طرد الاحتلال الأمريكي، وأدواته المحلية المنبتة عن العراق والأمة.
هل انتصر العراق.. وتحرر؟

لا.. ففجر انتصاره لا يتحقق مع طي آخر جنود الاحتلال للعلم المريكي من آخر قاعدة ومغادرتهم إلى (البيت).
 
هناك في العراق أكبر سفارة امريكية في العالم.. عدد العاملين فيها 16000 جندي وموظف وعميل سي آي إيه.
 
 
هناك عراقيون تابعون للاحتلال، أفسدوا وخربوا وعملوا عيونا للاحتلال، وروّجوا له عندما كانوا يعيشون في أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا.. ودول عربية متآمرة منها خرجت الطائرات التي دمرت بغداد وحصدت أرواح العراقيين.

هناك في العراق أصحاب مشاريع طائفية لا يؤمنون بالوحدة الوطنية، ولا بالعراق العربي.
هناك (دولة) عراق هي ثاني أفسد دولة في العالم بعد الصومال!
هناك في العراق شعب جائع تم إفقاره وتجهيله، شعب تفشت الأمراض في أبدان نسائه ورجاله وأطفاله وأرضه التي بعضها ما عاد يصلح للزراعة!
هناك عراق أمرضه الاحتلال وكان معافى، قويا، سندا لأمته.. وهو في زمن الاحتلال مدد على مائدة الاحتلال.. وأراد له (بايدن) نائب أوباما أن يكون ثلاث دول!
هناك عراق سينهبون ثرواته بحجة إعادة بناء الجيش بعقيدة غربية، أي بسلاح أمريكي، وبإشراف ألوف المدربين الذين بقوا في (كنف) سفارة أمريكا التي هي دولة في قلب دولة العراق.. وهذا ما سيستنزف ثروات العراق لسنين.. ناهيك عن بناء جيش على هواهم.. وماذا ينتظر العراق منهم؟!
 
هل سيبقى العراق مستقرا بعد رحيل الجيوش الأمريكية؟!
هل سيتمكن من الاعتماد على نفسه؟!
نعم.. إذا ما قيضت له قيادة شريفة.. شجاعة.. مؤمنة بعروبته.. بحق جميع أبنائه بالعيش المشترك.. بجميع طوائفه، ولكن هذه القيادة ليست أبدا من تتسلّم العراق من الاحتلال، وتبقي سفارته التي بحجم دولة لتكون الحاكم الفعلي المقرر لمستقبل العراق.
 
العراق المقاوم هو الذي طرد الاحتلال، ودفّعه ثمنا غاليا لاحتلاله، وليست براعة من نصبهم الاحتلال حكاما، فنهبوا ثروات العراق، ولعبوا ألاعيب الطوائف، والولاءات.. ليحتفظوا بالمناصب..وليواصلوا النهب.
 
ليس للعراقيين إلاّ اقتلاع الطائفيين من بينهم، ورميهم من فوق رؤوسهم ووظهورهم.. وتوحيد جهودهم.. واستئناف مقاومتهم المجيدة (لاجتثاث) جذورالاحتلال الأمريكي وأدواته!

أما الجنود الأمريكان العائدون إلى البيت، فليس أمامهم سوى الانضمام لمن رفعوا صوتهم بعد أن تعلموا من ثورات الشعوب العربية: احتلوا وول ستريت، فهناك معركتهم مع من ضللوهم وأرسلوهم لاحتلال العراق وأفغانستان حيث مات زملاؤهم، أوعادوا جرحى أبدانا ونفوسا وعقولا.

احتلوا وول ستريت فهذا هو الاحتلال العادل والمنصف لكم و(لبيتكم) أمريكا!

التعليقات