28/12/2011 - 02:29

انبطحوا تصحوا!!! / علي عبيدات*

ووصلت الأمور بمجموعة ممّن يسمونَ أنفسهم مثقفين وأكاديميين، أن يذهبوا إلى مستوطنة "أرئيل" بدعوة من جامعتها، في واحد من أكبر التجمعات الاستيطانية، للنقاش حول حلول الصراع على حد تعبيرهم، وللتأكيد على أن المستوطنين والفلسطينيين جيرانٌ أعزاء!

انبطحوا تصحوا!!! / علي عبيدات*

 

يبدو أن أعواما عجافا من التدجين والتلقين، حولت الفلسطيني من ثائر إلى مقامر، ومن حكيم إلى مغامر، ومن صانع للكرامة إلى مبايع للانبطاح، ومن صافع للمحتل في الخنادق، إلى مصافح له في باحات الملاهي والفنادق.

سنين طوال من سيل المشاريع الغربية الواضحة المعالم والرؤيا، وغفوة طويلة من الوعي الوطني، حتى باتت طاولات الفصائل والأحزاب مساطب تشيع عليها ما تبقى من مدخرات هذا الشعب، وراياتها شواهدٌ على مكان الدفن.

بات الوضع الفلسطيني محزنا جدا، حتى بات الجميع يؤمن بقاعدة واحدة، "انبطحوا تصحوا"، إلا من رحمته الثورة، ومن حافظ على دمه الفلسطيني نظيفا نقيا من دولارات أمريكا، ويوروهات فرنسا وبريطانيا، وشواقل أبناء العمومة.

وبدلا من أن نسمع أخبار المقاومة ردا على اعتداءات المستوطنين في شوارع الضفة والقدس، وتهويد الأرض وتغيير المعالم في شوارع المثلث والجليل، صرنا نبادر نحن لمصافحتهم، ونزورهم في عواصم عهرهم، ألا وهي المستوطنات.

ووصلت الأمور بمجموعة ممّن يسمونَ أنفسهم مثقفين وأكاديميين، أن يذهبوا إلى مستوطنة "أرئيل" بدعوة من جامعتها، في واحد من أكبر التجمعات الاستيطانية، للنقاش حول حلول الصراع على حد تعبيرهم، وللتأكيد على أن المستوطنين والفلسطينيين جيرانٌ أعزاء!

لا أدري في أي سياق يسوق من يسمون بالمثقفين والمبدعين وجودهم في مستوطنة "أرئيل"، التي أخرجت وخرّجت عشرات المستوطنين الذين استباحوا المساجد والشوارع، يصافحون كبارها، ويغنون لصغارها أغاني العم سام.

ولا أدري كيف صار التطبيع مع المؤسسات الاسرائيلية تسهيلا لحياة الفلسطينيين، حتى صرنا نرى في النجمة السداسية نجما ينير لنا درب الفردوس، وكما قالت جدتي: "الكل صار ماشي جنب الحيط، هذا إذا خلاله المستوطنين حيط أصلا".

وبات خبر المقاومة غريبا دخيلا على شعبنا، وصارت أخبار التطبيع تتصدر كل الأقنية، حتى وصلت الأمور في البعض إلى الخيانة في وضح النهار، وتحققت رؤية القائد والكاتب الثوري غسان كنفاني، بأن الخيانة أصبحت وجهة نظر.

وعلى سيرة غسان كنفاني، ومن لف لفيفه من المقاومين فكريا، ممن امتشقوا القلم وسطروا به أروع الملاحم، يأتي الحديث عن أشباه المثقفين والشعراء اليوم، ممن باتوا لا يكتبون إلا عن المرأة والجسد، حتى أمعنوا في وصف تضاريس المرأة ونسوا تضاريس الوطن.

آخرون راحوا يهللون للثورات العربية، يكتبون لسوريا ومصر وتونس، للجرح في دمشق، وللدم في ميدان التحرير، ولا عيب في ذلك، لكن غالبيتهم نسوا رائحة جسد الوطن المريض، الذي عفنته نوايا التطبيع والمساومة والسلام المزعوم، وقطع الاستيطان الأوردة والشرايين، وشربت أعمال القتل والتخريب والتهويد في شوارعه كأسه الأخير.

والله اشتقنا لزمن كان فيه الاحتلال يحاكم على علم مرفوع، وأغنية تصدح في زقاق البلدة والمخيم، زمن كانت جدتي تخفي فيه شرائط الكاسيت وقصائد توفيق زيّاد، ورسومات ناجي العلي كي لا يصادرها الجنود، زمن كان فيه البيان يخرج مظاهرة، والأغنية تشعل ثورة.

والله اشتقنا لقصيدة فيها وطن، لقصة تفوح منها رائحة البارود، لمقال نقدي تفوح منه رائحة التحدي، لثقافة مقاومة، تثبت أن الثقافة خندقنا الأخير، فالوطن يسرق منا، رويدا رويدا، دون أن يدفع الاحتلال ثمن طلقة، ونحن نعد لرأس السنة حفلة نرقص فيها، ولا ضير في أن يشاركنا فيها أبناء العمومة.

وتحضر جدتي في النص أخيرا، عندما أنطق المثل الفلسطيني لسانها فقالت: "يا فرعون مين فرعنك؟ ما لقيت حدا يردني"، فلو علم هؤلاء المطبعون المبتسمون في الصور إلى جوار غلاة المستوطنين وقادة مؤسساتهم، أن هناك كتابا أحرارا لما أدلوا بدلو تطبيعهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

خذوا تطبيعكم وارحلوا، خذوا سلامكم المزعوم وارحلوا، لا نريد دعمكم ولا نظرياتكم المريضة، لا نريد دوراتكم ومؤتمراتكم وندواتكم، لا نريد شوراع معبدة، وميادين مشيدة، ولا نريد أن ناخذ كأس العالم، نريد أن نحيا بكرامة، أضعتم ما يكفي من البلاد فاستريحوا كي لا تضيع البقية.

 

* القدس المحتلّة.

التعليقات