28/12/2011 - 09:32

في خدمة الاحتلال والخراب../ رشاد أبوشاور

لم يفت الوقت نهائيا على سورية التي تترنح على حافة هاوية فاغرة.. يتحفز أعداؤها لدفعها فيها! الشعب السوري الممزق بين عقلية الحل الأمني.. والمعارضة المتلهفة على تقدم جحافل الناتو لتدمير سورية..هو من ينقذ سورية من ( العقليتين)، ويخرج بها إلى فضاء الحرية والكرامة

في خدمة الاحتلال والخراب../ رشاد أبوشاور
في يومين متتالين، الخميس والجمعة الماضيين، أدمت التفجيرات الانتحارية قلبي بغداد ودمشق.
العراق عرف هذا النوع من العلميات بعد احتلال بغداد في نيسان 2003، وتصاعدت هذه العمليات مع تصاعد المقاومة العراقية الباسلة التي باغتت الاحتلال وعملائه.. ولذا حق السؤال: لماذا.. ولمصلحة من؟!
 
لم يكن رجما بالغيب أن تكون الإجابة: خدمة للاحتلال. هذه كانت وما زالت غاية هذه العمليات المجنونة التي تستهدف العراقيين الأبرياء.
 
إذا كانت المقاومة الباسلة المتصاعدة التي دوّخت الاحتلال الأمريكي وحلفاءه قد رسمت طريق العراق للحرية، فلماذا العمليات الانتحارية التفجيرية؟ وهل هي شكل من أشكال المقاومة؟!
هل من المقاومة استهداف حياة المواطنين العراقيين طائفيا.. تهديم مساجدهم، حسينياتهم، كنائسهم؟!
 
المقاومة تستنهض كل عوامل القوّة في المجتمع ردا على العدو الخارجي الذي يتهدد كل مكونات المجتمع الواحد المنتمي لوطن، وتاريخ، وحاضر، ومستقبل.
 
كيف إذا يُقتل المواطن مجانيا.. يحكم عليه بالإعدام دون أن يقترف ذنبا سوى أنه مواطن، وأنه بالمصادفة تواجد في موقع القتل العشوائي الغاشم؟!
 
مضت المقاومة العراقية الباسلة شاقة ليل ظلام الاحتلال، مبشرة بعراق جديد يفارق كل ما أعاقه، وما يرسمه له الاحتلال، فكان أن وقعت العمليات المدبرة التي بدأت تفرز العراقيين طائفيا، وتخلط الإرهاب بالمقاومة، وخطاب التحرير بالطائفية.. لذا بادر المنحازون للمقاومة إلى وضع تلك العمليات تحت عنوان حاسم: إرهاب في خدمة الاحتلال!
 
المقاومة توحد.. والإرهاب يقسّم.
المقاومة تبعث روح الأخوة بين أبناء الوطن الواحد، والإرهاب ينشر الخوف، والشعور بالعجز، ويدفع للأنانية، والانطواء، ونبش واستعادة أحقاد دفنتها مسيرة الحياة الجامعة المفتوحة على مستقبل أفضل وأجمل.
 
المقاومة إرادة شعب، والإرهاب ستار للاحتلال يواري وجهه، وما تدبر يداه.
المقاومة بناء للروح الفردية والجمعية، والإرهاب تدمير لكل ما يوحد الجماعة، ويفجر في نفس الفرد أبهى وأعظم طاقاته وقدراته على البذل والعطاء.
المقاومة نهوض، والإرهاب انحدار وانحطاط وجهل وتزوير.
لذا لا يمكن أن يخدم القتل المجاني.. قتل المواطنين في الشوارع، وأماكن العمل، والتجمعات... سوى أعداء الشعب والوطن.
 
هذا ما حدث في بغداد، وتكرر كثيرا.. وهو ما أدنّاه دائما، وحذرنا منه، ونبهنا لشروره، وهو ما اقترف من جديد يوم الخميس، فمزقت أجساد في بغداد، وناحت قلوب، وعاد الموت ليخيم على نفوس العراقيين الذين شبعوا موتا، ولم يملّوا وييأسوا من المقاومة، هم الذين بمقاومتهم أفسدوا على الاحتلال الأمريكي مخططاته، وما دبره لحاضر ومستقبل العراق أرضا وشعبا وانتماءً.
 
الآن يضرب الموت المجاني قلب دمشق، واعدا بمسلسل موت يدهم الشام.. ويغرق بياض ياسمينها بدم عربي.. دم مواطنين يمرون بالمصادفة في مكان القتل لينفذ فيهم حكم بالموت، من (قاض) لا يعرف قلبه العدل والرحمة.. قاض جاهل أحمق منحط مهما تزيّا، ومهما ادعى، وكائنا ما كان دافعه ومحرضه.
 
ما يحيّر أن بعض أعمال القتل تلك نفذها أشخاص فجّروا أنفسهم بالسيّارات المفخخة التي يقودونها.. في تجمعات مزدحمة بناس لا يعرفونهم، ولكنهم قتلوهم مستبشرين بدخول الجنّة على أشلاء لحمهم!.
 
 أي تفكير هذا، وأي إيمان، وأية قناعة بدخول الجنة بالقتل لمجرّد القتل.. بقتل من ليس عدوا؟!
من برمج عقول هؤلاء الشباب.. من ضللهم؟ من زرع في نفوسهم كل هذا الحقد على المجتمع كله، والحكم عليه بالإعدام، وترك المحتل يسرح ويمرح في الوطن طولاً وعرضا.. يسرق وينهب ويشوّه ويدمّر؟!
 
كيف لا يشعر هؤلاء بالحرج وهم يرون من أبناء شعبهم من يستشهد في مواجهة المحتّل، باذلاً حياته فداءُ للوطن والشعب والأمة، بينما هم يقتلون أبناء شعبهم؟!
 
في دمشق يعيش قرابة ربع سكان سورية.. لأن دمشق في النهار يبلغ سكانها حوالي سبعة ملايين، منهم خمسة ملايين ونصف المليون هم أهلها، وما تبقى يفدون إليها من ريفها، ومن المدن السورية القريبة والبعيدة.. وعندما يضرب الموت الانتحاري دوار كفر سوسة فإنه يستهدف أهل أحياء المجتهد، والميدان، وباب مصلّى، وكفر سوسة، و.. من يتجهون إلى شارع خالد بن الوليد، و سوق الحميدية، و.. من يسوقهم حظهم العاثر للمرور في تلك المنطقة الحيوية.. قريبا من مستشفى المجتهد.. فيحرمون من زيارة قريب مريض يتعافى هناك، لتكون نهايتهم التي لم تخطر ببالهم.. وهكذا يستهدف الموت السوريين جميعا!
 
في دمشق، وفي كل سورية مدنا وأريافا شعب سوري يتطلع للإصلاح والتغيير.. وهو في حراك منذ أشهر، وإن انحصر هذا الحراك في الضواحي والأطراف،.. لعدّة أسباب منها خيار السلطة للحل الأمني، وجنوح بعض المعارضة لحمل السلاح، ونأي قطاعات واسعة من الشعب بنفسها عن خيار المواجهة المسلحة التي تنحرف بالحراك الشعبي، وتسلبه أهم عوامل القوة المميزة له: سلميته، ورفضه التدخل الخارجي، والصراع الطائفي المدمّر لسورية.
 
إذا كانت هذه العمليات في العراق قد سارت في طريق نقيض للمقاومة، فهل يمكن أن تكون في دمشق خدمة للحراك الشعبي، ومطالب التغيير في سورية؟!
ماذا تضيف هذه العمليات لخيار السلاح الذي تمضي به بعض المعارضة السورية المدعومة من أطراف نفطية، ومباركة غربية، واحتضان تركي رسمي؟!
هل غيّرت هذه العمليات الإجرامية حياة العراقيين تحت الاحتلال للأفضل؟!
هل أسهمت في طرد الاحتلال من العراق؟!
 
أبدا.. لم تقدم أي عنصر إيجابي على مدى تسعة أعوام هي أعوام الاحتلال الأمريكي للعراق، وتفشي نشاطات الموساد الصهيوني فيه، واستفحال التأثير الإيراني في جنوبه، وحتى على ساسته في المنطقة الخضراء.
 
فقط المقاومة هي التي أثّرت، وغيّرت، وخسّرت الاحتلال، وألحقت به الهزيمة الأخلاقية، والمادية، والبشرية، وعرّت سلوكياته المخزية الحقيرة.. وما أبو غريب إلاّ أحد الأمثلة!
 
عملية يوم الجمعة في قلب دمشق، وما ألحقته من خسائر بشرية بأهل الشام، وسورية عموما، تهدف إلى تيئيس السوريين عموما، ودفعهم للخوف والانكفاء، وإفقادهم الثقة بأنفسهم، وحاضرهم، ومستقبلهم.
 
لا يهم اسم الجهة التي نفذت، فالاسم يمكن انتحاله، أو لصقه بجهة ما.. المهم أن من اقترفوا جريمة يوم الجمعة في الشام، بعد مذبحة يوم الخميس في بغداد.. لهم ( مرجعية) واحدة، وهم ينفذون أهدافها علموا أو جهلوا.. وإذا كان المواطنون الأبرياء قد قتلوا بدون ذنوب اقترفوها، فإن من سرقوا حياتهم سيمضون إلى الجحيم تلاحقهم لعنات اليتامى والثكالى.
 
ما حدث في الشام هو استهداف لدور الشعب.. كما سلف في العراق.
ضرب الوعي الثوري، وعي الانتماء للوطن، وخيار الحل الطائفي، الانكفاء من النهوض الشعبي العارم الجبار إلى غريزة القطيع، ونوازع القطيع.. حيث يغيب الوعي، والمنطق، والمحاكمة العقلية، ويتسيّد الطائفيون المتاجرون السماسرة..كما هو الشأن في العراق.
 
الاحتلال يرحل، ولكن يبقى وكلاؤه، وسمّه المستشري الذي يقتل خصوبة الحياة، ويبدد الأمل.
تستحق الشام الغالية أن يتقدم المخلصون من أبنائها ليعلنوا تصديهم لهذا الإرهاب، ورفضهم للانحراف بحراكهم الشعبي السلمي إلى السلاح الذي يشق الصفوف، وينحرف عن الأهداف، ويفتح الأبواب للغزو الخارجي المدمّر.. الذي سيلحق سورية بالعراق موتا وخرابا وطائفية مريضة!
 
تستحق الشام أن تخرج السلطة بالدستور الذي يمنح المواطنة والحقوق كاملة للسوريين جميعا، وينهي هيمنة الحزب الواحد، ويساوي بين نساء ورجال سورية، ويرسّخ سيادة القانون.. والمواطنة.
الشعب السوري هو الذي يحمي سورية، ويصون قلب الشام وياسمينها، ويرد عنها المؤامرة غير الخافية، بل المفضوحة.
لم يفت الوقت نهائيا على سورية التي تترنح على حافة هاوية فاغرة.. يتحفز أعداؤها لدفعها فيها!
الشعب السوري الممزق بين عقلية الحل الأمني.. والمعارضة المتلهفة على تقدم جحافل الناتو لتدمير سورية..هو من ينقذ سورية من ( العقليتين)، ويخرج بها إلى فضاء الحرية والكرامة.

التعليقات