31/12/2011 - 15:12

في مواجهة قوانين النيو صهيونية!/ *إمطانس شحادة

في ضوء هذه المواقف والمعطيات، وحقيقة إنّ الجمهور الإسرائيليّ، على غرار القيادة الإسرائيليّة، غير مهيَّأ لقبول مبدأ السلام العادل مع الشعوب العربيّة، وغير مهيَّأ لعمليّة مصالحة مع شعوب المنطقة ولا مع الفلسطينيّين من سكّان إسرائيل، لا بد للفلسطينيين من طرح مشاريع سياسية تقاوم محاولة اغلاق ملافاتهم وقمع هويتهم وانتمائم وتحديد سقف العمل والطرح السياسي.

في مواجهة قوانين النيو صهيونية!/ *إمطانس شحادة

 

مرّ المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في إسرائيل في العام الأخير بتطورات عديدة؛ بداية بانفصال ايهود بارك عن حزب العمل واقامة حزب الاستقال، ومن ثم الهلع الإسرائيلي من الثورات العربية، وبعدها حرارة الاحتجاجات الصيفية ومن ثم تفكيكها بواسطة لجنة طرختنبرغ، والترهيب من استحقاق أيلول الفلسطيني، ولغاية المبارزة الحالية بين التيارات المتدينة الأصولية وما تبقى من أشلاء تيارات ليبرالية علمانية داخل المجتمع الإسرائيلي. إلا أنّ الثابت في المشهد السياسي الإسرائيلي في العام الأخير هو محاولات المؤسسة الإسرائيلية والمشروع الصهيوني الجديد (النيو-صهيوني) تحديد إطار جديد للعبة الديمقراطية الشكلية وإعادة ترسيم قواعد وشروط مشاركة المجتمع العربي فيها.
 

مراحل إعادة صياغة شروط اللعبة السياسية في إسرائيل

 

المرحلة الأولى؛ اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة وتعديل قانون المواطنة
تصاعدت عملية إعادة صياغة حدود وشروط لعبة الديمقراطية الإجرائية في إسرائيل على مراحل منذ هبة اكتوبر والانتفاضية الثانية. ففي المرحلة الأولى عملت المؤسسة على تقييد العمل السياسي الجماعي للفلسطينيين في إسرائيل، بواسطة وضع شروط جديدة لمشاركة احزاب عربية في انتخابات الكنيست، منها تعديل قانون 7أ من قانون أساس الكنيست واشتراط الاعتراف بيهودية وديمقراطية الدولة ومنع دعم كفاح مسلح ضد إسرائيل كشروط إضافية لخوض الانتخابات؛ ومن ثم إضافة هذه الشروط إلى قانون الأحزاب.
 
وبعدها جاء تعديل قانون الأساس- الكنيست (مرشّح مكث في دولة عدوّ على نحوٍ غير قانونيّ)، الذي يلغي حقّ مواطن إسرائيليّ في التنافس في الانتخابات البرلمانيّة إذا زار، بدون مصادقة وزير الداخليّة، إحدى الدول التي تُعرَّف في القانون الإسرائيليّ كدولة عدو.
كذلك ادخلت تعديلات على قانون المواطَنة والدخول إلى إسرائيل-2002 (يمدد لغاية الان)، للحفاظ على التفوق الديمغرافي اليهودي، عن طريق منع من لم شمل عائلات فلسطينية احد الازواج فيها من سكان المناطق الضفة الغربية وقطاع غزة او دولة عدو. ومن ثم تعديل قانون المواطَنة -2008، الذي يمنح الدولة امكانية سحب المواطَنة بسبب فعل الإخلال بالولاء للدولة، وهو فعل يجري تعريفه على نحوٍ فضفاض للغاية.
 
المرحلة الثانية؛ موجــــة قوانين عنصرية لقمع الهوية الجماعية
في المرحلة الثانية من موجة القوانين العنصرية وسعت المؤسسة النطاق لتشمل قمع الهوية الجماعية والوعي الجماعي للفلسطينيين، وتقييد التصرف السياسي على مستوى الافراد. وبذلك بدأت تعمل على تقييد حقوق مواطن اساسية وتقمع الحقوق السياسية واشتراطها بمواقف سياسية لائقة ومقبولة. برزت ملامح هذه الحقبة، بالاساس قبيل انتخابات العام 2009 والحرب الإسرائيليّة على غزّة، ومن ثَمّ في مرحلة الحملة الانتخابيّة، وبلغت ذروتها في قبول حزبَي الليكود وكديما مَطالب حزب يسرائيل بيتينو الائتلافية.
 
نتائج الانتخابات دلت على بداية مرحلة جديدة في تعامل دولة إسرائيل مع الأقلـّيّة الفلسطينيّة، تتميز بوجود شبه إجماع بين الأحزاب الصهيونيّة الأساسيّة على قبول خطاب ليبرمان الذي يطالب بسَنّ قانون يقرن بين قَسم الولاء للدولة -من جهة-، والمواطَنة -من جهة أخرى. وبدا واضحا أنّ الحكومة ستنتقل إلى التهديد المباشر والمساومة على المواطَنة الممنوحة للفلسطينيين، وسوف تطالِبهم بحسْم موقفهم على نحو نهائيّ في مسألة قبول الشروط الإسرائيليّة للإبقاء على المواطَنة.
 
 ترجمة هذه الاهداف تم منذ الانتخبات الاخيرة في العام 2009 بواسطة سن عدد من القوانين، وتفاقمت في العام 2011، أبرزها
تعديل اقتراح قانون أسس الميزانيّة (تخفيض ميزانيّة أو دعم بسبب نشاطات ضدّ مبادئ الدولة)، 2010، الذي يُعرف باسْم "قانون النكبة". يرمي هذا القانون -بالإضافة إلى تقييد حرّيّة التعبير عن الرأي وعن الموقف السياسيّ- الى ردع المؤسّسات العامّة من اتّخاذ مواقف سياسيّة غير مقبولة على المؤسّسة الإسرائيليّة في عدّة مجالات، منها النضال الفلسطينيّ ضدّ الاحتلال، أو دعم أيّ مقاومة عربيّة تجاه إسرائيل، ومواقف في مجال تعريف الدولة كدولة يهوديّة وديمقراطيّة.
 
تعديل قانون أوامر الجمعيّات التعاونيّة (رقم 8) 2011، الذي يشترط على كلّ مَن يسعى للانتقال إلى بلدة صغيرة في منطقتي النقب والجليل، يشترط الحصولَ على موافقة من لجان قبول تتألّف من سكّان المدينة، وعضو في الوكالة اليهوديّة أو المنظّمة الصهيونيّة العالميّة. يخوّل القانون هذه اللجانَ أن ترفض المرشَّحين الذين تراهم "غير ملائمين لطريقة الحياة في المجتمع"، أو "قد يضرّون بنسيج المجتمع".
 
تعديل قانون المواطَنة، الذي يمنح صلاحية للمحكمة بإلغاء مواطنة إذا أُدينَ شخص بجنحة ما وقرّرت المحكمة أنّ الجنحة هي عمل إرهابيّ.
إقرار "قانون منع المساس بدولة إسرائيل بواسطة المقاطعة 2011"، الذي يجرِّم ويعاقب كلّ مَن يدعو إلى مقاطعة إسرائيل. وينصّ القانون على تجريم أيّة دعوة إلى مقاطعة دولة إسرائيل أو لمواطني دولة إسرائيل أو مؤسّساتها، أو مقاطعة مناطق تحت سيطرتها (والقصد مقاطعة المستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة). والملاحظ أنّ نصّ القانون جارف وضبابيّ يسهِّل تجريمَ أيّة دعوة إلى المقاطعة.
من مشاريع القوانين التي عُرضت على الكنيست في الاشهر الاخيرة والتي تندرج في السياق ذاته، كان:
"اقتراح قانون الجمعيّات (تعديل - منع دعم كيان سياسيّ غريب لجمعيّات سياسيّة في إسرائيل)، 2011"، الذي يهدف الي منع الجمعيات من الحصول على تبرّعات من أيّ دولة أجنبيّة أو مؤسّسات تمثّل دولاً لجمعيات إسرائيلية تسعى للتأثير على الأجِنْدة السياسيّة والأمنيّة، أو تنظّم نشاطًا ذا طابع سياسيّ.
 
مشروع قانون لتشكيل لجنتَيْ تحقيق برلمانيّتين ضدّ منظّمات حقوق الإنسان الإسرائيليّة اليساريّة؛ أي الجمعيّات التي لم تخضع بعد للخطاب السياسيّ اليمينيّ المهيمن، وتُتَّهَم بتوفير معلومات عن تصرّفات الجيش الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
تلك القوانين واقتراحات القوانين، التي لم نشملها كلها لضيق الحيز، يوضّحوا استعمال أدوات توفّرها الديمقراطيّة الشكليّة لفرض قواعد لعبة تقيّد الديمقراطيّة، ويحدّان من حرّيّة التعبير عن الرأي، وموجَّهة على نحو مباشر أو غير مباشر للمسّ بالمواطنين العرب، وتعمل على قمع الهُويّة والانتماء القوميّ، وإلى تحديد العمل السياسيّ، وتقليص هامش الحقوق السياسيّة، المقلَّصة أصلاً، إلى أدنى الدرجات. وتدل على انزلاق النظام إلى نظام فاشيّ ديني  غير ديمقراطيّ.
 
قوننة يهودية الدولة والنيو صهيونية
لا شيء يحدث في فراغ ايديولوجي في إسرائيل. وما يحدث حاليا من تديّن الحركة الصهيونية وصهينة الحركات الدينية، وينعكس في قوننة يهودية إسرائيل، ومساعي معاقبة كل من يرفض العقيدة الصهيونية الجديدة، لا ينبع فقط من حاجة النخب الجديدة الحاكمة ، التي تبدلت في العقدين الاخيرين، الى تنفيذ شهواتها ونزاوتها تجاه الفلسطينيين، والامساك بزمام السلطة.
 
فأهداف المشروع أوسع وأعمق من ذلك بكثير، وتتصل برغبة النخب تطبيق عقيدة فكرية "نيو-صهيونية" بدأت تتبلور وتتمكن منذ احتلال الضفة الغربية في العام 1967، ما دامت الظروف تسمح بذلك وما دامت تملك الادوات والامكانية.
 
ترى النخب الحالية انه على الرغم من انتشار الفكر النيو صهيوني المحافظ منذ سبعينيات القرن المنصرم، الا ان القوة والتأثير السياسي لهذا التيار بقيت هامشية لغاية بداية القرن الحالي، ولم يبلغ مرحلة المأسسة والتغلغل في شرائح مجتمعية واسعة، ودون ان ينجح في السيطرة على مراكز سياسية، وثقافية واكادمية ومؤسسات غير حكومية، او اختراق السلطة القضائية، والصحافة والإعلام، أي دون أن ينجح بالسيطرة على مراكز التأثير وصناعة الرأي العام بشكل كاف، لكي يتحول الى خطاب سياسي فكري مهيمن، على غرار سيطرة حزب العمل على المشروع الصهيوني منذ بدايته ولغاية سبعينيات القرن المنصرم.
 
المشروع النيو-صهيوني الحالي هو استمرار للمشروع الصهيوني، لكن بحلة وقيم جديدة، يدمج بين فكر الحركة التصحيحية (حزب الليكود التاريخي) وطرح التيارات الصهيونية الدينية التي نمت في "مركاز هراف" وانتشرت بين المستوطنين في الضفة الغربية، مع تطرف سياسي وقناعة بوجوب استعمال القوة لفرض وجود إسرائيل (عقلية الجدار الحديدي).   أي أننا بصدد معسكر محافظ يريد وضع بصماته على المشروع الصهيوني وتصميميه بشكل مختلف عن المشروع الصهيوني التقليدي الذي أنتجه المعسكر العمالي. المشروع الحالي يرتكز على القيم اليهودية وكونها الرابط الأساس للمجتمع، وعلى استمرار الاستيطان، وانتهاج اقتصاد السوق، وزيادة قوة إسرائيل واستمرار تفوقها في المنطقة، كما تحتم فرضيات الجدار الحديدي.
 
حاليا وبعد أن سيطر هذا المعسكر على أدوات صناعة القرار في إسرائيل، ونجح في التحول الى خطاب سياسي مهيمن كما توضح كافة مؤشرات الرأي العام والاستطلاعات، زاد من استعمال أدوات التشريع بهدف اغلاق ملفات الفلسطينيين في إسرائيل (وسوف يستمر)، ابرزها: الهوية والانتماء؛ فرض التصرف السياسي المقبول؛ قبول المواطنة المشروطة والمنقوصة؛ قمع مشاريع سياسية عربية تتحدى المشروع الصهيوني.
 
 
المشاريع السياسية المواجِهة
في ضوء هذه المواقف والمعطيات، وحقيقة إنّ الجمهور الإسرائيليّ، على غرار القيادة الإسرائيليّة، غير مهيَّأ لقبول مبدأ السلام العادل مع الشعوب العربيّة، وغير مهيَّأ لعمليّة مصالحة مع شعوب المنطقة ولا مع الفلسطينيّين من سكّان إسرائيل، لا بد للفلسطينيين من طرح مشاريع سياسية تقاوم محاولة اغلاق ملافاتهم وقمع هويتهم وانتمائم وتحديد سقف العمل والطرح السياسي.
 
ففي ظروف غير اعتيادية تطرح مشاريع سياسية غير تقليدية متحدية الوعي الجماعي والمصطلحات والمفردات القائمة. لذلك لا بد من طرح مشروع سياسي فلسطيني جماعي ينظم ويوحد شعارات ومفردات النضال المشترك، ويعمل على تفكيك منظومة السيطرة الإسرائيلية المفروضة على كافة فئات الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده. فالسيطرة واحدة وان اختلفت الأدوات.
 
 وبهذا تتبدل المعادلات التقليدية القائلة ان انهاء الاحتلال والاستعمار في الضفة الغربية هو شرط ضروري لتحويل النظام الاسرائيلي الى ديمقراطي والى تحقيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، الى معادلات تقول ان كسر منظومة السيطرة وتحويل النظام الى طبعي ديموقراطي سوف يؤدي بالضرورة الى انهاء الاستعمار وزوال الاحتلال.
 
ليس من الضرورة ان يعكس المشروع السياسي اجماع فلسطيني شامل، بل يكفي ان يعكس توافق على سقف ادنى لرؤيا سياسية موحدة لمواجهة نمو النظام الفاشي ومنظومة السيطرة القائمة. وهذا ليس مستحيلا.     

التعليقات