03/01/2012 - 15:03

حول أيديولوجيا المصالحة- والمفاوضة الفلسطينية.. العودة إلى منابع أوسلو!../ نزار السهلي

قبل أن نتحدث عن التغييرات البنيوية لأيديولوجيا المصالحة الفلسطينية، في لقاء القاهرة الأخير بين كل من فتح وحماس و"مباركة" فصائل المنظمة له تم الإعلان عن دخول حركة حماس والجهاد الإسلامي في "الإطار القيادي" لمنظمة التحرير، تجدر الإشارة إلى أن جزءا من هذه الفصائل قدم التبرير للعديد من مواقفه التي اتسم بعضها بالعصبية والفاعلية الناشطة لهذه المواقف، على أساس أن المشروع السياسي الفلسطيني اصطدم في عديد محطاته بعجز الإنجاز المهم الذي من الممكن وصفه على أنه إخفاء لأهدافه الحقيقية

حول أيديولوجيا المصالحة- والمفاوضة الفلسطينية.. العودة إلى منابع أوسلو!../ نزار السهلي
قبل أن نتحدث عن التغييرات البنيوية لأيديولوجيا المصالحة الفلسطينية، في لقاء القاهرة الأخير بين كل من فتح وحماس و"مباركة" فصائل المنظمة له تم الإعلان عن دخول حركة حماس والجهاد الإسلامي في "الإطار القيادي" لمنظمة التحرير، تجدر الإشارة إلى أن جزءا من هذه الفصائل قدم التبرير للعديد من مواقفه التي اتسم بعضها بالعصبية والفاعلية الناشطة لهذه المواقف، على أساس أن المشروع السياسي الفلسطيني اصطدم في عديد محطاته بعجز الإنجاز المهم الذي من الممكن وصفه على أنه إخفاء لأهدافه الحقيقية.
 
فقد برزت وتشابكت المواقف السياسية التي صاحبت سنوات الانقسام الفلسطيني في مفارقة تؤكد دائما بصورة عقلانية أن طرفي الصراع على الساحة السياسية الفلسطينية أضفيا طابعاً أيديولوجياً، وأهابا به لتبرير واقع الحال ليكون اتفاق القاهرة في نسختيه، الماضية "الرابع من مايو" الماضي وكانون الحالي، متوجا بلقائي قمة بين عباس ومشعل. واليوم مشاركة رمضان شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي. ومن هنا ينظر البعض إلى اللقاء على أنه ثمرة جهود وتغيير ليس في الايديولوجيا الفلسطينية التي عكست أجواء الانقسام والاختلاف في الرؤية لمشروع الفلسطينيين الوطني وإنجاز تطلعاتهم الوطنية فحسب، وإنما في القدرة على الانجرار خلف مشروع التسوية السياسية من خلال انصياع طرف لأيديولوجيا الآخر.
 
فهل التغيير الذي طرأ على الشارع العربي، والمواقف السياسية خلقت أجواءً إيجابية لتخطي عقبات الانقسام؟ خصوصا أن المسيطر في أيديولوجيا الانقسام هو اختلاف الرؤية برمتها من "عملية السلام" واعتبار طرف لها على أنها انخراط في مشروع العجز والتخاذل الذي سلكه فريق أوسلو، بينما تحتكم المصالحة اليوم على تقاسم إفرازات أوسلو وعلى رأسها "السلطة" الفلسطينية وما تفرع عنها من مجلس تشريعي ورئاسي ومؤسسات السلطة المختلفة. وعن هذه النقطة بالذات يجري بحث ما سيتم اقتسامه في تشكيلة الحكومة القادمة التي ستسمى حكومة المصالحة بعد الاتفاق على صيغة القانون الانتخابي، والحاضر الأهم فيها إسرائيل التي تمسك بخيوط نجاح أو فشل هذه المصالحة، وبالتالي فإن شعارات التوافق للمصالحة أشاعها منظرو طرفي الانقسام ولم يعد بإمكانهم بث الحماس والحمية للجمهور الفلسطيني عن أسباب استمرار الانقسام طالما البحث يتم عن الظفر بمساحة معينة من السلطة، والتي بدورها تحتضن تفاصيل الوجود من شرعية واستمرار من خلال الخضوع لمفهوم الأمن الإسرائيلي كناظم رئيسي لعلاقة السلطة ومؤسساتها الإدارية في مناطق نفوذها لتطلع بدورها على تنفيذ مهامها.
 
واستنادا لفكرة التعايش مع المصالحة التي تطرحها أيديولوجيتها فإن بوابة العبور لحماس لا بد أن تُكتسب من رام الله التي ستقوم بتسويق حماس في ظل شرط متغير مرتبط أساساً بمنابع أوسلو مما يفرض بالضرورة علاقة بين السلطة في رام الله وحركة حماس منطلقها المحاصصة واقتسام غنيمة السلطة عبر الدخول لمؤسسات منظمة التحرير كأساس لفكرة المصالحة التي تبدو في ظاهرها نهاية التشرذم لمواجهة الاحتلال وسياساته، غير أن واقع الحال المشكل لفسيفساء السياسة الفلسطينية من بقية الفصائل الحاضرة في اتفاق القاهرة لمباركة مولود مشوه وهش لن يصمد أمام متغيرات التسوية مع إسرائيل، والتي تقوم أساساً على نسف كل الأوهام المُشكلة لسلطة زائفة، وهي فصائل كانت فكرتها التحرير والعودة وهما مكونان أساسيان من مكونات هذه الأيدولوجيا لفصائل تبع اسمها.... لتحرير فلسطين.
 
ما من أحد لديه حس سليم يشك في قسوة الراهن الذي نعيش بل قل إنه أقسى مما يظن البعض حتى أصحاب اتفاق المصالحة ذاتهم يدركون أن كل ما أتت عليه خطوات السياسة الفلسطينية بعد عقدي التسوية ابتلع فيه الاستيطان كل أوهام الدولة الموعودة في "حدود 67" الذي يأمل البعض العربي والفلسطيني إنجازه بالضغط على إسرائيل.
 
وأحب أن أشير هنا إلى أن كل حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ أوسلو وحتى اليوم ليسوا مع فكرة "السلام" بحد ذاتها بقدر ما يقدموا ملهاة سياسية يجري التعامل معها وفق إستراتيجية محددة يغيب فيها شرط التوازن والمواجهة لصالح العدو، وبالتالي يكتسب موقف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بُعداً مختلفا عما يتم التحضير له من خلال الرفض المطلق للدخول والمشاركة في أية سلطة تحكمها العلاقة مع "المُحتل" الذي أمعن في عدوانه وحصاره وسيطرته المطلقة المُكبلة لوحدة الشعب الفلسطيني، إذ تأمل حركة الجهاد الإسلامي بمشاركتها في الإطار القيادي للمنظمة ما يسمح لها بعرقلة ووقف الانحدار الجارف نحو منابع أوسلو.
 
إذا كانت كل من فتح وحماس تنظر إلى اتفاقها على أنه فرض طرف على الآخر شروطه، فنعتقد أن حماس استطاعت الدخول من البوابة التي دخلت منها السلطة للاعتراف والقبول بها كلاعب في السياسة الفلسطينية، والكلمات الدالة على المصالحة الفلسطينية في أيدولوجيا فتح وحماس، حول ضرورة توحيد وترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام، وتوحيد "جناحي الوطن" والاحتكام لصندوق الانتخاب"، وهناك مشروعان في الساحة الفلسطينية مُفرط بالحقوق وآخر متمسك بالمقاومة"..الخ، كلها شعارات تصب في خانة إيجاد المبررات لما سيُقدم عليه أطراف الصراع في البيت الفلسطيني في المرحلة المقبلة.
 
غير أن التجاذب الحاصل في أيديولوجيا المفاوضات العبثية بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال وصراع العودة للمفاوضات وفق الشروط الفلسطينية والإجراءات الإسرائيلية تنسف ما تدعيه الأطراف حول التمسك بثوابت "عملية السلام" و"المقاومة"!. والسؤال المطروح فلسطينيا ماذا جنت السلطة في الادعاء بوقف المفاوضات قبل التخلي الصهيوني عن البناء الاستيطاني؟ ومن ثم اللهث مجددا في عقد اجتماعات سرية تارة وعلنية تارة أخرى كما هو حاصل مع الرباعية الدولية التي أعلنت في أكثر من مناسبة إخفاقها في الضغط على الجانب الإسرائيلي وإلزامه بشروطها، ونجاحها في الضغط على السلطة للعودة للمفاوضات.
 
تخفق السلطة الفلسطينية من جديد بإعادة تسويق نفسها، من خلال ارتداء أثواب التشدد اللفظي في العودة للمفاوضات، وتخفق أيضا في شعارات الحفاظ على الوحدة الفلسطينية والمصالحة الفلسطينية من خلال الالتزام المطلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال. وهذا الإخفاق ينسحب على الفصائل المنضوية تحت م.ت.ف المكتفية بإصدار بيانات الاستهجان والاستنكار من سلوك السلطة وخروجها عن الإجماع الوطني كما يأتي في بياناتها بعد كل إعلان عن استئناف للمفاوضات، وبالتالي هي في عجز وورطة مستمرة في غياب الأجوبة الواضحة والصريحة حول دورها في رعاية مصالحة واقع المفاوضات أم مصالحة الفلسطينيين للانقسام، والتمترس خلف الارتجال والتذاكي لكبح جماح حركة تحرر وطني افتقدت ما يمارسه أي شعب واقع تحت الاحتلال، والتذاكي الحاصل في تعريف الشعب الفلسطيني لأنواع المقاومة، هل تكون شعبية أم سلمية أم مسلحة؟ تعني في ما تعنيه تمييع وتشويه صورة النضال الفلسطيني، فالمقاومة في قاموس من يحرس الاتفاقات الأمنية هي المفاوضات ولا شيء آخر، والذي يمتلك إجابة أخرى فليخبر الشعب الفلسطيني كيف سيجبر المحتل على وقف الاستيطان واجتثاث المستوطنين وإعادة القدس واللاجئين.
 
فلسطين في نهاية الأمر ليست فصيلين أو أكثر بل هي شعب منبسط على أرضه ومترام في شتاته، وهو جزء من عناصر الوعي العربي الذي خرج بملايينه غاضبا، معتبرا نفسه عنصرا من عناصر إيديولوجيا تحرره وإنهاء استفراد واستغلال شعار فلسطين ومسمياتها في غير مكانها وزمانها. المطلوب اليوم أن تتحول شعارات المصالحة الفلسطينية والعربية نحو إستراتيجية واضحة تحفظ الحق الفلسطيني وتسترده كاملا، وهو الشرط الذي تنجح به الفصائل لتثبيت علامة المصالحة دون أن تشرب من نبع أوسلو.

التعليقات